ملفات وتقارير

هل يخفف "اتفاق إسطنبول" من أزمة القمح على المصريين؟

خبير: خفض قيمة الجنيه ورفع أسعار الفائدة كانت ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار سواء اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية أم لا- جيتي

وقعت روسيا وأوكرانيا الجمعة، في إسطنبول اتفاقا يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية من موانئها بالبحر الأسود إلى العالم، مع اتفاق آخر لإزالة القيود على تصدير الأسمدة والمنتجات الروسية الأخرى للأسواق العالمية، ما يعد فرصة لخفض أسعار الحبوب عالميا وإنقاذ ميزانيات العديد من الدول وبينها مصر.

نصيب روسيا وأوكرانيا من تجارة القمح العالمية يبلغ نحو 29 بالمئة، بحسب بيانات شبكة "CNBC" الأمريكية، فيما تعد روسيا ثم أوكرانيا أكبر موردي القمح إلى مصر خلال 2021.

"مؤشرات جيدة"

وانخفضت أسعار القمح العالمية بنسبة 2 بالمئة، ثم إلى نحو 6 بالمئة بمجرد الإعلان عن "اتفاق إسطنبول" برعاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والأمم المتحدة، وقرب تصدير 20 مليون طن قمح أوكراني كانت عالقة في صوامعها وموانئها منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط/ فبراير الماضي.

صحف غربية ووكالات أنباء عالمية رصدت تراجع أسعار القمح إلى أدنى مستوى لها في 5 أشهر أمس الجمعة، وفق تعبير وكالة "الأناضول" التركية، وذلك بعد أن ارتفعت العقود الآجلة للقمح في الأسبوعين التاليين لبدء الحرب، بنسبة 70 بالمئة لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 12.94 دولار للبوشل.

ودارت بورصة الحبوب الأمريكية، الجمعة، حول مستوى الـ7.64 دولار للبوشل (الطن يساوي 36.74 بوشل) بما يعني أن سعر الطن أصبح يدور حول مستوى الـ280 دولارا، بعد أن بلغ أعلى ذروة له منتصف أيار/ مايو الماضي حينما تجاوز الـ470 دولارا للطن.

وتراجعت أيضا أسعار الذرة وفول الصويا بجلسة بورصة شيكاغو، الجمعة، لتصل إلى أدنى مستوياتها في ثمانية أشهر، على خلفية اتفاق إسطنبول.

"أزمة مصيرية"

وتصدرت روسيا قائمة أعلى 10 دول صدرت القمح لمصر عام 2021، بنحو 1.2 مليار دولار وبكمية بلغت 4.2 مليون طن، بنسبة 69.4 بالمئة من إجمالي واردات القمح المصرية، لتأتي أوكرانيا ثانية بقيمة 649.4 مليون دولار، وبكمية 651.4 ألف طن بنسبة 10.7 بالمئة، ثم رومانيا، وأستراليا، وفرنسا، وليتوانيا، ومالديف، وكندا، والصين، وكوريا الجنوبية.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية عانت مصر من ارتفاع تكلفة استيراد القمح من نحو 250 دولارا للطن، ليتجاوز الـ470 دولارا، بل إن وزير ماليتها محمد معيط توقع في آذار/ مارس الماضي، زيادة 15 مليار جنيه في بند شراء القمح في الموازنة العامة.

وهو ما دفع الهيئة العامة للسلع التموينية إلى إلغاء مناقصتين دوليتين طرحتهما في شباط/ فبراير الماضي، لشراء القمح من أمريكا وكندا وأستراليا والأرجنتين والبرازيل، للتسليم في خريف 2022، بعد وصول الأسعار إلى 443 دولارا للطن على الأقل بخلاف تكاليف الشحن.

ونظرا لما عانته القاهرة من أزمة اقتصادية وهروب لأكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة وتراجع الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الذي رفع سعر الفائدة 3 مرات مع ضغوط خدمة الدين، فقد اضطرت الحكومة مطلع حزيران/ يونيو الماضي إلى طلب قرض من البنك الدولي بقيمة نصف مليار دولار، لشراء القمح.

