كشف
الأكاديمي والدبلوماسي السوري المعارض، الدكتور محمد حسام الحافظ، أن "دولا غربية
بدأت خلال الفترة الأخيرة بقبول استمزاجات سفراء ودبلوماسيين سوريين تابعين للنظام،
ناهيك عن استمرار أو إعادة تفعيل اتفاقيات أمنية مع النظام واستقبال ضباط أمنيين في
تلك البلدان".
و"الاستمزاج"
يُعرف في اللغة الدبلوماسية بأن تقوم الدول بإرسال شرح واف ومفصل حول الشخص المنوي
تكليفه بمهام السفير في الدولة المستقبلة واعتماده كرئيس لبعثتها، وتأتي عملية الاستمزاج
حرصا على عدم وقوع سوء الفهم والخلاف بين الدولتين.
وشدّد
الحافظ، في مقابلة مع "عربي21"، على ضرورة "انطلاق حراك وطني واسع في
الداخل والخارج، وهناك فرصة وإمكانية لتفعيل هذا الحراك، لكن بشرط وجود حامل سياسي
لهذا الحراك، ومع إجراء مراجعات كبيرة وجذرية".
وقال:
"التغيير الجذري في سوريا سيحدث في حال وجود الحامل السياسي المقبول لدى الجميع؛
فيجب أن يكون لدينا قادة رأي وقادة اجتماعيون وشخصيات مجتمعية مدنية فاعلة وقيادات
سياسية وطنية حكيمة ورصينة، ثم يكون هناك تضافر بين جميع هذه الشخصيات والقوى، كي يحملوا
معا برنامج عمل واضحا ويتبنوا مشروع التغيير من جديد، وإذا وصلنا لهذه المعادلة يمكننا
القول إن التغيير الجذري قادم لا محالة، وأنه بات قوسين أو أدنى".
وتاليا
نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما قراءتكم
للمشهد السوري اليوم ومآلاته؟
نحن
للأسف أمام بقايا دولة أو بالأحرى شبه دولة مُمزقة، خاصة في ظل التشظي الكبير ووجود
مناطق النفوذ المختلفة لدول متعددة، حيث القوات الأجنبية باتت هي صاحبة السلطة المُنظمة
في البلاد، وبات النسيج الاجتماعي مُهدّدا في عدد كبير من المناطق السورية.
صحيح
أنه ما زال ثمة هيكل تنظيمي للدولة السورية، لكنه في أضعف وأسوأ أحواله؛ فهناك وزارات
تعمل لكن بالكاد تؤدي وظائف الدولة الأساسية ودون أي كفاءة، لأنها باتت لا تملك الحد
الأدنى من أدوات التفاعل والتأثير. لا يتعلق ذلك بالتغول المزمن للأمن والأجهزة الأمنية
فحسب، بل بضعف العامل البشري وزوال المنظمة القيمية في عمل مؤسسات الدولة.
وعلى
الصعيد الخارجي، هناك تمثيل دبلوماسي لدى بعض الدول التي لم تقطع علاقتها مع نظام الأسد
والتمثيل في الأمم المتحدة ما زال موجودا، ولكن أنظر كيف يجري التعامل مع مُمثلي سوريا
باعتبارهم مُمثلي نظام مارق، ورغم محاولات التعويم الجارية، إلا أن عضوية النظام في
جامعة الدول العربية ما زالت مُجمّدة، وما زالت معظم الدول العربية لا ترى فائدة في
إعادة التعامل مع النظام بوضعه الحالي.
ولكن
بالمقابل، أصبح الجانب الهيكلي والتنظيمي لقوى الثورة والمعارضة في أسوأ حالاته، لأنها
ليست على مستوى طموحات الشعب السوري، ولم تعد تحظى بأي نوع من الشرعية المقبولة لا
الشرعية التمثيلية الشعبية ولا حتى شرعية الإنجاز والأداء، بسبب الأخطاء الكبيرة التي
وقعت فيها، وما زال هذا الوضع سائدا بسبب تغول مجموعة صغيرة من المتحالفين مصلحياً
والذين نجحوا في تصدّر المشهد منذ سنوات، حيث يتبادلون المواقع والمهام دون أي كفاءة
أو شرعية، ودون حتى أن يكون لديهم شجاعة الاعتراف بالأخطاء ومحاولة التصويب بالاستناد
للبوصلة الوطنية والثورية.
