ملفات وتقارير

ماذا وراء تصاعد التحذيرات الدولية من تدهور أوضاع العراق؟

انسداد سياسي يشهده العراق منذ عام كامل - جيتي

تتوالى التحذيرات الدولية، لا سيما الأوروبية منها، من تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، والانزلاق نحو الانفلات والعنف، واصفين النظام السياسي في البلاد بأنه بلغ "مرحلة الشيخوخة"، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن دوافع هذه التخوفات في الوقت الحالي.

وتأتي التحذيرات في ظل انسداد سياسي يشهده العراق منذ عام كامل؛ جراء عدم تمكن القوى السياسية من تشكيل حكومة بعد انتخابات برلمانية مبكرة جرت في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد مظاهرات شعبية واسعة عمّت البلاد أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.

ضغط متزايد

وتعليقا على ذلك، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، هشام الأعظمي، إن "التحذيرات المتصاعدة، سواء الصادرة من بريطانيا أو الممثلة الأممية في العراق جنين بلاسخارت، هدفها الضغط المتزايد على القوى السياسية، ودفعها للإسراع في تشكيل الحكومة العراقية بلا تردد".

وأضاف الباحث لـ"عربي21" أن "المجتمع الدولي لا يهمه من يشكل الحكومة في العراق، سواء التيار الصدري أو الإطار التنسيقي الشيعي القريب من إيران، لأن النظام السياسي العراقي في البلد هو نتاج الاحتلال الأمريكي البريطاني، ولن يتخلوا عنه بهذه السهولة".

وكشف الأعظمي أن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الشهر الماضي، أوصلت له واشنطن رسالتين، الأولى أنه انتهى ويجب القبول بتشكيل حكومة جديدة، والثانية أن مقتدى الصدر إذا عرقل التشكيل ستتم مواجهته".

 

اقرأ أيضا: البرلمان العراقي يحدّد موعد جلسة انتخاب رئيس جديد للبلاد

ونوه الباحث إلى أن "التيار الصدري لن يستطيع مواجهة المجتمع الدولي، وهذا ما شاهدناه طوال مدة اعتصامهم في المنطقة الخضراء على مدار شهر آب/ أغسطس الماضي، فلم يتعاطف معه المجتمع الدولي، وإنما دعا إلى الالتزام بالجوانب القانونية والدستورية، وعدم الذهاب التصعيد".

وأشار الأعظمي إلى أن "التيار الصدري قد يوافق على المضي في تشكيل الإطار التنسيقي للحكومة تحت ضغوط أكبر منه، سواء من الجانب الإيراني أو المجتمع الدولي، فهو أقدم على خطوة خاطئة عندما استقالت كتلته من البرلمان، والتي كانت تمتلك 73 مقعدا".

ولفت إلى أن "الصدريين فازوا بالمرتبة الأولى في الانتخابات، وكان باستطاعتهم تشكيل الحكومة حتى مع الإطار التنسيقي، ثم التوجه إلى ضرب خصومهم من الداخل، وإبعادهم عن المشهد السياسي، ومحاكمتهم، لكن التيار لم يفعل، بل اليوم الخصوم هم من يوجهون ضربة قاصمة للصدر إذا شكلوا الحكومة".

وكانت وزارة الخارجية البريطانية أصدرت، السبت، بيانا بخصوص ما أسمته "المليشيات المعارضة للوجود الغربي في العراق"، محذرة رعاياها من توتر الأوضاع في هذا البلد.

وقالت الخارجية البريطانية، إن "العراق لا يزال عرضة للتوترات الإقليمية، ولا تزال مجموعات المليشيات المعارضة للوجود الغربي في العراق تشكل تهديدا للمملكة المتحدة ومصالح أخرى في العراق".

وأضاف: "الوضع الأمني مهدد بالتدهور.. لا يزال الوضع غامضا، ويمكن أن يزداد سوءا في غضون مهلة قصيرة"، مشيرة إلى أنه "من المرجح حدوث المزيد من الاحتجاجات مع احتمال أن يشوبها العنف.

مؤشران اثنان

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، كاظم ياور، لـ"عربي21" إن "التحذيرات جاءت نتيجة عوامل وأسباب عدة، ربما تنحصر في نقطتين اثنتين، الأولى هي أن المسار السياسي والدستور والقانوني في الدولة العراقية وصل إلى طريق مسدود، ذلك لأن الخروقات الدستورية أصبحت هي السائدة".