ومع الأنباء المتواترة عن وساطة تركية بين روسيا وأوكرانيا بشأن تصدير الحبوب، فقد ألغت الهيئة العامة للسلع التموينية الثلاثاء الماضي، مناقصة لشراء قمح مستورد من خمسة مناشئ هي: أمريكا، وكندا، وأستراليا، والأرجنتين، والبرازيل.. وذلك لارتفاع أسعار العروض المقدمة عن الأسعار التقديرية.

ووفق بيانات حكومية، فإن الإنتاج المحلي من القمح يغطي نحو 55.5 بالمئة من احتياجات المصريين، الذين يستهلكون نحو 18 مليون طن سنويا، فيما بلغت واردات القمح 12.885 مليون طن في 2020، مسجلة نحو 3.210 مليار دولار.

 

اقرأ أيضا: تركيا تعلن التوصل لاتفاق بين روسيا وأوكرانيا حول نقل الحبوب

"المشكلة ما زالت قائمة"

وفي إجابته على تساؤل "عربي21"، "هل يقلل اتفاق إسطنبول من أزمة مصر مع استيراد القمح التي تعتمد في 80 بالمئة منها على روسيا وأوكرانيا؟"، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "الاتفاق الروسي الأوكراني كان له تأثير كبير على أسواق الحبوب".

وأوضح أن "أسعار القمح العالمية تراجعت بنسبة 6.3 بالمئة، حيث سجل سعر الطن نحو 278 دولارا، بانخفاض قدره نحو 20 دولارا لكل طن، وفي نفس الوقت تراجعت أسعار الذرة بنسبة 2.2 بالمئة".

لكن الخبير المصري يرى أن "المشكلة ما زالت قائمة"، مبينا أنه "رغم تراجع الأسعار العالمية حاليا بالمقارنة بما كانت عليه بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فهي ما زالت مرتفعة بالمقارنة بأسعار كانون الثاني/ يناير 2022، أي ما قبل الحرب".

ولفت أيضا إلى وجود "تخوفات من عدم قدرة أوكرانيا على الزراعة هذا الموسم بسبب الدمار الذي خلفته الحرب، وتحول المزارعين إلى جنود"، مضيفا أنه "مع ذلك، فسوف تبدأ آثار هذا الاتفاق في الظهور بداية من النصف الثاني من آب/ أغسطس المقبل".

وفي رؤيته، لكيفة إسهام هذا الاتفاق في تقليل عجز الموازنة المصرية العامة التي يجري ترقيعها ويمثل استيراد القمح فيها مبلغا كبيرا، فقد أكد الخبير المصري، أنه "بالنسبة لمصر، فالوضع غير مقلق حتى الآن، وربما حتى نهاية العام".

وأضاف: "ومع ذلك فقد تفضل مصر الحصول على شحنات من القمح حاليا كنوع من الاحتياط"، مشيرا إلى أنها "كانت تعتمد بشكل كبير على القمح الأوروبي والأمريكي والكندي، قبل تحولها إلى القمح الأوكراني عام 2012، ثم الروسي عام 2015".

لكن وبحسب عبدالمطب، "فإن تراجع الأسعار سوف يخفف الضغط كثيرا على الموازنة المصرية التي وضعت متوسط سعر طن القمح عند 255 دولارا للطن، قبل أن ترفعه إلى 330 دولارا".

"اتفاق غير مضمون"

من جانبه قال مستشار وزير التموين الأسبق، الدكتور عبدالتواب بركات، إنه "رغم انخفاض سعر القمح منذ بداية تموز/ يوليو الجاري، الذي يوافق موسم الحصاد، فإن الأسعار ما زالت أعلى بمقدار 50 بالمئة من معدلاتها في هذا التوقيت من كل عام".

