مع بدء العدّ التنازلي لتوقيع الاتفاق النووي بين ايران والقوى العظمى، وصدور جملة من الخلافات الإسرائيلية الأمريكية بشأنه، فقد ظهرت انتقادات إسرائيلية داخلية للأداء الحكومي السياسي والعسكري حول الاتفاق، لأن دولة الاحتلال ظهرت فيه كما لو أنها تعارض العالم كله، على اعتبار أنه عندما يتحد العالم كله لوقف تطلعات إيران النووية بالوسائل الدبلوماسية، فمن "الحماقة" أن تلقى دولة الاحتلال ملتصقة بسياسة "العصا".
مع أن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو حاول بكل قوته منع إبرام اتفاق 2015 الذي أقدمت عليه إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، في خطوة خالية من الحكمة السياسية، حين وصل عشية التوقيع على الاتفاق لإلقاء خطاب ضد الاتفاق أمام الكونغرس خلف ظهر أوباما، الذي لم يتردد في وصفه حينها بأنه "ناكر الجميل"، وفي النهاية طرد نتنياهو من واشنطن، وعاد بخفي حجين، وتم توقيع الاتفاق، ومرت القافلة.
أورلي أزولاي، الكاتبة في صحيفة يديعوت أحرونوت، أكدت أن "إدارة الرئيس جو بايدن، وجميع كبار الديمقراطيين، ما زالوا يذكرون كيف حاول نتنياهو وضع سكين في ظهورهم، وخلق شرخ بين تل أبيب وواشنطن لم يلتئم بعد، إلى أن جاء دونالد ترامب، وبتشجيع من نتنياهو، مزّق الاتفاق إلى أشلاء، وبهذه الطريقة حصل الإيرانيون على هدية باهظة الثمن، حيث عادوا إلى سلوكهم القديم دون رقابة، والآن يحاول بايدن توقيع اتفاق قديم جديد، وإذا لم تكن هناك مفاجآت في اللحظة الأخيرة، فمن المتوقع أن يتم ذلك في الأسابيع المقبلة".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أن "الأمر الغريب فعلا أن رئيس الوزراء يائير لابيد يسير بالطريقة نفسها الخاصة بنتنياهو بالضبط، فقد وصل مستشاره للأمن القومي آيال خولتا إلى واشنطن، لإجراء محادثات في البيت الأبيض، والاستماع لتفاصيل الاتفاق، والتعبير عن معارضته، صحيح أنه سيتم اطلاعه على التفاصيل عن قرب، لكنه لن يحصل على ما يريد، لأن بايدن مصمم على إعطاء الفرصة مرة أخرى، وسيكون خطأً إسرائيلياً تفويتها".
عوفر شيلح، عضو الكنيست السابق، والباحث بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، دعا إلى "سياسة إسرائيلية مختلفة بشأن القضية النووية الإيرانية، لأن المعارضة التلقائية لأي اتفاق، والخطاب الغاضب بشأن هجوم على إيران، قد يكسب نقاطًا في الداخل الإسرائيلي، لكنه يقرب طهران من قرار تسليح نفسها بالأسلحة النووية، لأنها هي من ستقرر ما إذا كان سيكون هناك اتفاق متجدد بينها وبين القوى بشأن الملف النووي".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21"، أن "الإسرائيليين يعتبرون الاتفاقية الناشئة أقل جودة مما طرح على الطاولة في مراحل المفاوضات السابقة، لكن الحقيقة تفيد بأنه لن يكون على الأرض أفضل من ذلك بكثير، فقد حقق الإيرانيون تقدمًا كبيرًا في إنتاج أجهزة الطرد المركزي، وهم قادرون على تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع من ذي قبل، وقد لعبت السياسة الإسرائيلية في العقد الماضي دورًا مهمًا في هذا الوضع الكئيب، بعد أن بدأ بهجوم نتنياهو المباشر على أوباما، وتدخل بفظاظة في المياه الغامضة للسياسة الأمريكية، واستمر بدفع ترامب للانسحاب من الاتفاق، رغم أن إيران استوفت شروطها".
