كتاب عربي 21

في مواجهة أزمات الوطن العربي: العودة للدولة الوطنية والتكامل الإقليمي؟

1300x600
الناظر إلى واقع الوطن العربي اليوم لا يجد ما يسره، فالأزمات تتنقل من دولة إلى أخرى. ففي العراق أزمة سياسية عميقة، ولقد فشلت التجربة الجديدة بعد سقوط نظام صدام حسين وتحولت الأزمة إلى صراعات طائفية ومذهبية وأمنية، إضافة إلى الفساد المستشري وتراجع دور المؤسسات الأمنية والقضائية والدستورية، وتحول البلاد إلى ساحة للصراعات الخارجية..

إلى لبنان حيث نعيش أزمة سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وتحول البلاد إلى ساحة للصراعات الخارجية، وهناك مخاوف من تفاقم الأزمات إلى ما يشبه حربا أهلية جديدة في ظل الفشل في تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جديد..

إلى ليبيا حيث الصراع الشديد بين مختلف القوى السياسية والعسكرية، ولا أحد يعرف ماذا يجري في تلك البلاد من صراعات منذ سقوط نظام معمر القذافي إلى اليوم.. إلى بقية الدول العربية حيث لكل دولة مشكلتها الداخلية أو مشاكلها مع الخارج أو حتى مع دول الجوار العربية، كما هو الحال بين المغرب والجزائر، في حين أن الأوضاع في اليمن وسوريا والسودان تعاني من أزمات مختلفة.
عدنا مجددا إلى أزمة الدولة القُطرية والوطنية، ولم يؤد الربيع العربي إلى تغييرات حقيقية خلال السنوات العشر الماضية، ولكن في الوقت نفسه فإن العودة لشعار الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية أو شعارات الأحزاب القومية واليسارية وحتى الإسلامية لم تعد تنفع في هذا الزمن الصعب

وحتى الدول الكبيرة والتي تتمتع بمقدرات غير تقليدية كمصر فهي تواجه اليوم أزمة اقتصادية صعبة بسبب انعكاس الحرب في أوكرانيا، وتواجه البلاد أزمات سياسية داخلية في ظل تراجع الديمقراطية والمحاسبة والعمل النيابي وتحول الحكم إلى حكم رئاسي.

وفي تونس عاد الخوف مجددا من عودة الديكتاتورية المغلفة بالديمقراطية الشعبية، وعاد الرئيس الفرد ليحكم البلاد في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية قاسية، وحتى دول الخليج العربي التي تملك قدرات مالية كبيرة فهي تعاني من مشاكل داخلية وتواجه تحديات متعددة.

لقد عدنا مجددا إلى أزمة الدولة القُطرية والوطنية، ولم يؤد الربيع العربي إلى تغييرات حقيقية خلال السنوات العشر الماضية، ولكن في الوقت نفسه فإن العودة لشعار الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية أو شعارات الأحزاب القومية واليسارية وحتى الإسلامية لم تعد تنفع في هذا الزمن الصعب، فما هو الحل وما هي الطريق التي يمكن أن تقودنا إلى مواجهة مختلف التحديات؟

على ضوء الأزمات المتعددة داخل كل دول عربية وعلى صعيد الوطن العربي ككل، وخصوصا في ظل الأزمات العالمية التي تترك آثارها على كل العالم، عاد بعض المفكرين العرب للبحث مجددا في طرق الخلاص، وهناك نقاشات تجري سواء بين بعض المجموعات العربية داخل كل دولة، أو عبر وسائل الإعلام ومن خلال بعض المقالات التي تنشر في صحف عربية، ومن خلال بعض المنتديات والمؤتمرات الحوارية.
على ضوء الأزمات المتعددة داخل كل دول عربية وعلى صعيد الوطن العربي ككل، وخصوصا في ظل الأزمات العالمية التي تترك آثارها على كل العالم، عاد بعض المفكرين العرب للبحث مجددا في طرق الخلاص

