نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لمدير قسم جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون، حسين
حقاني، قال فيه إن باكستان كانت ترى، على مدى العقدين الماضيين، أن حكم طالبان في أفغانستان
سيكون بمثابة نعمة لأمن باكستان. ولطالما دعمت إسلام أباد طالبان على أساس أن المسلحين
يمكن أن يساعدوا في حرمان الهند – التي يعتبرها العديد من المسؤولين الباكستانيين تهديدا
وجوديا – من أي تأثير في أفغانستان. ولكن منذ العودة إلى السلطة في آب/ أغسطس الماضي،
أكدت طالبان مدى خطأ تلك النظرية.
أصبحت
باكستان أقل أمنا بعد زحف حركة طالبان المنتصرة إلى كابول. أدى نجاح حركة طالبان في
أفغانستان إلى تحفيز حركة طالبان باكستان التي شنت أكثر من 124 هجوما إرهابيا في باكستان
منذ عودة طالبان إلى السلطة (بما في ذلك هجمات انتحارية) من قواعد في أفغانستان. وأدى
نشاط حركة طالبان باكستان إلى توترات بين إسلام أباد وطالبان في كابول.
كما
أثارت الضربات الجوية الانتقامية التي شنتها القوات الجوية الباكستانية احتجاجات من
سلطات طالبان. وكان على جنرال باكستاني كبير، كان يترأس حتى وقت قريب المخابرات الباكستانية
(ISI)، زيارة كابول لإجراء محادثات
مع حركة طالبان باكستان، بوساطة من حركة طالبان الأفغانية.
ليست
هذه هي المرة الأولى التي يعود فيها دعم باكستان لطالبان بالضرر عليها. لم تحقق جهود
إسلام أباد الدؤوبة لتأمين الاعتراف الدولي والمساعدة الاقتصادية لنظام طالبان نجاحا
يُذكر. لقد أوضح المجتمع الدولي أنه لن يتسرع في الاعتراف بطالبان ما لم يغيروا سلوكهم.
من ناحية
أخرى، رفضت حركة طالبان التخلي عن موقفها المتشدد بشأن قضايا مثل حقوق المرأة والسماح
للفتيات بالالتحاق بالمدارس، مما يجعل إصرار باكستان على أن طالبان قد تطورت يبدو مضللا.
وتواجه الحكومة الباكستانية الجديدة الآن احتمالية الاضطرار إلى دعم حليف مزعج في كابول
والسكان المجاورين الذين يعانون من نقص السيولة في وقت يعاني فيه اقتصادها.
لطالما
كان دعم باكستان لطالبان متجذرا في الأيديولوجيا وليس في السياسة الواقعية.
منذ
إنشائها في عام 1947، أقامت باكستان سياساتها الأمنية على فكرة أن الهند، جارتها من
الشرق وعدوها الدائم، تسعى إلى حلها. تخيل القادة الباكستانيون أن الهند تريد التراجع
عن التقسيم الذي شق شبه القارة إلى قسمين وخلق باكستان من المقاطعات ذات الأغلبية المسلمة
في الهند البريطانية. كما أنهم كانوا منذ فترة طويلة حذرين من أفغانستان إلى الشمال
الغربي. حيث رفضت كابول تقليديا قبول الحدود بين أفغانستان وباكستان، وذلك من مخلفات
الحقبة الاستعمارية منذ عام 1896. وبالعودة إلى الأربعينيات من القرن الماضي، طالب القادة
الأفغان بإنشاء "باشتونستان"، التي توحد أراضي البشتون على جانبي الحدود.
تحدث كل من حميد كرزاي وأشرف غني، الرئيسان الأفغانيان اللذان حكما البلاد بين سقوط طالبان
عام 2001 وعودتهم بعد 20 عاما، عن الحفاظ على علاقات جيدة مع باكستان لكنهما لم يغيرا
موقف كابول من وحدة البشتون.
تخشى
باكستان من تحالف بين الهند وأفغانستان، بسبب الشك في جيرانها. مثل هذا التحالف سيجعلها
محاصرة بين خصمين. لقد اضطلعت باكستان بدور رئيسي في أفغانستان في الثمانينيات، عندما
دعمت حرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد الاتحاد السوفيتي، ليس من منطلق الولاء لواشنطن
ولكن لمتابعة طموحاتها الاستراتيجية الخاصة؛ كانت باكستان تأمل في توسيع نفوذها إلى
أفغانستان قبل وقت طويل من غزو القوات السوفيتية للبلاد في عام 1979. واعتبرت إسلام
أباد الجماعات الإسلامية الأداة الأكثر فاعلية لبسط نفوذها، وهي سياسة بلغت ذروتها
في صعود طالبان في التسعينيات.