وبالطبع
جزء هام من تدهور مشهد هياكل قوى الثورة والمعارضة يعود للتطورات الدولية والإقليمية
وانعكاساتها على تلك الهياكل وعلى متصدري المشهد فيها. فانعدام استنادهم لقوى شعبية
وعدم وجود آلية تمثيلية تداولية جعلتهم أداة طيعة بيد قوى إقليمية ودولية وعرضة لتقلب
مزاجها السياسي.
ويبقى
المسؤول الرئيسي عما آلت إليه هذه الأوضاع هو النظام القائم في سوريا الذي فضّل بقاءه
في السلطة ولو على جماجم مواطنيه، ولو كان الثمن ضياع ودمار البلد.
وبالطبع
من الهام معرفة أن شراسة النظام في الاستمرار في الحكم بشكله الحالي ترجع ليقينه بوجود
حصانة من المحاسبة على الجرائم الكبرى التي قام بها عبر عقود من الزمن، وخاصة منذ اندلاع
الثورة عام 2011 طالما كانت السلطة بيده. وهذا لا ينفي مسؤولية المجتمع الدولي ثم مسؤولية
متصدري قوى الثورة والمعارضة جراء ضعف تأهيلهم وكفاءتهم، وأخطائهم المتراكمة؛ فلولا
تلك الأخطاء لما كانت الأمور وصلت إلى هذا الحد من التردي والانهيار.
هل عدم
وجود البديل أدى لاستمرار نظام الأسد إلى الآن؟
بالفعل،
هذا أحد الأسباب الواضحة؛ وهذا الأمر لا ينطبق على السوريين فحسب، بل على المجتمع الدولي
أيضاً؛ فعدم وجود البديل الناصع والنموذج الجيد الذي كان يحلم به السوريون أسهم في
استمرار هذا النظام، وللأسف فإن المجتمع السوري فقير أصلاً بالقيادات المجتمعية والشخصيات
العامة الوازنة لأسباب بعضها يعود إلى التصحير المُتعمد من قِبل النظام طيلة العقود
الماضية، وبعضها يعود إلى طبيعة المجتمع السوري نفسه، وأقصد بذلك الطبيعة التنافسية
الكامنة في الشخصية السورية، والتي لا تقبل الانضواء بسهولة في منظومة تعاونية متكاملة.
وقد انعكس هذا سلباً بطبيعة الحال على الثورة السورية، وفقد الكثيرون الأمل بأن تكون
هناك شخصيات معارضة قادرة على قيادة المجتمع ومن ثم الدولة السورية؛ فسادت لدى شخصيات
المعارضة سرديات متناقضة وأهداف متعارضة أحيانا ومتنافسة أحيانا أخرى.
إذ لا
يكفي أن يكون لديك هدف مشترك عام فضفاض هو الانتقال السياسي، بل لا بد أن تحمل مشروعا
وطنيا متكاملا. بالمقابل ظل النظام متماسكا من حيث وحدة القرار ووحدة السردية من داخله،
وهذا ما أدى إلى إمكانية الاستفادة القصوى من الدعم الروسي والإيراني له، ومكنه من
تسويق حججه الملفقة من مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
كيف
ترى توسّع رقعة الاشتباكات بين فصائل الجيش الوطني السوري، وسيطرة عناصر "هيئة
تحرير الشام" على مدينة عفرين؟
هذا
استمرار متوقع لمشهد الفوضى وانعدام الحوكمة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتي
لم تعد مُحررة للأسف بفعل التخبط الذي تمارسه الفصائل متضاربة الأيديولوجيات وبخاصة
تلك المرتبطة بأجندات عابرة للحدود والتي على الرغم من أنها لا تمثل الأغلبية إلا أنها
الأكثر سيطرةً وتنظيماً.
في المقابل،
نفتقر إلى وجود منظومة حوكمة فيها فصل للسلطات وتوزيع مُعترف به للأدوار بحيث يكون
العسكري خاضعا للسياسي على أن ينبثق السياسي من شرعية تمثيلية، وأن يكون متمكنا من
أدوات الحكم من الجوانب الاقتصادية والمعيشية، وبالتالي قادر على تقديم الخدمات الأساسية
على أقل تقدير، لكن للأسف الواقع بعيد تماما عن ذلك.
