تشهد الساحة الليبية هذه الأيام، تصاعدا في السجال السياسي بين الأطراف المحلية والدولية، عقب اختيار البرلمان لوزير الداخلية فتحي باشاغا رئيسا للحكومة، في وقت يتمسك فيه رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة بمنصبه، ما أثار احتجاجات لدى الليبيين ومخاوف من اندلاع فتيل أزمة سياسية وعسكرية في الأفق.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مساء الجمعة: "جميع الأطراف إلى الحفاظ على الاستقرار في ليبيا كأولوية مطلقة".
وذكر غوتيريش في بيان "كل المؤسسات بالهدف الأساسي المتمثل في تنظيم انتخابات وطنية في أسرع وقت لضمان احترام الإرادة السياسية لـ2,8 مليون مواطن ليبي مسجلين في القوائم الانتخابية".
من جانبه، قال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك إن الأمم المتحدة ليست في مجال تعيين قادة أي بلد بما في ذلك ليبيا، مضيفا أن تعيين واختيار رئيس وزراء مكلف هو قرار سيادي يتخذ وفق القوانين والإجراءات الليبية، مشيرًا إلى أن "هناك رئيس وزراء حاليا هو السيد الدبيبة".
وأوضح الناطق باسم الأمين العام أن الأمم المتحدة "تدعم عملية سياسية يقودها ويملكها ليبيون وهي على استعداد لتقديم المساعدة لهذه الجهود".
وأضاف: "لقد لاحظنا أن المؤسسات الليبية ذات الصلة قد صوتت لشخص آخر ليكون رئيسا للوزراء"، والذي يقال إنه "سيشكل حكومة في الأسابيع المقبلة، تلك الحكومة يجب أن يصادق عليها مجلس النواب".
بينما علقت المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني ويليامز، على تغيير الحكومة في ليبيا وتعيين مجلس النواب فتحي باشاغا بدلا من رئيس الحكومة المعترف به من الأمم المتحدة عبد الحميد الدبيبة.
وقالت ويليامز، في تصريحات لموقع "ذا ناشيونال" الإماراتي، إن "قرار تغيير الحكومة هو قرار سيادي بالكامل، وضمن اختصاصات المؤسسات الليبية"، محذرة في الوقت ذاته من أن تغيير الحكومة، إذا لم يتم وفقا للإجماع السياسي، سيزيد نهاية الفترة الانتقالية.
وشددت على ضرورة "المضي قدما في انتخابات حرة ونزيهة، أو المخاطرة بكارثة وطنية بلا نهاية تلوح في الأفق".
وختمت ويليامز بالقول إن "وساطة الأمم المتحدة محايدة تمامًا وتحترم سيادة واستقلال البلدان التي نعمل فيها، ولدينا التزام أخلاقي برفع أصوات ما يقرب من ثلاثة ملايين ناخب مسجل ممن يريدون انتخابات على أرض متكافئة في أقرب وقت ممكن حتى نتمكن من اختيار المؤسسات التمثيلية، بما في ذلك السلطة التنفيذية".
من جانب آخر، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، جوزيب بورّيل، اتفاقهما على أهمية الحفاظ على وحدة هدف الدول الأوروبية الأكثر التزاما من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا لدعم العملية السياسية التي تقودها وتيسّرها الأمم المتحدة، بحسب بيان لوزارة الخارجية الإيطالية.
مصر تتحرك
وعلى الصعيد ذاته، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إنه لا توجد حلول عسكرية للقضية الليبية مشيرا إلى استمرار التفاعل سواء مع المبعوث الأممي أو الشركاء الدوليين لوضع توافق المجتمع الدولي حول الرؤية الخاصة لكيفية الخروج من الأزمة.
وأضاف شكري، في مؤتمر صحفي، جمعه بنظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، السبت، في القاهرة: "نحن على اتصال مع كافة الأطراف لتعزيز الاستقرار في ليبيا".
وحول تعيين مجلس النواب رئيس حكومة جديدا، أكد الوزير المصري أن "ما اتخذه مجلس النواب من قرارات اضطلاع بمهمته التشريعية لبدء مرحلة جديدة تؤدي إلى الانتخابات".
وأعلن المتحدث الرسمي للرئاسة المصرية توافق القاهرة وبرلين بشأن تضافر الجهود المشتركة بين مصر وألمانيا سعيا لتنفيذ المقررات الصادرة عن مسار برلين، بهدف تسوية الأوضاع في ليبيا على نحو شامل ومتكامل يتناول كافة جوانب الأزمة الليبية، بما يسهم في القضاء على الإرهاب، ويحافظ على موارد الدولة ومؤسساتها الوطنية، ويساعد على استعادة الأمن والاستقرار في البلاد.