عزز
الغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001 العناصر العلمانية والقومية البشتونية في المجتمع
الأفغاني، الذين اعتبرهم القادة الباكستانيون قريبين من الهند، أو أسوأ من ذلك، وكلاء
صريحين للهند. سعت باكستان إلى مكافحة القومية البشتونية بإيديولوجية الوحدة الإسلامية.
ورأى الجيش الباكستاني في تمرد طالبان ضمانا ضد الوفاق الهندي الأفغاني تحت زعماء أفغان
علمانيين. على الرغم من نفي إسلام أباد الرسمي، فقد وفرت باكستان ملاذا آمنا لمتمردي
طالبان الأفغانية وسمحت لقيادة طالبان بالعمل من باكستان خلال العقدين الماضيين.
خلال
تدخلها العسكري في أفغانستان، تجاهلت واشنطن أو رفضت اقتراحات القادة الأفغان والمعارضين
الباكستانيين بأن دعم باكستان لطالبان قد يكون له أساس أيديولوجي أعمق مما تعترف به
إسلام أباد. وكان بإمكان الولايات المتحدة أيضا توفير مليارات الدولارات من المساعدات
التي قدمتها لباكستان مقابل فشل الدولة في المساعدة أو التعاون غير الكافي في تحقيق
الاستقرار في أفغانستان. وجد الدبلوماسيون الأمريكيون فكرة التهديد الهندي لباكستان
عبر أفغانستان فكرة غريبة وافترضوا أنهم يستطيعون إقناع باكستان بتغيير حساباتها الاستراتيجية.
من ناحية أخرى، وصفت باكستان للدبلوماسيين والجنرالات الغربيين علاقتها مع طالبان بأنها
استراتيجية تحوط للتعامل مع عواقب الانسحاب الأمريكي المحتوم.
ولم
تتوقع باكستان انسحابا عسكريا أمريكيا من أفغانستان إيذانا بنهاية مصلحة واشنطن في
المنطقة. كانت تأمل في الظهور كعنصر أساسي في المنطقة باعتبارها القوة الأجنبية البارزة
في أفغانستان والوسيط الرئيسي بين طالبان والولايات المتحدة وحلفائها.
خلال
انسحاب إدارة بايدن من أفغانستان الصيف الماضي، ظل المسؤولون الباكستانيون متفائلين
بشأن الحفاظ على نفوذهم على طالبان مع الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.
كان هذا سوء تقدير كبيرا.
فالتأثير
يعمل في كلا الاتجاهين. فوكالة الاستخبارات الباكستانية القوية تسيطر على طالبان من
خلال الدعم المادي والعلاقات الشخصية مع القيادة. لكن طالبان اكتسبت قواعد انتخابية
قوية داخل باكستان، مثل رجال الدين المحافظين والأحزاب السياسية الإسلامية. ربما قبلت
حركة طالبان وشبكة حقاني، وهي فصيل قوي داخل الجماعة المسلحة، الدعم الباكستاني لسنوات
لكنهما لا يرغبان في أن يكونا وكلاء لباكستان إلى الأبد. كدولة قوية، لا تزال باكستان
لها اليد العليا في العلاقة، لكن ميزان القوى أقل توازنا الآن بعد أن حكمت حركة طالبان
أفغانستان بالكامل.
لا يرغب
المنظرون الأيديولوجيون داخل حركة طالبان الأفغانية في قطع العلاقات مع حركة طالبان
باكستان، المسؤولين عن بعض أسوأ الهجمات الإرهابية داخل باكستان منذ عام 2007. وبعد
انتصار طالبان في أفغانستان، توقعت باكستان أن تتوسط حركة طالبان الأفغانية لوقف إطلاق
النار بين نظرائهم الباكستانيين والحكومة الباكستانية. لكن تلك المحادثات فشلت، وشنت
باكستان عدة غارات بطائرات بدون طيار وضربات جوية ضد أهداف حركة طالبان باكستان في
أفغانستان.
ومهما
يكن الأمر، فقد بدد هذا العنف آمال الباكستانيين في أن تؤدي حكومة طالبان إلى حدود
غربية آمنة.
في مقاطعة
بلوشستان الجنوبية الغربية في باكستان، المتاخمة لأفغانستان، استطاع المتمردون القوميون
البلوش العلمانيون أيضا أن يكتسبوا قوة بدلا من أن تقتلعهم طالبان. لسنوات، ألقت باكستان
باللوم على حكومة جمهورية أفغانستان (وداعميها الهنود) لمساعدة الانفصاليين البلوش،
بما في ذلك عن طريق توفير ملاذ آمن لهم في أفغانستان. ولكن منذ سقوط تلك الحكومة وتبخر
النفوذ الهندي في أفغانستان، يبدو أن الجماعات لم تزدد إلا قوة، وشنت بعضا من أكثر
هجماتها فتكا واستهدفت حتى مشاريع البنية التحتية لحليف باكستان الوثيق، الصين.
