كتاب عربي 21

لقاء عقيلة والمشري.. هل من جديد؟

1300x600
لقاء رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، في المغرب نهاية الأسبوع، لم يكن مبعث تفاؤل، بل إنه أثار قلقا في أوساط النخبة والنشطاء السياسيين وغيرهم من المهتمين بالأزمة الليبية خاصة في غرب البلاد.

في نظر المتشائمين فإن الاجتماع لم يكن الأول، ولم تعرف معظم اجتماعاتهما مضمونا مهما يبعث على التفاؤل ويقر سياسات تجد طريقا إلى التنفيذ فتغير من الواقع المأزوم. وهذا وضع تلبست به جُل إن لم تكن كل اللقاءات التي جمعت بين عقيلة صالح وخالد المشري منذ ما يزيد عن أربع سنوات.

بالمقابل، فإن رصد مؤشرات عدة وتتبع بعض الحوادث هنا وهناك يمكن أن يساعد على تقييم الاجتماع بشكل مختلف نسبيا؛ منها أن الاجتماع الذي قيل إنه يأتي في سياق دعم المسار الانتخابي وجَّه البوصلة ليس إلى الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات، بل إلى مسائل لا علاقة لها بهذا المطلب برغم محاولة الطرفين التأكيد على أنها تمهد لإجراء الانتخابات، بتوحيد المؤسسات السيادية.
النظر إلى الأجندة التي التقى حولها عقيلة والمشري والتي ركزت على ملف المناصب السيادية، يمكن القول إن الاجتماع له ما بعده بمعيار التدافع بين الطرفين ومصالح الطرف الأكثر فاعلية في المسار السياسي

من هذه الزاوية، وبالنظر إلى الأجندة التي التقى حولها عقيلة والمشري والتي ركزت على ملف المناصب السيادية، يمكن القول إن الاجتماع له ما بعده بمعيار التدافع بين الطرفين ومصالح الطرف الأكثر فاعلية في المسار السياسي، وهو مجلس النواب، أو رئاسته والكتلة الداعمة للرئيس، والذين ينتهجون نهج المغالبة في التفاوض حتى مع تراجع نفوذهم سياسيا وتراجع نفوذ حليفهم العسكري، خليفة حفتر.

تقرر خلال الاجتماع تنفيذ اتفاق بوزنيقة بخصوص المناصب السيادية، والذي يقضي بإسناد منصب محافظ المصرف المركزي وهيئة الرقابة الإدارية إلى المنطقة الشرقية، وديوان المحاسبة والنائب العام للغرب، على أن يسند منصب رئيس المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد للجنوب.

والحقيقة أن المنصب الأكثر حيوية هو محافظ المصرف المركزي، ويعتقد كثيرون أن اتجاه طبرق والرجمة هو سحب البساط من الجبهة الغربية التي كانت عصية على الكسر عبر العمل العسكري واختراقها من خلال توافقات سياسية كانت غايتها تعيين رئيس حكومة ومحافظ المركزي موالون لطبرق والرجمة أو على وفاق معهما. فالصديق الكبير خارج عن سلطتها، وفشلت محاولات تغييره بقرار من مجلس النواب، فصار التوافق على تنحيته هو البديل الأجدى.
المنصب الأكثر حيوية هو محافظ المصرف المركزي، ويعتقد كثيرون أن اتجاه طبرق والرجمة هو سحب البساط من الجبهة الغربية التي كانت عصية على الكسر عبر العمل العسكري واختراقها من خلال توافقات سياسية كانت غايتها تعيين رئيس حكومة ومحافظ المركزي موالون لطبرق والرجمة أو على وفاق معهما

ليس مستبعدا أن يكون الاتجاه إلى تغيير المحافظ الحالي قد بُحث على مستوى دولي، فالدعم الذي تلقاه الكبير أمام قرار إقالته العام 2016م جاء من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، غير أن تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا، ريتشارد نورلاند، مؤخرا توحي بأن الموقف الأمريكي في اتجاهه للتغيير، وإذا تأكد ذلك فإن الكبير سيواجه مشكلة في حال تقرر تغييره وقرر هو الاستمرار والمواجهة.

هناك موقف الجبهة الغربية من تنحية الكبير والذي عبر عنه عبد الحميد الدبيبة بالقول إن ما يجري في المغرب انحراف عن مسار الانتخابات الذي يستلزم التوافق على الأساس الدستوري وليس المناصب السيادية، وهو موقف يتأسس على الاعتقاد بأن عقيلة وأنصاره لا يريدون الانتخابات، وغاياتهم السيطرة على مفاصل الدولة من خلال التحكم في القرار السياسي والمالي العسكري، لهذا من المتوقع أن يقابل الاتفاق الجديد بين عقيلة والمشري بالرفض.
روح الانسجام والتقارب اللذين تحدث عنهما المشري وقال إنهما سادا اللقاء مع عقيلة صالح، أو التعهد بتعيين شخصية ليس لها موقف معلن من الصراع الدائر، لا يشكل ضمانة كافية لعدم العودة إلى نهج المغالبة وإخضاع المصرف المركزي لأجندة سياسية ضيقة، ومتابعة مواقف وتصريحات عقيلة صالح المتناقضة

بقيت محاولة فهم وتفسير مجاراة المشري، وهو محسوب على الجبهة الغربية، لعقيلة وداعميه بتأخير الاتفاق على متطلبات الاستحقاق الانتخابي وتقديم ملف المناصب السيادية. وما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن المشري يواجه ضغوطا داخلية وخارجية تتعلق بكسر الجمود وتحقيق تقدم على المسار السياسي، خاصة أنه يرى أن عقيلة قدم تنازلا بالتخلي عن مطلب السماح بترشح مزودجي الجنسية والعسكريين للانتخابات الرئاسية، والذي كان من أهم أسباب فشل الحوار بخصوص الانتخابات. يضاف إلى ذلك ما قيل عن تعهد عقيلة صالح بأن يكون المرشح لشغل منصب المحافظ بعيدا عن الصراع وغير منحاز لجبهة طبرق والرجمة، وهو ما يعتبره الداعمون للاتفاق الجديد من الجبهة الغربية ضمانة لعدم إخضاع المصرف المركزي لأجندة سياسية وعسكرية، كما وقع مع الحبري الذي أعلن دعمه للهجوم على العاصمة الذي قاده حفتر في نيسان/ أبريل 2019م واعتبره أولوية بالنسبة لمركزي البيضاء.

غير أن روح الانسجام والتقارب اللذين تحدث عنهما المشري وقال إنهما سادا اللقاء مع عقيلة صالح، أو التعهد بتعيين شخصية ليس لها موقف معلن من الصراع الدائر، لا يشكل ضمانة كافية لعدم العودة إلى نهج المغالبة وإخضاع المصرف المركزي لأجندة سياسية ضيقة، ومتابعة مواقف وتصريحات عقيلة صالح المتناقضة خلال السنوات الماضية يدعم هذه الفرضية، وبالتالي كان الأجدى عدم الانزلاق إلى هذا المسار الذي قد يعظم من حالة الاحتقان، والتركيز على المتطلبات الأساسية والمباشرة لإجراء الانتخابات، وتأجيل مطلب تغيير محافظ المصرف المركزي إلى حين التئام البرلمان الجديد.