توافق فرنسي مصري
وفي السياق ذاته، أكدت مصر وفرنسا توافق الجهود المشتركة بين الجانبين لمساعدة الليبيين على استعادة الأمن والاستقرار بالبلاد، خاصة من خلال خروج القوات المرتزقة والأجنبية بكافة أشكالها من الأراضي الليبية.
وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي بأن ماكرون أعرب خلال لقائه الرئيس المصري الجمعة في مدينة بريست عن تثمين بلاده للجهود المصرية بقيادة السيسي لصون المؤسسات الوطنية الليبية وتعزيز مسار التسوية السياسية للأزمة، وهي الجهود التي تقع محل تقدير من قبل المجتمع الدولي بأسره.
المشري يتحرك
وعلى الصعيد المحلي، ناقش رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري التطورات في الساحة الليبية مع عدد من سفراء الدول الأجنبية.
وقال المكتب الإعلامي لمجلس الدولة في بيان إن المشري تلقى مكالمة هاتفية من السفير الأمريكي لدى ليبيا "رتشارد نورلاند"، حيث بحث الجانبان خلالها العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، بالإضافة إلى مناقشة آخر المستجدات السياسية وأهمية الدفع نحو المسار الدستوري للوصول إلى الانتخابات.
كما أشار بيان مجلس الدولة إلى أن المشري تلقى مكالمة هاتفية من السفير الألماني لدى ليبيا "ميخائيل أونماخت"، وناقش الطرفان خلال المكالمة عدة ملفات وعلى رأسها آخر التطورات السياسية الجارية بالبلاد، وأهمية الدفع بالمسار الدستوري للوصول إلى انتخابات بشكل قانوني وسليم.
وفي السياق ذاته، قال المكتب الإعلامي إن المشري التقى السفيرَ الإيطالي لدى ليبيا "جوزيبي بوتشينو"، حيث تباحث الطرفان خلال اللقاء العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى المستجدات المتعلقة بالعملية السياسية، وقد أكد المشري على أهمية الدفع بالمسار الدستوري؛ للوصول للانتخابات وتلبية رغبة الشعب الليبي في بناء دولته المنشودة، على حد قوله.
وأجرى المشري مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث تباحثا آخر مستجدات الأوضاع السياسية في البلاد، حيث أكد المشري على أهمية الدفع بالمسار الدستوري للوصول إلى انتخابات قانونية ونزيهة.
من جانبه أكد "أردوغان" استمرار دعم تركيا لليبيا للوصول إلى سلام واستقرار دائم في البلاد.
إصرار مجلس النواب
وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، إنه لا يوجد خلاف بين مجلسي النواب والدولة فيما يتعلق بالتعديل الدستوري وآلية التصويت عليه.
وأضاف بليحق في تصريحات صحفية: "نال فتحي باشاغا الثقة من مجلس النواب، وأؤكد أنه تحصل على التزكيات المطلوبة من مجلس الدولة وأكثر. في حين لم يتحصل المرشح الآخر خالد البيباص على التزكيات المطلوبة ولم يجرِ تزويدنا بها. وبذلك جرى التصويت على فتحي باشاغا رئيسا جديدا للحكومة".
وأشار إلى أن الوقت لا زال مبكرا لمعرفة مقر الحكومة الجديدة وموعد مباشرة أعمالها، مضيفا أن المجلس وضع مدة قانونية هي 15 يوما لرئيس الحكومة الجديد لتشكيل حكومته وفريقه الوزاري.
كما أكد أن تسليم حكومة عبد الحميد الدبيبة ليس خيارا فهي تعدّ منتهية الصلاحية بتاريخ 24 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وفق المادة الثانية من قرار مجلس النواب منحها الثقة.
بينما نوه الناطق الرسمي إلى أن مجلس النواب نبه حكومة الوحدة ورئيسها عبد الحميد الدبيبة في جلسة منح الثقة سابقا إلى أن الهدف الرئيسي لها هو الانتخابات، وهو ما لم يحدث. والآن تعمل هذه الحكومة بشكل غير قانوني.
تصحيح وتهديد
إلى ذلك، أعلن عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر رفضه لتسمية مجلس النواب فتحي باشاغا رئيسًا للوزراء.
وأضاف الشاطر في تغريدة على تويتر: "ما لم يتم تصحيح الأمر من قبل المجلس الأعلى للدولة فسوف أنهي علاقتي بالمجلس كونه فقد القدرة على تحقيق التعبير الصادق عن الناخبين له".