ولا
أقول بأن فصائل الجيش الوطني "مرتهنة"، إلا أنه من المعروف بأنها غير مستقلة
وقد أثبتت الوقائع ارتباط عدد من القيادات بأجندات أخرى، وكما في هياكل المعارضة السياسية
جرى تهميش معظم الكفاءات العسكرية المحترفة، وسيطر على المشهد شخصيات غير حكيمة، بالإضافة
إلى ما ذكرناه من أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لا توجد بها حوكمة مقبولة وليس
بها خدمات مرتبطة بحكم مركزي وطني، وبنفس الوقت لا يوجد حد أدنى من المنطقية والعقلانية
في التعامل مع الحاضنة الشعبية فترى كثيرا من تلك القيادات الفعلية ذات طبيعة مغامرة
وذات طموح غير منضبط أو غير وطني ناهيك عن وجود انتهاكات حقوقية تحتاج لمعالجة وردع.
الرئيس
التركي أعلن، قبل أيام، أن لقاءه مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، "سيكون ممكنا
عندما يحين الوقت المناسب".. ما تقييمكم لموقف تركيا اليوم من تطورات القضية السورية؟
تغيير
الموقف التركي مرتبط بالوضع التركي الداخلي المُعقّد أصلا، والذي خسر فيه حزب العدالة
والتنمية بعض مواقع القوة، خاصة أن أحزاب المعارضة التركية جعلت قضية الوجود السوري
في تركيا قضية انتخابية أساسية، وأصبح حزب "العدالة والتنمية" مُضطرا – كما
يقول مناصروه - لمحاولة إعادة أكبر عدد ممكن من السوريين إلى الداخل السوري، ومنها
مناطق تحت سيطرة النظام، وهذا بالطبع يحتاج إلى توافق تركي مع النظام السوري الذي يبتز
العالم بأسره بملف اللاجئين الذين من حقهم الطبيعي العودة إلى وطنهم ومنازلهم وفقا
للقانون الدولي دون أن يتعرضوا لأي مضايقة واضطهاد بأي صورة من الصور.
وبالتالي،
فنظام الأسد يبتز المجتمع الدولي عامة والأتراك خاصة، حتى إذا ما صارت هناك مفاوضات
مباشرة غير أمنية بين النظام وتركيا سوف يكون ملف اللاجئين على رأس البنود التفاوضية.
فمقابل سماح النظام بتخفيف القيود الأمنية على العائدين سيسعى للحصول على أثمان سياسية
كبرى لا تتعلق فقط بالأراضي الخارجة عن سيطرته، بل رفع العقوبات المفروضة عليه أيضا.
ولكن
مع معرفتنا بكل هذه التعقيدات السياسية، إلا أن الأساس هو احترام القانون الدولي وبخاصة
شقه العرفي بصرف النظر عن المنظومة القانونية الداخلية في تركيا التي لا تعترف بالسوريين
كلاجئين، وأهم قاعدة قانونية في قانون الهجرة الدولي، بالإضافة إلى القانون الدولي
لحقوق الإنسان، هو عدم السماح بإعادة اللاجئين في حال وجود خطر على حياتهم أو سلامتهم
الجسدية أو انتهاك لحقوقهم بشكل عام، حتى لو جرى تزيين ذلك بالقول بأن الرجوع الذي
يجري لسوريا هو رجوع طوعي؛ فالرجوع الطوعي له محدداته وشروطه وهي غير موجودة.
برأيك،
هل ستنجح محاولات تعويم النظام السوري؟
يبدو
أن محاولات تعويم النظام لن تنجح في المدى القريب على الأقل بسبب عدم وجود حوافز كافية
لتعويم النظام؛ فلا أرى أن استعمال النظام للمواطنين السوريين كورقة تفاوضية بوصفهم
لاجئين يملك وحده إمكانية السماح لهم بالعودة أمرا كافيا، وعلينا الإشارة إلى أن النظام
يقوم بتصدير القلاقل والمخدرات كبضاعة أساسية في اقتصاده إلى دول أخرى، وهذا مصدر قلق
لدى المجتمع الدولي.
بينما
النظام في حالة اقتصادية وداخلية صعبة وحرجة، ولن يستطيع تقديم أي شيء ملموس حالياً،
واعتقاد بعض السياسيين في تركيا أو دول أخرى بأن التقارب معه سيدفع بالاستقرار وسيؤدي
لتلبية المصالح المباشرة أو غير المباشرة لهذه الدولة أو تلك هو تفكير غير موفق.
الحل
الوحيد يتمثل في دفع النظام للانخراط في عملية سياسية هادفة تصل بالبلاد إلى التغيير
الحقيقي وإلى إحداث انتقال سياسي مقبول للسوريين وللمجتمع الدولي وإلى رد المظالم ووقف
انتهاك الحقوق. ومن الضروري جدا أيضا فتح أبواب الحوار بين السوريين جميعا سواء أكانوا
في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أم خارجها أم في المغتربات، وكذلك فتح أبواب التفاوض
مع رعاة النظام في روسيا وإيران.
