ملفات وتقارير

ما دلالات وتداعيات التصعيد الأخير بين الأردن والاحتلال؟

يقود الأردن جهودا لمنع الاستفزازات الإسرائيلية في القدس- عربي21

بعد ساعات من توقيع 88 نائباً في البرلمان الأردني على مذكرة تطالب الحكومة بطرد السفير الإسرائيلي من عمّان، وتجميد الاتفاقيات الموقعة مع "تل أبيب"؛ استدعت "الخارجية الأردنية" القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية، وسلمته مذكرة احتجاج حول انتهاكات الاحتلال الأخيرة في المسجد الأقصى.


وأثار هذا التصعيد تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لإقدام الحكومة الأردنية عليه، وهل هو إجراء شكلي لتسكين ردود الفعل الشعبية الغاضبة في المملكة، أم أنه حقيقي وربما يتطور إلى مواقف أكثر حدة، كطرد السفير الإسرائيلي، وتجميد أو إلغاء الاتفاقات الموقعة بين الطرفين؟


"الخارجية الإسرائيلية" اكتفت بإصدار بيان قالت فيه إن الإجراءات الأردنية "تضر بجهود إحلال السلام في القدس"، و"تعطي دفعة لمن يمسّون حرمة الأعياد، ويلجؤون إلى العنف الذي يعرض حياة المواطنين المسلمين واليهود على حد سواء للخطر".


وأضافت أن "إسرائيل تحافظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي، وأي شريك مسؤول يجب أن يدرك ذلك وألا يشارك في نشر أخبار كاذبة".


تناغم الرسمي والشعبي


وقال المحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات، إن ترؤس الملك عبد الله الثاني لاجتماع وهو على سرير الشفاء بعد إجرائه عملية ديسك في ألمانيا؛ لمناقشة أحداث المسجد الأقصى، يعبر عن اهتمام بأعلى المستويات حول القضية.


وأضاف لـ"عربي21" أن "هذا قد يشير إلى أن الأردن يتحرك باتجاه متناغم ما بين الرؤية الرسمية والشعبية، في رفض سياسات الاحتلال بحق الأقصى والقدس المحتلة"، مبينا أن ذلك "ربما ينبع من شعور الأردن بأن إسرائيل تحاول تهميش دوره إزاء القضية الفلسطينية بشكل عام، ووصايته على المسجد الأقصى بشكل خاص".


ورجّح بشارات أن الموقف الأردني لن يتطور إلى حد طرد القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمان، معللا ذلك بأن الأردن حقق ما أراده من خلال تسجيل مواقفه الرافضة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، وعدم قبوله أي تغييرات على الوضع القائم في المسجد الأقصى.


وتابع: "ربما أراد الأردن من هذه الخطوات؛ الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية كي تتحرك بجدية في الضغط على إسرائيل؛ لمنع تدهور الوضع الميداني فلسطينيا، والذي قد يترتب عليه العديد من الارتدادات الإقليمية".


وأوضح بشارات أن "الأردن يحاول أن يفصل ما بين مفهوم السيادة والمكانة في المنظومة السياسية الإقليمية والدولية، وما بين العلاقة التي قد تكون قائمة على المصالح، خصوصا فيما يتعلق ببعض القطاعات".


ورأى أن "الأردن يدرك جيدا أن أي حالة عدم استقرار في قضية القدس؛ يمكن أن تتطور إلى عدم استقرار عام بكل ما له علاقة بالقضية الفلسطينية، وبالتالي يمكن أن ينعكس ذلك على حالة عدم الاستقرار الشعبي في الأردن، مما يدفع عمّان إلى السير بخطوات متقدمة للحيلولة دون ذلك".


وقال بشارات إنه "على الرغم من الحديث عن التقدم في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الأردن وإسرائيل، إلا أن عمّان تحاول في نهاية المطاف أن تبقي على مكانتها وسيادتها في مدينة القدس المحتلة، وعلى دورها المحوري فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية".


وشهدت الأشهر الأخيرة توقيع عدة اتفاقات بين الأردن والاحتلال، أبرزها اتفاق زراعي يقضي بتوريد منتجات زراعية أردنية إلى الكيان الإسرائيلي، تبعه اتفاق مائي بشراء عمّان 50 مليون متر مكعب من "تل أبيب"، ثم "إعلان النوايا" الذي يقضي بتزويد إسرائيل الأردن بالمياه، مقابل أن يزوِّدها الأخير بالكهرباء، ثم اتفاق من شأنه زيادة حصة الصادرات الأردنية إلى السلطة الفلسطينية.


دون المستوى المطلوب


ويرى الناطق الإعلامي باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، ثابت عساف، أن هذه الاتفاقيات تؤكد أهمية إعادة تقييم المسار الأردني تجاه القضية الفلسطينية.


