قضايا وآراء

الأقصى وردود الفعل العربية والإسلامية (3)

1300x600
مسار التفاعل الرسمي العربي والإسلامي

تناولنا في مقالنا السابق تباين التفاعل بين السلطة الفلسطينية التي تقول ما لا تفعل، وبين الفصائل الفلسطينية التي أسهمت في إشعال الهبة الفلسطينية الشاملة. وفي المقال الثالث من هذه السلسلة نتناول مسار التفاعل العربي والإسلامي مع الأقصى، وأبرز الفاعلين على هذه الساحة، من دون الورود في تفاصيل المواقف والقرارات.

ولم يحمل العامان الأخيران أي جديدٍ في مستوى هذا التفاعل وأشكاله، فقد استمر تراجع موقع القضية الفلسطينية في أولويات الأنظمة السياسية، ولم تكن ردود فعلها، مناسبة لحجم ما يتعرض له المسجد من اعتداءات. وغلب على هذا التفاعل كما جرت العادة. بيانات التنديد والشجب والاستنكار، وما يتصل بها من مطالبات للمجتمع الدولي بالتعامل بحزم مع انتهاكات الاحتلال والدعوة إلى خفض التصعيد.

وفي سياق تحليل السلوك الرسمي العربي، هناك على ما يبدو حالة من فقدان الثقة بين الجمهور والقيادة السياسية الرسمية العربية والإسلامية، ويرى جل الجمهور العربي والإسلامي أن الأنظمة السياسية، والجهات التي تجمعها على غرار الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ليس بيدها ما تفعله سوى التنديد والشجب، وأنها تفعل ذلك بحكم العادة، وحفظاً لماء الوجه.

الأردن والتعامل مع الاحتلال بسقفٍ منخفض

تمتلك المملكة الأردنية واحدة من أبرز أوراق القوة فيما يخص المسجد الأقصى، إذ تسمح الوصاية الأردنية على المقدسات أن تتمتع بدورٍ كبير في حماية المسجد، وأن يكون الأردن الجهة الرسمية الأبرز في الدفاع عن الأقصى، والتفاعل مع ما يجري داخله. ولكن تفاعل الأردن الرسمي مع مجريات الأحداث في الأقصى يقدم صورة مغايرة عن الواجبات، فعلى الرغم من هذا الدور الكبير، يتعامل الأردن مع الاحتلال بسقفٍ منخفض، ويتابع كيف ينتقص الاحتلال من الوصاية، ويعمل على كف يد الأردن والمؤسسات التابعة له، وهذا ما يؤشر إلى حالة من الانسحاب المتنامي عاماً بعد آخر.

وفي متابعة لما يقوم به الأردن، فقد اكتفى بمطالبة الاحتلال بـ"وقف ممارساته" في المسجد الأقصى، وضرورة "احترام القانون الدولي"، مع إعادة تأكيد تمسك الأردن بوصايته على المسجد. ولم تتجاوز ردود الفعل الأردنية الرسمية سقف بعض الجهود القانونية والدبلوماسية، إضافةً إلى تصريحات الشجب والاستنكار.

وأكد الملك الأردني عبد الله الثاني، خلال معركة "سيف القدس" أن ممارسات الاحتلال الاستفزازية المتكررة بحقّ الشعب الفلسطيني قادت إلى التصعيد الدائر، والدفع بالمنطقة نحو المزيد من التأزيم والتوتر. وأشار، خلال اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى تحذيراته المتواصلة من مغبة الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال، ومحاولات التهجير غير القانوني لأهالي حي الشيخ جراح من بيوتهم. وأكد أنه لطالما حذر من المساس بالوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس.

وفي انتكاسة جديدة للموقف الأردني الرسمي متصلة بالتطبيع، وقّع الأردن مع الاحتلال في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، اتفاقية من شأنها السماح بتسيير رحلات طيران الإمارات والبحرين، وبقية دول العالم، عبر المجال الجوي الأردني، والتوجه إلى وجهاتها في أوروبا وأمريكا الشمالية، حسبما أعلنت وزارة خارجية الاحتلال عبر حسابها على تويتر (إسرائيل بالعربية).