تتخوف الأوساط الإسرائيلية من إعادة استنساخ سياسة نتنياهو السابقة في معارضة الاتفاق النووي إلى حد الدخول في أزمة مع بايدن، وهذا محظور كبير قد يكلف دولة الاحتلال كثيرا، مع العلم أن الاتفاق الحالي، حتى لو وصفته الأخيرة بأنه "سيئ"، لكنه أفضل من عدم وجود اتفاق على الإطلاق، لأن السياسة الإسرائيلية الحالية تدفع إيران للحصول على السلاح النووي، ما يدفع للحاجة للتفكير بجدية في سياسة أخرى.
صحيح أن إيران النووية هي خطر فريد من نوعه على دولة الاحتلال، وفق تقديرها، لأنه سيفتح سباق تسلح نووي في المنطقة بأسرها، ما يتطلب فحص كل خطوة تقوم بها في مواجهة مناطق الصراع الأخرى، هل تقرب إيران من هذا القرار أم يبعدها عنه؟ ويستدعي بالفعل المقولة الشهيرة لرئيس الموساد الراحل مائير داغان، حين أعلن أن "منع القنبلة بقوة من إيران لن تفعله إسرائيل وحدها، لأن هذا الخيار يحتاج للاستعداد الدولي".
اقرأ أيضا: لابيد: الاتفاق النووي مع إيران "سيئ" ولن نلتزم به
أكثر من ذلك، فإن التلويح الإسرائيلي بالخيار العسكري ضد ايران قد يكون مفيدا للاحتياجات الداخلية الانتخابية، لكنه في الوقت ذاته سيؤدي لتقريب الإيرانيين من القرار وتنفيذه، ما يؤكد أن دولة الاحتلال أمام لعبة أكثر تعقيدًا، ما دفع أوساطها العسكرية والأمنية للطلب من المستوى السياسي والحكومي العمل بالتنسيق مع العالم بقيادة الولايات المتحدة و"شركائها" في المنطقة، وخلق ضوابط وتوازنات ضد المصالح الإيرانية في أماكن مختلفة، والتوقف عن الاعتقاد الأعمى بأن الحل الحقيقي هو القوة العسكرية الإسرائيلية، لأن هذا الادعاء يعني باختصار تقريب إيران من القنبلة النووية، بدلاً من الابتعاد عنها.
كذلك، أكدت صحيفة "يديعوت" في افتتاحيتها، فشل الحكومات الإسرائيلية في التصدي للتهديد الإيراني، معتبرة أن التوصل إلى اتفاق جديد سيء هو الكفيل بوقف هذا التهديد.
وذكرت وفق ما كتبه الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا، أن "شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، عرضت قبل نحو ربع قرن على رئيس الوزراء حديث العهد في حينه بنيامين نتنياهو، صورة حادة لتهديد إيراني استراتيجي على إسرائيل، وفي حينه مثلما هو اليوم، رسمت الرؤيا المعادية لإيران بإبادة إسرائيل الاتجاه لتنمية القدرات من أجل تحقيقها".
وأوضحت أن "نتنياهو تبنى تقدير الاستخبارات وحدد التهديد الإيراني كمسألة مركزية بحجاة لمعالجة عامة وشاملة في المجالات الأمنية، العسكرية، السياسية، الاستخبارية وغيرها، وعلى مدى السنين، عملت أسرة الاستخبارات العجب في بلورة وعرض صور نوعية ومفصلة حول تطور التهديد في أربعة محاور مركزية".
وأضافت: "الأول؛ تطوير قدرة عسكرية نووية؛ الثاني؛ تطوير قدرات بالستية موجهة نحو الإسرائيليين إضافة لأهداف استراتيجية متنوعة، الثالث؛ السيطرة على دول فاشلة، مثل لبنان؛ والرابع؛ تطوير قدرات لضرب إسرائيل عسكريا وباليستيا من داخل الدولة إياها".