وأضاف لـ"عربي21" أن هذا التقييم يجب أن يشمل رهن مصادر الطاقة والقطاعات الحيوية الأردنية لصالح الكيان الصهيوني، ومعاهدة "وادي عربة" وما تبعها من تدخلات في سيادة المملكة، والموقف من المقاومة ومؤازريها الذين يقبع بعضهم خلف القضبان في الأردن، بالإضافة للتنسيق الأمني وانعكاس ذلك على مختلف القطاعات حتى وصل إلى المناهج المدرسية.


وحول الموقف الأردني إزاء ما يجري في المسجد الأقصى والقدس والمقدسات؛ ذهب عساف إلى أنه "دون المستوى المطلوب والمأمول، بل إنه مقلق ومخجل في العديد من الجوانب".


وأوضح أن "ذلك برز في عدد من المواقف المباشرة وغير المباشرة، كعدم استخدام الجانب الرسمي الأردني للأوراق الدبلوماسية والسياسية التي يمتلكها، ومنع دائرة الأوقاف الاعتكاف في المسجد الأقصى سوى في العشر الأواخر من رمضان، وحضور السفير الأردني لدى الاحتلال لمأدبة رئيس الكيان الصهيوني، في الوقت الذي يتعرض فيه الأقصى للاقتحامات والانتهاكات".


وتابع الناطق باسم "العمل الإسلامي": "هذه الشواهد رافقها أداء سلبي على الأرض تجاه الفعاليات الشعبية الأردنية التي تستنكر ما يجري في الحرم القدسي، كمنع فعاليات جمعة الفجر العظيم المناصرة للمسجد الأقصى".


وعن استدعاء الخارجية الأردنية للقائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان، وتسليمه رسالة احتجاج بشأن الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى؛ قال عساف إن "هذه مواقف دبلوماسية شكلية، وحيلة العاجز، وما يجري في القدس يحتاج مواقف حقيقية يستخدم فيها الأردن أوراق القوة التي بيده".

 

اقرأ أيضا: يديعوت: رغم كل شيء لن يقطع الأردن علاقاته بإسرائيل

سيناريوهات مفتوحة


من جهته؛ نفى مدير عام مركز الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية، عمر رداد، أن يكون التصعيد الأردني تجاه إسرائيل بهدف احتواء ردود الفعل الشعبية، مستشهدا بأن الأردن سبق أن قدّم مواقف صلبة وصارمة في محطات مرتبطة بالقدس وبالقضية الفلسطينية.


وقال لـ"عربي21" إن الأردن يواجه التصعيد الإسرائيلي في فلسطين بمرجعيات وتكتيكات، تشمل الوصاية الدينية على الأماكن المقدسة، ودعم السلطة الفلسطينية وحل الدولتين، والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية، وهو ما تمت ترجمته باتصالات الملك عبد الله الثاني مع قادة الدول العربية والإسلامية.


وأَضاف رداد أن هذه الاتصالات جاءت في إطار بناء مقاربة عنوانها رفض التصعيد الإسرائيلي وجملة الإجراءات الإسرائيلية الخاصة بالأماكن المقدسة في القدس، بما فيها التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، ومحاولات تهويد تلك الأماكن.


وفيما يتعلق بمستقبل العلاقات الأردنية - الإسرائيلية في ضوء هذا التصعيد؛ رأى خبير الأمن الاستراتيجي "أننا أمام سيناريوهات مفتوحة، تتراوح بين تهدئة ممكنة، أو مزيد من التصعيد".


واستدرك رداد: "لكن القيادة الأردنية تدرك أن التصعيد الجديد مرتبط بأزمة داخلية في مؤسسة الحكم الإسرائيلية، وارتهان الحكومة الإسرائيلية الحالية لأحزاب يمينية متطرفة، وأنها حكومة هشة وضعيفة ومنقسمة على نفسها، وهو ما يفسر الانفتاح الأردني عليها، في إطار سعي عمّان لتطوير العلاقات معها بوصفها بديلا لنتنياهو الذي قاد حكومات اتخذت مواقف عدائية تجاه الأردن".


وتابع أنه "من المؤكد أن مستقبل العلاقات بين الجانبين سيكون مرتبطا بالإجراءات القادمة للحكومة الإسرائيلية، والتي أصبحت خاضعة بشكل كامل للتطرف اليهودي، وتحصر أهداف إجراءاتها في الإجابة على انتقادات معارضيها".


وأوضح أن "خطوات بمستوى طرد السفير الإسرائيلي من عمان، وإلغاء معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية، خطوات غير مطروحة في هذه المرحلة على المستوى الرسمي الأردني، لكنها ستبقى ضمن سلة خيارات عديدة يمكن أن يقدم الأردن على اتخاذها؛ في حال تصاعد العنف الإسرائيلي، وأقدمت تل أبيب على خطوات أكثر تصعيدا".


وتجدر الإشارة إلى أن الأردن مرتبط بـ"اتفاقية سلام" مع "إسرائيل" منذ عام 1994، في ما عرف باتفاقية "وادي عربة" (صحراء أردنية محاذية لفلسطين)، والتي نصت على إنهاء حالة العداء بين البلدين، وتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات بين الدول.