حكومة الأمر الواقع
من جانبه، قال فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب إن الليبيين يحتاجون لإعادة ترتيب بيتهم الداخلي والاستعداد للاستحقاقات الدستورية والانتخابية، مؤكدًا أن حكومة فتحي باشاغا صارت أمرًا واقعًا.
وأكد المريمي أن المؤسسات السياسية الكبرى في ليبيا والمكونات السياسية والحزبية أيدت قرار مجلس النواب المنعقد في طبرق، والمتعلق بانتخاب رئيس الحكومة الجديد فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة الجديدة، وأن الموضوع صار منتهيًا.
وطالب المريمي رئيس الحكومة السابقة عبد الحميد الدبيبة بالانصياع لإرادة الوطن، وتسليم السلطة لفتحي باشاغا إن كان يهمه مصلحة ليبيا.
أوضح المريمي أن مسودة الدستور التي ستعتمدها لجنة صياغة الدستور ستكون من مهامها البحث عن حلول عملية للقضايا الخلافية في مسودة الدستور السابق.
زيادة الانقسام
وفي هذا السياق، أكدت عضو هيئة صياغة مشروع الدستور نادية عمران أن اختيار مجلس النواب فتحي باشاغا رئيسا للحكومة وإقرار التعديل الدستوري الثاني عشر لا يعدو أن يكون قفزة في الهواء ستؤدي إلى تعميق الأزمة في ليبيا وزيادة الانقسام.
أوضحت عضو هيئة الدستور في تصريح صحفي أن إجراءات مجلس النواب تهدف لضرب المسار الدستوري وتعطيل الانتخابات والتمديد للأجسام الحالية.
واعتبرت عمران أن رفض حكومة الوحدة الوطنية اعتماد حكومة الاستقرار سيخلق مؤسسة موازية سيكون لها نتائج سلبية على المدى المنظور قد تصل لإعادة الاحتراب إلى الواجهة من جديد.
مواقف سياسية وحقوقية
من جانبه، قال رئيس حزب التغيير جمعة القماطي، إن ثورة فبراير قامت من أجل دولة مدنية ديمقراطية يحكمها دستور دائم. وما يقوم به مجلسا النواب والدولة هو ضد هذا الهدف بحرصهم على الاستمرار وتقاسم الغنيمة في اختيار الحكومات.
وأضاف القماطي في منشور على فيسبوك: "ندعم بقوة الحراك الشعبي المتزايد الذي يطالب بدستور وانتخابات في أسرع وقت هذا العام.. لا للتمديد ونعم للانتخابات".
إلى ذلك، وصف محمد إبراهيم العلاقي، نقيب المحامين ووزير العدل الأسبق، بيان منظمة الأمم المتحدة الأخير حول الشأن الليبي بأنه "بيان هلامي لا يقدم ولا يؤخر".
وقال العلاقي، عبر فيسبوك، "بيان الأمم المتحدة في الشأن الليبي لا يخرج عن كونه بيانا هلاميا كالعادة لا يقدم ولا يؤخر".
رفض عسكري
وعلى صعيد آخر، أصدرت 65 كتيبة وغرفة أمنية تابعة إلى القوى الأمنية والعسكرية – مصراتة بيانا رفضت فيه قرار مجلس النواب، الخميس، بالتصويت على اختيار فتحي باشاغا لرئاسة الوزراء، وتضمين التعديل الدستوري الـ12 في الإعلان الدستوري.
واعتبر البيان أن الخطوة "انفراد بالشأن السياسي الدستوري"، محذرا "جميع الأطراف من المساس بالمسار السياسي المتفق عليه للحفاظ على مدنية الدولة والتداول السلمي للسلطة".
ووصفت القوى الأمنية والعسكرية جلسة البرلمان بأنها "ذهاب في مسار أحادي ينسف باقي المسارات وجميع الاتفاقات، والتي من أهمها المسار الدستوري وتعديلاته بالتوافق، قبل المضي في أي مسارات أخرى لإنهاء المراحل الانتقالية والوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية عبر دستور مستفتى عليه من الشعب".
مظاهرات ضد البرلمان
وشهد ميدان الشهداء في وسط العاصمة طرابلس، مساء الجمعة، تظاهرة احتجاجية دعا خلالها المشاركون إلى إسقاط البرلمان، منددين بالإجراءات الأخيرة التي اتخذها المجلس خلال جلسة الخميس.
وأعلن قادة وحكماء وأعيان من مدينة مصراتة رفضهم قرار مجلس النواب "تشكيل حكومة موازية" لحكومة الوحدة الوطنية، مطالبين بتنفيذ خارطة الطريق المتوافق عليها في تونس، التي تفضي إلى انتخابات لطالما انتظرها الشعب الليبي من أجل اختيار من يحكمه بإرادته الحرة.