صحافة دولية

ماذا قال الإعلام الغربي عن موقف العرب من حرب أوكرانيا؟

اختارت الدول العربية أن لا تدين الغزو الروسي لأوكرانيا دون الترحيب به- جيتي

علّقت وسائل إعلام غربية على مواقف الدول العربية إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، واصفة ذلك بـ"الحياد الحاذق" الذي تسعى من خلاله دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى الحيلولة دون الإساءة إلى الروس أو الأمريكيين على حد سواء.


واعتبر عدد من الصحف الغربية أن الموقف العربي جاء تلبية للمصالح المشتركة مع فلاديمير بوتين من جهة، ولتجنب أي موقف غير مريح تجاه الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص.


وأشارت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إلى أن الدول العربية ردت حتى الآن على الغزو الروسي لأوكرانيا بـ"صمت يصم الآذان"، على أمل إظهار "الحياد الحاذق"، مشيرة إلى أن القادة العرب راضون عن تنظيم خروج رعاياهم من أوكرانيا، دون إدانة الحرب أو الموافقة عليها.


ونقلت الصحيفة عن الدكتور في الجغرافيا السياسية عدلان المحمدي، قوله إن "هناك اتجاهين يتواجهان داخل الدول العربية: من ناحية، التعاطف المؤيد لروسيا النابع من مناهضة الإمبريالية الأمريكية..

 

ومن ناحية أخرى، نظرة نقدية على الطرق الاستبدادية لفعل الأشياء في روسيا، والتي عبر عنها بشكل خاص الشباب الذين يقاتلون ضد الديكتاتورية في بلادهم. وبالتالي، فإن حياد القادة العرب يشهد على الرغبة في عدم الإساءة إلى أي ميل، وتشكيل خط بديل للسياسة الخارجية: خط عدم الانحياز".


واعتبرت الصحيفة أن الموقف الحيادي تجاه الحرب في أوكرانيا، الذي  أظهرته حتى البلدان القريبة عادة من واشنطن، مثل المغرب والسعودية والإمارات، كان مفاجئا. وامتنعت أبوظبي، التي تشغل هذا العام مقعدا بالتناوب في مجلس الأمن الدولي، عن التصويت لفائدة مقترح حليفتها واشنطن يدين روسيا.


الأمن الغذائي


وفي تفسيرها للموقف العربي، قالت "لوفيغارو" إن القضية الدبلوماسية تخفي خلفها مٍسألة أخرى، وهي الأمن الغذائي للدول العربية، إذ تعد دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط أكبر مستورد للقمح في العالم، بوجود روسيا وأوكرانيا كمصدرين رئيسيين. 


وعلاوة على ذلك، فإن لبعض الدول مصلحة خاصة في عدم إضمار العداء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحسب الصحيفة. وبالنسبة للجزائر، فإن التعاون مع روسيا يعد أكثر أهمية منذ أن وقعت الجزائر عقود أسلحة كبيرة مع موسكو. والجزائر، هي ثالث أكبر مستورد للأسلحة الروسية في العالم، بعد الصين والهند مباشرة. ويفسر هذا التعاون العسكري الميل الجزائري لروسيا وعدم إدانتها للحرب في أوكرانيا.


واستثنت الصحيفة سوريا من الحياد المعلن للعالم العربي باعتبار أن رئيس النظام بشار الأسد، يَدين لموسكو منذ التدخل الروسي في سوريا عام 2016 بالبقاء في السلطة.


موقف غامض


أما صحيفة "لوموند" الفرنسية فاعتبرت أن الموقف العربي من موسكو لا يزال غامضا، في الوقت الذي تسعى فيه الدول الغربية إلى عزل روسيا دبلوماسيا، كما يتضح من تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة يوم الأربعاء 2 آذار/ مارس قرارًا يطالب روسيا بوقف تدخلها في أوكرانيا.


 وبينما أيدت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قرار الأمم المتحدة الذي تم تبنيه الأربعاء، فقد قررت أبوظبي في 25 شباط/ فبراير الامتناع عن التصويت على نص مماثل تم تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي. وتولت دولة الإمارات العربية المتحدة، العضو غير الدائم في المجلس، الرئاسة يوم الثلاثاء 1 آذار/ مارس لمدة شهر.


ووفقا لدبلوماسي من شمال أفريقيا، فإن اختيار التصويت لصالح قرار الجمعية العامة بعد أيام قليلة من الامتناع عن التصويت في مجلس الأمن يستجيب للرغبة في "عدم إثارة غضب روسيا دون معاداة الولايات المتحدة". 


في اليوم السابق للتصويت، دعا أنطوني بلينكن نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، للتأكيد على "أهمية بناء استجابة دولية قوية لدعم سيادة أوكرانيا"، وهو ما لم تستجب له أبوظبي.