وأوضح ياور أن "القوى السياسية لم تستطع اتخاذ خطوات نحو الاستحقاقات الدستورية من حيث انتخاب رئيس الجمهورية، ثم منح الثقة لحكومة جديدة بحسب الشروط الدستورية، بل حصلت هناك انعكاسات سياسية وبرلمانية منها انسحاب الكتلة الفائزة (التيار الصدري) بعدما استنفدت الطرق القانونية والدستورية لتشكيل حكومة أغلبية سياسية مع تحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني".

أما النقطة الثانية، بحسب ياور، فهي "المظاهرات الشعبية التي تطالب بالتغيير، عبر وسائل مدنية، لكن الحكومة العراقية لا تستطيع احتواءها والحفاظ عليها كنوع من الاستحقاقات الشعبية، بل إن القوات الأمنية تعاملت مع المتظاهرين السلميين بوسائل غير قانونية من استخدام الرصاص الحي، الذي أدى إلى استشهاد العديد من الشباب المتظاهر".

وتابع: "لذلك أصبح أمام المجتمع الدولي صورة واضحة المعالم بخصوص الانسداد التام في العملية السياسية، وكذلك انعدام استجابة الكتل السياسية في البرلمان لمطالب الشارع العراقي".

ورأى ياور أن "التحذيرات البريطانية والمجتمع الدولي المتمثل بالأمم المتحدة جاءت في محلها إذا أخذنا بالمعايير الدولية، من حيث التعامل مع الحكومات عندما تفقد شرعيتها الدستورية أمام شعبها المطالب بحقوقه القانونية والدستورية، لكن دون استجابة".

على ضوء ذلك، يرى ياور أن "العراق يشهد مشكلات أمنية بشكل يومي، حيث تبين للجهات الدولي أن هذه الكتل الحزبية في البرلمان، التي تمتلك أجنحة عسكرية، تحاول عن طريق السلاح فرض واقع سياسي يصب في صالحها وليس في صالح الشارع العراقي، إضافة إلى عدم مبالاتهم بالمطالب العقلانية بالذهاب إلى تسويات سياسية عبر حوار وطني شامل".

ولفت إلى أن "العملية السياسية أصبحت منقوصة الشرعية؛ لرفضها من الشارع العراقي، وتجاوزها كل المدد الدستورية، إضافة إلى انسحاب التيار الصدري، وتواجد قوى مدنية خارج البرلمان مطالبة بالتغيير، لذلك الأمور تنذر بعودة العنف مجددا إلى الشارع عندما لا يجد 80 بالمئة من الشعب العراقي أي متنفس أو استجابة لمطالبهم".

وأكد ياور أنه "حتى إذا ذهبت الكتل السياسية في البرلمان إلى تشكيل الحكومة، لكن تبقى حكومة حزبية بحتة غير مرضي عنها من الكثيرين من أبناء الشعب العراقي، لذلك ربما يكون العنف سيد الموقف في البلد، وهذا ما لا يتمناه أي أحد لبلده".

وفي السياق ذاته، قال موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي، الثلاثاء، إن النظام العراقي بلغ "مرحلة الشيخوخة"، محذرا من أن القوى، الداخلية والخارجية، مستفيدة من استمراره على هذا النحو، رغم انه على "حافة الهاوية"، وأن ثقة العراقيين فيه تلاشت.

وتحت عنوان "هاوية الأزمة السياسية العراقية"، أفاد التقرير الأوروبي بأن العراق يعيش منذ العام 2003 متأثرا بالأزمات السياسية التي حالت دون تحقيق التوافق بين الكتل التي يتشكل منها نظامه السياسي.

وذكّر التقرير بكلمة مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق، جينين بلاسخارت، خلال إفادتها أمام مجلس الأمن الدولي، مطلع الشهر الجاري، التي انتقدت فيها الطبقة السياسية وفشلها وفسادها، وحثها قادة العراق على دفع البلاد بعيدا عن حافة الهاوية.

وأكد التقرير الأوروبي أن "العراقيين يفكرون عادة بأن حدثا ما قد يقع قريبا، ويؤدي إلى إزاحة الطبقة السياسية، قد يكون من خلال انقلاب عسكري أو تظاهرات غاضبة، أو حتى من خلال تدخل دولي مماثل لما جرى في العام 2003".

وخلص موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي إلى أن ذلك يمثل "مؤشرا خطيرا"، مضيفا أن "هذا النظام في العراق قد وصل إلى مرحلة الشيخوخة، وانتهى العقد الاجتماعي بين السلطة والناس".