ويعتبر بعض هؤلاء المفكرين العرب أننا نعاني اليوم من أزمتين خطيرتين، الأولى أزمة وطنية داخل كل دولة عربية، بسبب فشل مشروع الدولة الوطنية وتقدم العصبيات المذهبية والطائفية، وتراجع الديمقراطية الحقيقية وانتشار الفساد، والصراع بين سلطة الدولة الحقيقية وقوى أخرى حزبية أو مليشياوية أو قوى تنشط من خارج إطار الدولة لأسباب مختلفة. وكل ذلك يتطلب العودة إلى مشروع الدولة الوطنية الحاضنة للتنوع والقادرة على بسط سيطرتها فوق كل القوى، وتكون قادرة على مواجهة التحديات المختلفة دون الحاجة إلى قوى خارجية، والحاجة إلى تعزيز الهوية الوطنية في كل دولة منعا للتقسيم والذهاب إلى الفدرلة أو الانقسامات المذهبية والقبلية والعشائرية. وهذا يتطلب قيام دولة حقيقية ديمقراطية تلبي حاجات مواطنيها في كافة المجالات، وتقوم على أسس دستورية وقانونية حاسمة وواضحة.

والأزمة الأخرى لها علاقة بعلاقات الدول العربية فيما بينها، وانقسام العرب في محاور مختلفة وتحول الدول العربية إلى ساحات للصراعات الإقليمية والدولية. ولذلك هناك حاجة لمشروع عربي متكامل يقدم المصالح العربية على أية مصالح خارجية، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يتكامل مع دول الجوار من موقع القوة.

ويُقصد بدول الجوار تركيا وإيران ودول أفريقيا، وأما الكيان الصهيوني فهو عدو وجودي للدول العربية ولا يمكن أن يكون جزءا من هذا التكامل الإقليمي، وأي تطبيع معه ستكون له انعكاسات خطيرة على الواقع العربي، ومسؤولية العرب أن يكونوا إلى جانب الشعب الفلسطيني في صراعه اليومي والمستمر مع العدو الصهيوني، حيث نشهد تصاعدا في المقاومة بكافة أشكالها.

ومن خلال هذه الرؤية المشتركة، بين الحفاظ على الدولة الوطنية وتعزيزها، والدعوة إلى مشروع عربي مشترك منفتح على تكامل إقليمي واسع، يمكن للعرب أن يواجهوا التحديات المختلفة اليوم، خصوصا أن العالم يعيش اليوم أزمات مختلف على صعيد الغذاء والطاقة والغاز، وفي ظل انتشار الجوع والهجرة والصراعات الدولية. فلماذا لا يكون لدينا كعرب مشروعنا الخاص القادر على تقديم أنموذج جديد ومن خلال الاستفادة من كل التجارب التي عشناها طيلة مئة عام ماضية منذ اتفاقية سايكس- بيكو إلى اليوم؟
لا بد من التفكير من جديد، وإعادة تقييم كل التجارب العربية طيلة العقود السابقة والبحث عن رؤية جديدة لمواجهة أزماتنا، ومن خلال ذلك نستعيد المشروع العربي الوطني والمستقل ونكون إلى جانب بقية شعوب المنطقة والعالم لبناء مشروع حضاري ونهضوي يساهم في تخفيف أزمات العالم، بدل أن نكون ساحة للصراعات والأزمات

ولا بد من التأكيد على أن العنف لا يمكن أن يعالج مشاكلنا، سواء داخل كل دولة عربية أو فيما بين هذه الدول، والصراعات التي شهدناها طيلة العقود الماضية قد أعادتنا عشرات السنين إلى الوراء وخسرنا آلاف مليارات الدولات في حروب داخلية وبين دول عربية وإسلامية. كما أن القطيعة أو الصراعات على مناطق معينة، كما هو الحال حول الصحراء الغربية أو بعض المناطق الحدودية، قد أفقدتنا الكثير والكثير من القدرات، ولذا لا بد من العمل لوقف كل الصراعات والبحث عن حلول عربية ووطنية لأزماتنا، وبناء نظام إقليمي جديد بدل أن نذهب إلى التطبيع مع العدو الصهيوني أو اللجوء إلى الدول الكبرى لحمايتنا.

هذه الأفكار قد لا تكون واقعية لدى البعض، لكن لا بد من التفكير من جديد، وإعادة تقييم كل التجارب العربية طيلة العقود السابقة والبحث عن رؤية جديدة لمواجهة أزماتنا، ومن خلال ذلك نستعيد المشروع العربي الوطني والمستقل ونكون إلى جانب بقية شعوب المنطقة والعالم لبناء مشروع حضاري ونهضوي يساهم في تخفيف أزمات العالم، بدل أن نكون ساحة للصراعات والأزمات.

نحتاج اليوم لعقل عربي جديد يستفيد من تجارب الماضي ويفتح الباب أمام رؤية جديدة.

twitter.com/kassirkassem