ولكني
أود الإشارة إلى أنه بكل الأحوال هناك مصالح سياسية وأمنية لكثير من الدول أصبحت ملحة
بالنسبة لهم بسبب وجود السوريين بالملايين خارج سوريا. هم بحاجة –من وجهة نظر أجهزتهم
الأمنية– للتعاون مع مَن يملك المعلومات وهي أجهزة النظام، ومن هنا لا بد من ملاحظة
أن كثيرا من الدول الغربية بدأت خلال الفترة الماضية بقبول استمزاجات سفراء ودبلوماسيين
سوريين ناهيك عن استمرار أو إعادة تفعيل اتفاقيات أمنية مع النظام واستقبال ضباط ارتباط
أمنيين في تلك البلدان.
هناك
جهود تُبذل من أجل تنمية المناطق المُحررة من "الإرهاب" شمالي سوريا، تمهيدا
لإعادة اللاجئين العائدين إلى تلك المناطق.. فكيف تنظرون لهذه الجهود؟
بعض
هذه الجهود طيبة وإيجابية، وهي جهود اقتصادية وتنموية جيدة، ولكنها مرتبطة بملفات سياسية
لدول أخرى، وليست مرتبطة بتطبيق القانون أو بالرغبة الإنسانية بتحسين حياة السوريين،
بل هي وثيقة الارتباط بأجندات سياسية. وتنمية المناطق بحاجة إلى قوى مركزية تضمن الأمن
والأمان، وأن تكون مرتبطة بالشعب وناتجة عن شرعية مرتبطة بالأرض. وإذا لم نصل إلى تلك
القوى المركزية، التي تستطيع ضمان مناخ مناسب للتنمية، فلن تكون هناك عملية أمن وأمان
وتنمية مستدامة في تلك المناطق التي ستظل حالة عدم الاستقرار هي السائدة فيها.
كيف
تأثرت القضية السورية بأزمة الحرب الروسية الأوكرانية والاحتجاجات المتصاعدة في إيران؟
الحقيقة
أرى بأنها لم تتأثر إلا من حيث بعض التعاطف الغربي بالمقارنة مع القضية الأوكرانية،
وأصبحت هناك قناعة بأن الوجود الروسي على شاطئ المتوسط يعطي موسكو امتيازا كبيرا في
حروبها الأخرى وفي تنافسها مع الغرب.
لذلك،
بات الوضع في سوريا أكثر أهمية للغرب، لكننا لم نشهد أي تغيير -حتى الآن- في الموقف
الغربي من القضية السورية بسبب الحرب الأوكرانية، وإن كان هناك تصعيد إعلامي فقط ضد
موسكو، لكن ذلك لم ولن يغير من المشهد شيئا، إلا في حال حدوث انهيار كامل للجبهة الروسية
في أوكرانيا، وهذا بعيد التوقع.
وبالنسبة
للاحتجاجات المتصاعدة في إيران أيضا، لا أتصور أنها سوف تُغير كثيرا من المشهد، لأن
تلك الاحتجاجات الشعبية باتت متكررة في إيران كل عدة سنوات بسبب عدم شعبية النظام،
لكنه يستعمل القوة والقمع والعنف في مواجهة تلك الاحتجاجات العارمة، وللأسف سرعان ما
يستعيد النظام سيطرته المطلقة على مقاليد الأمور، وبالتالي لا يتأثر النظام كثيرا بمثل
هذه الاحتجاجات.
لكن
ألن يؤثر ذلك على المشهد السوري؟
يؤثر
فقط من خلال رفع المعنويات لدى الشعوب الحرة بأن الأنظمة القمعية واحدة سواء في سوريا
أو إيران وغيرهما، ورغم أن الشعب السوري لم ينجح إلى الآن في كثير من المحاولات لتحسين
الأوضاع للأفضل، لكنه على الأقل لا زال شعبا حيّا وصامدا، وأحد أخطاء الثورة السورية
أنها صنّفت دولا بأكملها بأنها "دول مُعادية"، بينما كان من المناسب فتح
حوارات مع كل الشعوب والمراكز البحثية حتى داخل تلك الدول المُصنّفة بـ"العدوة"،
لأن هناك دائما نوافذ تستطيع تغيير بعض اتجاهات القرار السياسي في تلك البلدان.
