إنها ليست مزايدة على النهج النضالي للحقوقي الأسود مارتن لوثر كينغ، وليست أيضا انتصارا للمناضل مالكوم إكس، ولكنها مجرد رؤية لدينامية يعمل بها التاريخ الأمريكي، وهي كيف أنه يقوم بتدجين الأحداث التاريخية ويحتويها ويختزلها في رموز وأحداث معينة تصنع منها متخيلا قويا في النهاية.
الاثنين، 16 يناير من كل عام، هو يوم عطلة اسمه يوم مارتن لوثر كينغ، لطالما صادفته في الأفلام والمسلسلات الأمريكية، وهو ما دفعني إلى أن أبحث: هل يوجد يوم لمالكوم إكس؟ وكانت الإجابة لا، وما حاولت أن أفعله هو أن أبحث عن تفسير، إن كان هناك واحد.
الزنجي المارق
في الثقافة الشعبية، والكتب أحيانا، ينُظر لمارتن لوثر كينج ومالكوم إكس على أنهما قوى متعارضة في النضال من أجل الحقوق المدنية للسود، فغالبا ما يُصور كينج على أنه شخص مطلع غير عنيف، بينما يوصف إكس بأنه راديكالي متطرف، لكن في الحقيقة كان الاثنين لديهما رؤى متقاربة للمجتمع الأمريكي الأسود، لكن استراتيجياتهما لكيفية الوصول للهدف، كانت تستمد رافدها من تربيتهما المختلفة.
مالكوم إكس في طفولته، أصيب بصدمة عرقية في سن مبكرة جدًا حين قتل أبوه على يد عنصريين بيض، وتربى في أحياء الفقر والدعارة في ديترويت ونبراسكا، أما كينج، فعلى النقيض من ذلك لديه طفولة مترفة لكون ابن عائلة من الطبقة المتوسطة العليا، وعائلة مزدهرة تدير واحدة من أهم الكنائس في أطلانطا.
كان إكس ينادي بنوع من الانفصالية للسود، حيث كان يقول إن لديهم ما يكفي من حب الذات والثقة الكافية في أنفسهم لتنظيم وبناء مؤسسات موازية، في مجتمع مصاب بمرض العنصرية الذي يمنعهم من الاندماج عنصريا في الديمقراطية الأمريكية، وكانت لتلك التجربة صداها عند حركة الفهود السود وزعيمها اليساري الماركسي الأسود فريد هامبتون الذي اغتالته FBI، والذي يمكنك من خلال قراءة حياته إلى جانب حياة إكس أن تعلم لماذا هناك يوم لكينج، ولا يوجد يوم لإكس أو هامبتون، كأن كلاهما لا معنى له في نضال حقوق السود.
اقرأ أيضا: أسرة "مالكوم إكس" تكشف عن وجود دور للشرطة في مقتله
في وقت كانت تقوم الشرطة بقمع احتجاجات السود بوحشية لا يواجهها رادع أو محاكمة، طرح مالكوم إكس دعوى أن للسود الحق في الدفاع عن النفس ضد وحشية الشرطة، وهو بنفسه، لطالما مثل أمام المحاكم في نيويورك أو لوس أنجلوس أو روتشستر، حيث كان يتعرض مع أعضاء جماعة أمة الإسلام إلى معاملة وحشية.
وكان إكس متأثرا أيضا بعد زياته إلى الشرق الأوسط بالثورات المناهضة للاستعمار التي اندلعت في جميع أنحاء أفريقيا والعالم الثالث، وبدأ في القول إن الثورة السوداء في الولايات المتحدة ستكون ثورة حقيقية فقط بمجرد أن يبدأ السود في استخدام الدفاع عن أنفسهم ضد الارهاب العنصري.
وعلى الرغم من أن "حج" بيت الله غير في نظرة مالكوم إكس تجاه البيض، حيث تحول عن العنصرية المعكوسة، وبدأ إلى الدعوة للتعايش، إلا أن ذلك لم يكن مسوغا أيضا بالنسبة للمجتمع الأبيض الأمريكي بسبب أن دعوى إكس كانت دعوى إشتراكية تختلف مع الأيديولوجيا الأمريكية.
الزنجي الصالح
الدكتور كينج، كان غانديا في النضال إن جاز لنا أن نطلق ذلك التعبير، وكما تأثر إكس بزيارته أفريقيا ما بعد الاستعمار، تأثر كينج بزيارته الهند، فقد آمن باللاعنف والدفاع السلمي عن النفس، ولكنه كان يحيط نفسه في المظاهرات بمجموعة مسلحة، لكن تسليحهم يختلف بالطبع عن تسليح الفهود السود، وهم مجرد مجموعة لحماية الحقوق المدنية السلمية والدفاع عنها أحاطت بالدكتور كينج في قصف منزله بالقنابل الحارقة أثناء مقاطعة الحافلات سنة 1955م.
ولم يكن لدى كينج شعبه المسلح، أو حتى كان يحمل سلاحه بنفسه مثلما كان يفعل إكس التي انتشرت صوره بسلاحه الذي يدافع به عن منزله، لكنهم كانوا مجموعة غير مرتبطة بالضرورة بمؤتمر القيادة المسيحية في الجنوب الذي يرأسه كينج، ولكنهم مجموعة من المتحمسين يحاولون حماية المتظاهرين المسالمين من الإرهاب العنصري.