وصلت
حكومة مدنية جديدة في باكستان إلى السلطة في نيسان/ أبريل بعد الإطاحة برئيس الوزراء
عمران خان الذي حكم إلى حد كبير بموافقة الجنرالات على مدى السنوات الأربع الماضية.
خسر خان تصويتا بحجب الثقة عن الجمعية الوطنية بعد أن فقد أغلبيته في المجلس التشريعي
- وبعدما لم يتدخل الجيش لإبقائه في السلطة. وحل محله شهباز شريف الذي يترأس ائتلافا
مضطربا من الأحزاب المتنافسة التي اتحدت معا لإسقاط خان. على الرغم من أنه من المتوقع
أن تعمل حكومة شريف على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة من خلال التخلص من خطاب
خان المناهض للغرب، فمن غير المرجح أن تغير الحكومة سياسة باكستان تجاه أفغانستان،
والتي تظل من اختصاص الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية.
لم تظهر
القيادة العسكرية الباكستانية ميلا للتخلي عن رؤيتها للعالم المتمحورة حول الهند، والتي
بدورها تلزمها بالحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع طالبان في أفغانستان. يمكن لباكستان
أن تضغط على طالبان عسكريا واقتصاديا، وتطالبهم بتقاسم السلطة مع الفصائل الأفغانية
الأخرى وعكس بعض سياساتهم الأكثر تطرفا. لكن من غير المرجح أن يتبنى الجنرالات الباكستانيون
هذا الخيار ويخاطرون بفقدان شريك في صراعهم الاستراتيجي المتخيل مع الهند.
قد يكون
لانتصار طالبان في كابول تأثير طويل الأمد على السياسة الداخلية الباكستانية وعلى احتمالية
تجديد العلاقات مع الولايات المتحدة. رفض خان قبول إقالته من منصبه. إنه يأمل في الاستفادة
من التعاطف مع طالبان لإحداث موجة من المشاعر المعادية لأمريكا بحيث يمكنه العودة إلى
منصبه. في الأسابيع التي أعقبت الإطاحة به، قاد خان مسيرات حاشدة في جميع أنحاء البلاد،
مكررا مزاعم لا أساس لها من الصحة بأن الولايات المتحدة تآمرت لعزله. يهدد خطاب خان
بمزيد من الاستقطاب في المجتمع الباكستاني والسياسة حيث تكافح الدولة الباكستانية أزمة
اقتصادية حادة، مع ركود النمو، وتضخم متزايد، وديون خارجية ضخمة. كما
أنه يخاطر بإعاقة جهود إسلام أباد لإصلاح العلاقات مع واشنطن.
في العام
الماضي، لم تكتف إدارة بايدن بإخراج نفسها من أفغانستان. بل نأت بنفسها عن باكستان.
فلم يتصل بايدن بخان، وهو ازدراء أثار حفيظة رئيس الوزراء السابق. مع وجود حكومة جديدة
الآن في إسلام أباد، فإن الوقت مناسب لإعادة تقويم العلاقات. يستلزم الوضع الاقتصادي
المزري لباكستان التطلع إلى الولايات المتحدة للحصول على الدعم. يجب على واشنطن أن
تقدم هذا الدعم مقابل موافقة القادة الباكستانيين على إصلاح سياسي واقتصادي جاد، بما
في ذلك مراجعة نظرة باكستان إلى أفغانستان كدولة تابعة لباكستان والهند كعدو وجودي.
إن إغلاق البنية التحتية الجهادية في باكستان هو شرط مسبق لباكستان لبدء صفحة جديدة
ويجب أن يكون شرطا أساسيا لعلاقة جديدة بين الولايات المتحدة وباكستان.
يجب
على باكستان مراجعة نهجها تجاه طالبان. من الواضح أن القادة الباكستانيين المتعاقبين
الذين دعموا طالبان على أمل جعل باكستان أكثر أمنا أساءوا فهم التحديات الحقيقية التي
تواجه بلادهم. مخاوفهم المعلنة بشأن أمن باكستان - حتى بعد أن طورت الدولة أسلحة نووية
في التسعينيات - يمكن تفسيرها بشكل أفضل من خلال علم النفس أو ضرورات السياسة أكثر
من أي تقييم معقول للواقع.
لعقود
من الزمان، أدت سياسة باكستان تجاه أفغانستان إلى تأجيج النزعة الإسلامية الشاملة والجهادية
والبارانويا تجاه الهند. لقد منع هذا المزيج السام القادة الباكستانيين من معاملة الهند
وأفغانستان كشريكين تجاريين، وبدلا من ذلك حول الهند إلى عدو دائم وأفغانستان إلى تهديد
استراتيجي. إن مساعدة طالبان على الانتصار قد أضاف إلى مشاكل باكستان، ولم يحل أيا
منها.
معهد واشنطن: هل أحيت مخاوف النووي اتصالات الرياض بإسلام آباد؟
FP: تنظيم الدولة لم يعد قادرا حتى على توجيه هجمات منفردة