في
30 أيلول/ سبتمبر 2015، أعلنت روسيا انضمامها رسميا كطرف أساسي داعمٍ للنظام السوري..
فما تقييمكم للتدخل الروسي العسكري في سوريا؟
من نافلة
القول بأن التدخل الروسي كان أحد أهم الأسباب التي حالت دون عدم سقوط نظام الأسد الذي
كاد أن يسقط في مراحل متعددة، خاصة في المرحلة الأولى قبل تدخل حزب الله والتدخل الإيراني
المباشر، وفي المرحلة الثانية عام 2015، لكن التدخل الروسي العسكري بضوء أخضر غربي
أمريكي، منع سقوط النظام وتسبّب في الكثير من المجازر والانتهاكات المختلفة.
الرئيس
السابق للحكومة السورية المؤقتة، جواد أبو حطب، دعا، في مقابلة مع "عربي21"،
إلى "تفعيل الحراك الوطني بشكل واسع على جميع المستويات".. فما فرص تفعيل
هذا الحراك؟
بالطبع
هذا من أهم الأدوات التي يمكن الاستعانة بها من جديد لتجديد مطالبات الانتقال السياسي
وتجديد روح الثورة السورية. لا بد من انطلاق حراك وطني واسع في الداخل والخارج، وهناك
فرصة وإمكانية لتفعيل هذا الحراك، لكن نحتاج إلى حامل سياسي، وهذا الحامل السياسي غير
موجود للأسف، ويجب علينا أن ننسى الهياكل والشخصيات السياسية التي تصدّرت المشهد سابقا،
لأنها للأسف لم تستطع الخروج من دوائر مغلقة أو ضيقة جدا في عملها السياسي.
والمصيبة
الكبرى في الثورة السورية كانت هي عدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، لأن انعدام
الكفاءة أزمة كبيرة تهدد مكتسبات الثورة؛ فمتصدرو المشهد الآن ليس لديهم الحد الأدنى
من الكفاءة العلمية أو العملية، وإذا درست ودققت في سيرهم الذاتية قبل وأثناء الثورة
ستُصاب بصدمة كبيرة لضعف الخبرة والتأهيل المناسبين، لكنهم فجأة تصدّروا المشهد لأن
هذه الشخصية أو تلك مدعومة أو محسوبة على طرف هنا أو هناك، وهذا أهم أسباب تدهور قوى
الثورة والمعارضة، وهذا الأمر يحتاج إلى تدقيق ومراجعات كبيرة وجذرية؛ فما معنى أن
يكون متصدّرا للعمل السياسي أو القانوني أو التفاوضي مَن لا يحمل تخصصا في تلك المجالات
وربما كان يحمل شهادة جامعية في تخصص تطبيقي أو ما شابه في أحسن الأحوال، وكل ما لديه
من روافع هو دعمه من قِبل شخصيات تنتمي إلى التيار الإسلامي أو التيار العلماني حسب
مقتضى الحال.
رغم
ذلك، ربما يحدث التغيير الجذري في سوريا من خلال وجود هذا الحامل السياسي المقبول لدى
الجميع؛ فيجب أن يكون لدينا قادة كبار اجتماعيون وسياسيون، وقيادة مركزية حكيمة ورصينة،
ثم يكون هناك تضافر بين هذه القوى والقيادات الوطنية، كي يحملوا معا برنامج عمل واضحا ويتبنوا مشروع التغيير من جديد؛ فلا يمكن التعويل على حراكات متنافرة ومتفرقة لا يجمعها
إلا أهداف وبنود عامة جدا، وإذا وصلنا لهذه المعادلة يمكننا القول إن التغيير الجذري
قادم لا محالة، وأنه بات قوسين أو أدنى.
د. محمد
حسام الحافظ في سطور
يحمل
الدكتوراه في القانون الدولي، والماجستير في القانون الدولي لحقوق الإنسان، والدبلوم
في القانون الجنائي، والدبلوم في القانون العام والإجازة في الحقوق.
عمل
محاميا في دمشق بدءا من عام 1993 ثم عمل في السلك الدبلوماسي السوري، وعمل في وزارة
الخارجية في دمشق، وفي السفارات السورية في طهران ولندن ويريفان.
يرأس
المجلس السوري للعلاقات الدولية (منظمة غير حكومية) ومديرا لمؤسسة قسم (قانون – سياسة-
ومجتمع) للدراسات والاستشارات والتدريب ومستشارا قانونيا.