واعتبرت الصحيفة أن الحياد الظرفي للإمارات هو جزء من سياق الإحباط المتزايد من الطريقة التي تعامل بها إدارة بايدن، في نظرهم، القضايا الأمنية في الخليج، إذ رفع بايدن، بعد وقت قصير من توليه منصب رئاسة أمريكا، جماعة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية التي أنشأتها الولايات المتحدة، ما أثار قلق أبوظبي.

 

اقرأ أيضا: أكاديمي إماراتي: هل ستدافع عنا واشنطن إذا غزت إيران الخليج؟

وإلى جانب الإمارات، السعودية، التي تتسم بالحذر الشديد منذ غزو روسيا لأوكرانيا، والتي لها مصالح مشتركة في مجال الطاقة مع موسكو، رغم الضغوط الأمريكية التي تحثها على زيادة إنتاجها النفطي للتخفيف من ارتفاع أسعار النفط المرتبط بالحرب في أوكرانيا.


وعلى العكس من ذلك، فقد أكدت الرياض التي استثمرت بكثافة في تطوير علاقاتها مع روسيا، تمسكها باستقرار وتوازن أسواق النفط والتزام المملكة في إطار اتفاقية أوبك+، منذ اليوم الأول للغزو الروسي.


وقال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حسن الحسن: "إذا مارست الولايات المتحدة ضغوطا كبيرة على دول الخليج للوقوف ضد روسيا، فيمكنها تحقيق ذلك. لكن على المدى الطويل  سوف يبرر ذلك الدعوات إلى استقلال ذاتي استراتيجي أكبر في الخليج وتقليل الاعتماد على الشركاء الغربيين. التوازن الذي سيتم العثور عليه حساس".


موقف صعب


أما صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فاعتبرت أن الغزو الروسي لأوكرانيا وضع أصدقاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط في موقف صعب، إذ لم يكن العالم العربي على استعداد للانحياز بوضوح إلى جانب واشنطن.


وقالت الصحيفة إن الحقيقة المؤسفة من منظور كلتا القوتين العالميتين هي أنه لا توجد دولة في الشرق الأوسط تستفيد من المواجهة بين روسيا وأوكرانيا حاليا.


وبحسب "واشنطن بوست"، فإن واشنطن لم تعد موثوقة تماما للدول العربية على مدار العقد الماضي، ما دفعهم إلى تنويع خياراتهم الاستراتيجية، حيث ارتبطت أغلب الدول بروسيا، فيما ذهب البعض إلى الصين. 


وطورت الدول العربية علاقاتها العسكرية مع روسيا، وأصبحوا يعتمدون على موسكو لتكون مستودعا للمواد النووية الإيرانية المحظورة إذا أمكن تأمين اتفاق لوقف تطوير أسلحة طهران النووية.


وأشارت الصحيفة إلى أن السعودية تعرضت لضغوط أمريكية شديدة لمحاولتها عدم قول أي شيء، في وقت تأمل فيه الرياض تجنب الاضطرار إلى زيادة إنتاج النفط لتحقيق الاستقرار في أسعار البترول، التي ترتفع حاليا بسرعة نتيجة للحرب.

 

المال الروسي المسروق


واعتبرت الصحيفة أن الإمارات ترتبط بعلاقة صداقة أقوى مع روسيا وبشكل علني على الرغم من الغزو لأوكرانيا، واستمر التواصل الدبلوماسي مع موسكو، باستخدام مصطلحات مثل "الصداقة" و"الشراكة"، دون إبداء أي استياء من روسيا إلا في تصويت الأمم المتحدة. 

 

اقرأ أيضا: الإمارات توجه رسالة متشابهة لروسيا وأوكرانيا حول الحرب

وحذرت "واشنطن بوست" الإمارات بشأن "حملة عالمية لمعاقبة الأصول البحرية المخفية لحكام روسيا"، باعتبار أن "دبي بيت عالمي رئيسي للثروة الروسية المسروقة مثل إسرائيل"، بحسب الصحيفة.


وقالت الصحيفة إن "الإمارات كانت أكثر صراحة من إسرائيل والسعودية في شرح التفكير الذي يتشاركونه جميعًا بشكل فعال: باعتبار أن ليس لديهم مصلحة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبما أن الولايات المتحدة لم تعد القوة العظمى العالمية الوحيدة، فإن التنويع الاستراتيجي، حتى مع موسكو، هو في النهاية أهم من الشراكة مع واشنطن فقط".


وأضافت: "سيكون من الحكمة أن تتذكر دول الخليج وإسرائيل أن النظام الدولي الذي يبدو أنهم استسلموا لتجاوزه كان ميزة كبيرة لهم. ويخدم مثل هذا النظام القائم على القواعد مصالح الدول الصغيرة والضعيفة بشكل أفضل بكثير من الانتقال الفوضوي إلى نظام أكثر ضراوة وقوة تهيمن عليه بكين وموسكو".