بركات، وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع أن "تستمر الأسعار مرتفعة بسبب الحرب في أوكرانيا وتوقف إمدادات القمح من البحر الأسود، وتراجع الإنتاج العالمي بسبب موجات الحر غير المسبوقة التي ضربت دول الإنتاج الرئيسة في فترة نضج المحصول قبل شهر".

الأكاديمي المتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي، أضاف: "لا أعول على اتفاق تحرير صادرات الحبوب من أوكرانيا، لأن بوتين يستخدم القمح كسلاح ضد أمريكا وحلفائها لكسر الحصار المفروض على روسيا وابتزازها في مقابل تحقيق أهدافه في أوكرانيا".

ولفت إلى أن الدليل على ذلك "قصف موسكو ميناء أوديسا في أوكرانيا قبل أن يجف مداد اتفاق الحبوب، وهو مخزن كبير ورصيف لتصدير الحبوب الأوكرانية".

وعن تأثير الاتفاق على اقتصاد مصر، يرى الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية بالقاهرة، أن "الموازنة المصرية ستعاني من ارتفاع أسعار القمح الذي تستورد منه 13 مليون طن و14 مليون طن من الذرة الصفراء وفول الصويا و95 بالمئة من زيوت الطعام معظمها من روسيا وأوكرانيا".

ويرى بركات أنه "بالتالي لا بديل أمام مصر إلا الاكتفاء الذاتي من القمح، وإدارة محصول الأرز المحلي من خلال منظومة السلع التموينية كبديل جزئي لرغيف الخبز خلال الأزمة".

ماذا عن المصريين؟

وكما أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على قدرات الحكومة المصرية في استيراد القمح، فإنه بعد نحو 10 أيام من إندلاع الحرب وفي أولى نتائجها السلبية على ملايين المصريين، ارتفع سعر رغيف الخبز غير المدعم "السياحي" بنسبة 50 بالمئة ليصبح سعر الرغيف 1.5 جنيه بدلا من جنيه واحد.

وزاد سعر طن الدقيق الأبيض الناعم "الزيرو" غير المدعم من 9 آلاف إلى 12 ألف جنيه، ما دفع أصحاب المخابز غير الحكومية إلى رفع سعر الخبز على المواطنين، إلا أنه مع اتفاق إسطنبول فإن آمال المصريين تتجه نحو عودة أسعار الدقيق والخبز غير المدعم لسابق عهدها قبل اندلاع الحرب.

وفي توقعاته لاحتمالات انخفاض سعر الدقيق والخبز في مصر والعودة إلى سابق عهدهما مع تنفيذ تلك الاتفاقية وانخفاض سعر القمح العالمي وشراء مصر له بمعدلات تقارب ما كانت عليه قبل بداية الحرب، قال عبدالمطلب، إن "تراجع الأسعار في مصر صعب جدا".

ويرى أن "خفض قيمة الجنيه المصري ورفع أسعار الفائدة كانت ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار، سواء اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية أم لا"، لافتا إلى أن "الخوف أن تضطر مصر إلى إجراء تخفيضات جديدة بقيمة الجنيه ما قد يؤدى إلى زيادة الأسعار".

"الأولوية للإنتاج"

رئيس مجلس إدارة صحيفة "الأهرام" الأسبق أحمد السيد النجار، أكد أنه باتفاق إسطنبول هناك 38 مليون طن قمح روسي جاهزة للتصدير، ونحو 18 مليون طن من أوكرانيا، متسائلا عبر صفحته بـ"فيسبوك": "هل يخفض الاتفاق أسعار الخبز والدقيق في مصر؟".

وقال إنه حتى لا تتعرض مصر في أي ظرف لأزمة في إمدادات الحبوب فإن عليها أن تعطي أولوية لإنتاج الحبوب محليا بإعطاء من يزرعون القمح أسعارا تعادل العائد من المحاصيل البديلة التي تزرع في نفس فترة زراعة القمح بما يشجعهم على زراعته".