أما "إسرائيل، بالتوازي، فطورت علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، وضمن أمور أخرى على أساس التهديد الإيراني، و في نقطة زمنية معينة، ولأسباب تستحق البحث بعمق، نشأ في وردية رئيس الوزراء الأسبق نتنياهو، وضع ملح نجح فيه النظام الإيراني في تطوير قدرات مبهرة في سلسلة مسارات ضرب محتملة لإسرائيل؛ وكان المسار الأول والأخطر؛ هو السلاح النووي؛ حيث طورت طهران سرا قدرات تسمح لها بتطوير سلاح نووي تبعا لقرارها".
وأشارت الصحيفة، إلى أن "أسرة الاستخبارات تميزت في وصف التهديد، لكن حكومات نتنياهو لم تحرص على بناء جواب مناسب لتهديد يدمج سلاحا يعد كتهديد وجودي مع نظام يريد إبادة إسرائيل"، مضيفة: "صحيح أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الولايات المتحدة القوى العظمى كان سيئا؛ لكنه كان الاختيار بين السيء والأسوأ، وكان هو الاحتمال الافضل لوقف تطور التهديد الإيراني".
وأوضحت أنه "منذ أن ألغت إدارة ترامب الاتفاق مع إيران بمساهمة من تل أبيب، نما التهديد، ولن يتوقف إلا باتفاق آخر، سيئ أيضا، لكنه أقل سوءاً من تقدم إيراني نحو سلاح نووي".
وأما "المسار الثاني؛ هو التهديد الباليستي؛ فإيران تحوز قدرات مذهلة في حجمها من الصواريخ، المقذوفات الصاروخية، الطائرات المسيرة وغيرها"، منوهة أن "المسار الثالث؛ هو "تهديد الإرهاب"، وهنا توجد قصة نجاح هامة لشعبة الاستخبارات، جهاز المخابرات "الشاباك" ومؤسسة العمليات الخارجية الخاصة "الموساد"، في منع عمليات قاسية ضد إسرائيل على مدى السنين".
وبينت "يديعوت"، أن "المعارضة اللفظية الحادة لنتنياهو للاتفاق مثيرة للحفيظة؛ لأنها تعد بخيار عسكري لم يبنيه في فترة كان يمكنه فعل ذلك فيها، وبالتالي كيف يمكن أن نصدق بانه سيفعل هذا في المستقبل؟، فضلا عن ذلك، تصريحات رئيس الوزراء يائير لابيد مقلقة، والتي بموجبها إسرائيل لن تحترم الاتفاق إذا ما وقع بالفعل، وفي مثل هذه الحالة، سيدعم العالم الولايات المتحدة وإيران، وستنضم إسرائيل لأسرة الدول المنبوذة".
وأكدت أن "إسرائيل وبرغم التبجحات المختلفة، لن تمنع توقيع الاتفاق، وعليه، كقوة عظمى إقليمية، علينا أن نعمل على تطوير القدرة العسكرية للجيش الإسرائيلي في مسيرة متسارعة، مع تعزيز وتعميق التعاون الاستخباري والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وتطوير العلاقات الاستراتيجية مع الدول العربية دون تأسيسي حلف "ناتو" موازٍ، ولكن انطلاقا من الفهم بانه لا يمكن الاعتماد فقط على الامريكيين، إلى جانب هذا، الحصانة القومية أمر حيوي أكثر من اي وقت مضى، وبدون هذا العمود الفقري سيتضرر الأمن القومي أيضا".
جنرال إسرائيلي: بهذه الطريقة يمكننا تدمير النووي الإيراني
الاحتلال يشن معركة دبلوماسية لتأجيل اتفاق النووي أو إفشاله
هآرتس: إيران غيرت نهجها.. وقد توقع اتفاقا نوويا مع الغرب