قضايا وآراء

السودان ما بعد الاتفاق الإطاري: مفارقات المشهد وتعقيدات الواقع

استثنى الاتفاق الإطاري قوى سياسية كبيرة أهمها الإسلاميون- سونا
(1)

الحال السياسي في السودان ما بعد توقيع الاتفاق الإطاري (5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري) أكثر وضوحا، والمواقف أكثر بروزا، فقد انتقلت الكتل والجماعات السياسية والمكونات من مبادرات شتى وطروحات متعددة إلى وثيقة واحدة؛ حولها النقاش بالمدافعة عنها والانحياز لها، أو بانتقادها ومن ورائها والتحذير من عواقبها. ويبدو أن هذه غاية أساسية من القوى الدولية، لبناء منصة والوقوف خلفها، خاصة أنها جمعت المكون العسكري وبعض القوى المدنية.

ويمكن الإشارة لعدة نقاط مهمة:

أولا؛ لم يعد الخلاف بين مكون عسكري ومدني، وإنما "مع" الاتفاق أو "ضد"، وهذه النقطة خففت الضغط على المكون العسكري، وقد حسم نقاط خلافه كافة، بينما بقيت نقاط الخلاف ذات الطابع المدني مفتوحة.
حسم الاتفاق حالة الخلاف والتقديرات في المكون العسكري، خاصة بين البرهان وحميدتي ومساعي الأخير للتسوية مع قوى الحرية والتغيير، بينما تبدو المؤسسة العسكرية حذرة في تعاملها مع قوى الحرية بعد استعداء متواصل

وثانيا؛ فإن المعارضين، ما بين أقصى اليمين (نداء السودان، والتيار الإسلامي العريض)، وما بين أقصى اليسار (الحزب الشيوعي والناصرى والبعث)، مع قوة تأثيرهم، وفاعليتهم، فإن منطلقاتهم مختلفة، ومن الصعب تشكيل قوة أو تحالف بينهم.

وثالثا؛ حسم الاتفاق حالة الخلاف والتقديرات في المكون العسكري، خاصة بين البرهان وحميدتي ومساعي الأخير للتسوية مع قوى الحرية والتغيير، بينما تبدو المؤسسة العسكرية حذرة في تعاملها مع قوى الحرية بعد استعداء متواصل، وقد نجح البرهان حتى الآن، خلال النفس الطويل، من تقليل حدة مواقف الرتب العليا في الجيش.

ورابعا؛ تغييب مفهوم "الحاضنة السياسية"، ومع أن بعض قيادات قوى الحرية والتغيير تتصدر المشهد، فإن التفاصيل تشير إلى أن الأمر متشعب، فالإشارة لقوى الثورة أكثر من أن تستوعبه أربعة أحزاب، وإن استعانت لذلك بكيانات وهمية.

(2)

هناك حقائق ملموسة، وتنعكس مباشرة على الواقع السياسي، وأولها: ثقل المجتمع الدولي ودعمه للاتفاق، وبالقدر نفسه سحب الغطاء السياسي والإعلامي والدعم المالي من أطراف أخرى، والإشارة هنا تحديدا لجماعة أقصى اليسار بمنظماتهم النسوية والشبابية وبعض لجان المقاومة. وتَجَاوُزا للمثالية، فإن بعض أطراف المجتمع الدولي تستخدم هذه المجموعات في دعم مواقفها، وتوفر لها التمويل والتدريب والتأهيل، وسنرى نتائج ذلك في قادم المواكب والتظاهرات.

وثانيها؛ فإن تجاهل قضايا جوهرية مثل السلام وقضية الشرق، ستكون له ردة فعل مباشرة، إغلاق في الشرق أو عودة للحرب، وهذه من القضايا المعلقة، ومن الضروري التعجيل بحلها، وهي بالتأكيد تخصم من رصيد "قوى الحرية والتغيير" السياسي، والمعالجة تقلل من قوة وسطوة "قحت".

وثالثا؛ إن شعور التيار الإسلامي والوطني بأنه مستهدف، في فكرته وفي حقه في التعبير، وفي قيادته بالاعتقال والعسف، سيؤدي لمزيد من الاحتقان السياسي، وقوة الاستقطاب؛ وذلك نظرا لفاعلية هذا التيار في التعبئة والتنظيم والحشد، والارتباط بشرائح اجتماعية واسعة التأثير.

(3)
محاولة اختطاف البلاد وتماسكها المجتمعي وموروثها الثقافي لصالح أجندة خارجية، لن يقود للاستقرار، وسيؤدي للمزيد من التشظي، وقوى الحرية والتغيير اليوم أضعف مما سبق وأقل تأثيرا وفاعلية، والتيارات الوطنية والإسلامية استعادت قدرتها في الشارع ومن الصعب تجاوزها

وإزاء هذا الراهن، فإن النقاش لا بد أن يتجه إلى:

- توسيع الاتفاق إلى وثيقة جامعة، تحذف منها نقاط خلاف جوهري، وتضاف إليها بنود مهمة، أولها: أن الإسلام دين الدولة ومصدر التشريع.

- تحديد مهام الانتقال بقضايا المعاش والأمن وتدابير الانتقال، وصولا إلى انتخابات حرة، ويقتضي ذلك حكومة كفاءات مستقلة.

- الالتزام باتفاقية جوبا للسلام وإلغاء المسارات، وخاصة الشرق، واعتماد توصيات مؤتمر سنكات.

إن محاولة اختطاف البلاد وتماسكها المجتمعي وموروثها الثقافي لصالح أجندة خارجية، لن يقود للاستقرار، وسيؤدي للمزيد من التشظي، وقوى الحرية والتغيير اليوم أضعف مما سبق وأقل تأثيرا وفاعلية، والتيارات الوطنية والإسلامية استعادت قدرتها في الشارع ومن الصعب تجاوزها، فمن الأفضل تحقيق تراضٍ وفق مصلحة البلاد العليا.