وبينما كان مالكوم إكس هو محامي الإدعاء عن الأمريكيين السود، ويقاضي أمريكا البيضاء لسلسلة من الجرائم ضد الإنسانية تعود إلى أوائل فترة العبودية، كان الدكتور كينج هو محامي دفاع أمريكا السوداء لكن بشكل آخر، فهو يدافع عن السود أمام البيض، ويخبر البيض أن السود لا يريدون تفوق السود أو العنصرية العكسية، ولا يريدون الانتقام من العبودية العرقية، إنهم فقط يريدون أن ينضموا للجسد السياسي، ويحصلوا على المواطنة من الدرجة الأولى.
وكان أيضًا يدافع عن البيض أمام السود، فيقول باستمرار -لا سيما مع زيادة تطرف الحركة- للسود أن البيض أناس طيبون يمكننا تخليص أرواحهم وتطهيرها، وأن لدينا حلفاء من البيض قاتلوا وكافحوا وماتوا معنا من أجل تحريرنا. لكن في أعقاب اغتيال مالكوم إكس، كانت أكثر المفارقات والتحولات أن الدكتور كينج أصبح يميل كثيرًا إلى نهج إكس، وأصبح أكثر راديكالية.
1965
كان ذلك العام هو عام اغتيال مالكوم إكس، وعام تغيرت فيه ملامح النضال الأسود كذلك.
كان الدكتور كينج زعيم ثورة 1963م دوما ما يقول إن سر النجاح للثورة في: "ذلك اللاعنف الذي يجرح دون أن يدمي، ويضفي على من يؤمن به مسحة من النبل". وفي أعقاب اغتيال مالكوم إكس كانت الحركة الجماعية الزنجية تفتقر إلى زعامة ثورية، زعامة لا تؤمن بالمهادنة واللاعنف الأخلاقي.
وكان جماهير الزنوج الذين تفترسهم العنصرية البيضاء سرعان ما تجاوزوا مثاليات لا عنف الدكتور كينج إلى الايمان بالعنف سبيلًا لنيل حقوقهم من المستغلين البيض، وهكذا اندلعت ثورة لوس أنجلس حين خرجت جماهير السود من الجيتو الخاص بها تحرق وتدمر دون أن يكون لها قيادة وخطة مرسومة.
وأخذ الدكتور كينج يلهث وراءها مرددا مواعظ اللاعنف الرقيقة الحالمة، لكن الجماهير قابلتها بلا مبالاة، وكانت 1965 ايذانًا بسقوط القيادات الزنجية المعتدلة وإمكانيات المصالحة مع الرجل الأبيض، ومن مخاض تلك الثورة انبثقت رموز جديدة مثل فريد هامبتون وستوكلي كارمايكل.
لا يوم لهؤلاء
ليست المشكلة في الاحتفاء بذكرى مالكوم إكس أنه كان مسلمًا، وكينج كان مسيحيًا قسيسًا، فالمسألة ليست دينية، فكارمايكل وهامبتون ليسا مسلميْن ومن أيديولوجيات مختلفة. المشكلة في النهج الراديكالي الذي رسمه مالكوم إكس لنفسه من أجل أن يسير عليه في استخلاص حقوق السود، وهو ما كان مليئًا بالآراء القاسية والهجمات على البيض، والآراء الانفصالية عن الأمة الأمريكية بحد ذاته، حتى أنه كان غير دبلوماسيًا حين يتعلق الأمر بالبيض، أو حين يتعلق الأمر باغتيال الرئيس كينيدي الذي أثار تعاطفًا عالميًا، لم يكن مالكوم إكس طرفًا منه حيث علق قائلا أن قتل كينيدي بمثابة أن يرتد سلاحك إلى جسدك، وتحصد ما زرعته يداك.
وعلى عكس الدكتور كينج، يمكن دمجه بسلاسة في السرد الأمريكي، إذا قمت بقصقصة الكثير من تصريحاته وخطاباته التي تبدو غير ضارة وانتزعتها من سياقها، وانتزعت الرجل نفسه من مسار تاريخي كامل شكل أيديولوجيته في صيغتها النهائية، لا يمكنك أن تقوم بذلك التعقيم مع مالكوم إكس.
فبينما مارس كينج اللاعنف النشط ووعظ المجتمع والحب المسيحي للأعداء بأن يدير خده الأيسر، دعا مالكوم إكس لعقيدة دينية للدفاع عن النفس بشكل مبرر، وقال إن إلهه لن يكون لديه مشكلة في دفاعه عن نفسه، فكما قال إكس من قبل: "أنا أؤمن بدين يؤمن بالحرية، في أي وقت يجب أن أقبل دينًا لا يسمح لي بالخوض في معركة من أجل شعبي، فأني أقول لهذا الدين أن يذهب للجحيم، ولهذا السبب أنا مسلم، لأنه يعلمني أن العين بالعين والسن بالسن".
يلخص بينيل جوزيف تلك العلاقة في كتابه "الدرع والسيف"، حين يقول: إنه بمرور الوقت، أصبح لكل رجل من الاثنين الأنا الخاصة به. فبينما كان إكس يضخ الراديكالية السياسية على الساحة الوطنية، كانت حركة الدكتور كينغ أكثر قبولا للأمريكيين العاديين".