وشكلت اعتداءات أذرع الاحتلال بالتزامن مع موسم الأعياد اليهودية وخاصة ما جرى في عيدي "العرش والغفران"؛ صورة عن تمادي الاحتلال في استنزاف الوصاية الأردنية، من دون أن يقوم الأردن بأي خطواتٍ عملية لمواجهة هذا العدوان على الأقصى وعلى الوصاية، ولم يواجه محاولات الاحتلال في الانتقاص من دور دائرة الأوقاف، وتحويلها إلى جهاز ينظم شؤون المصلين تحت سقف الاحتلال وضمن ما يقره من إجراءات، وهذا ما جعل دائرة الأوقاف خارج أي اعتبار أو فعل في الأوقات التي يقتحم فيها المستوطنون باحات المسجد.

جامعة الدول العربية ومنظّمة التّعاون الإسلامي

ظلّ أداء الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حبيس البيانات والإعلانات عن المخاطر، مع غياب الخطوات العملية لمواجهة تلك التحديات. واستمرت حالة الضّعف، التي خبرناها طوال سنوات الاحتلال، في مواقف الجامعة والمنظّمة، بل على العكس، أظهرت الجامعة العربية مواقف داعمة لاتفاقات التطبيع بين بعض الدول العربية والاحتلال. فقد رفض الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عقد اجتماع طارئ للجامعة، على خلفية اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وأسقط اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، انعقد في القاهرة في 9 أيلول/ سبتمبر 2020، مشروع قرار قدمته فلسطين، يدين هذا الاتفاق.

لم تنعقد القمة العربية في دورتها العادية خلال السنة التي يغطيها التقرير، ولكن عُقدت دورات على مستوى وزراء الخارجية، وهي اجتماعات أعادت لوازم مكرورة من قبيل تأكيد مركزية قضية فلسطين بالنسبة إلى الأمة العربية، وعلى الهوية العربية لـ"القدس الشرقية" المحتلة، عاصمة دولة فلسطين، وعلى أن تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، يرتكز بالأساس إلى التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، ولمجمل الصراع العربي الإسرائيلي..

وفي اجتماع جرى في 9 أيلول/ سبتمبر 2020، اكتفى المجلس بتجديد التمسك بمبادرة السلام العربية حلاً للقضية الفلسطينية، والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. ولكن المجلس حينها أسقط قراراً لإدانة التطبيع العربي مع الاحتلال.

أما منظمة التعاون الإسلامي فلم يكن تفاعلها بعيداً عن تفاعل جامعة الدول العربية، فقد أكدت دعمها الثابت لحقّ دولة فلسطين في استعادة السيادة الكاملة على القدس، وحماية هويتها العربية، والحفاظ على تراثها الإنساني، وصون حرمة جميع الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها، وضمان الحقوق الدينية الثابتة للأمة الإسلامية، داعية إلى الاستمرار في تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة لمدينة القدس وأهلها.

ولكن المفارقة أن المنظمة التي أنشئت على أثر جريمة إحراق الأقصى، أصبحت نسخة أخرى من جامعة الدول العربية، على الرغم من أن المنظمة تضم جملة من الدول الإسلامية الكبرى على غرار إندونيسيا وماليزيا وتركيا وإيران، وهو ما يطرح معضلة ارتهان قرار منظمة التعاون لدول عربية معروفة، هي التي تسيطر عليها، ويصبح إيجاد أثر واضح للمنظمة أو تمايز عن الأطر العربية الأخرى أمراً متعثراً.

وعلى إثر العدوان الصهيوني على الأقصى والقدس وقطاع غزة؛ طالبت منظمة التعاون الإسلامي المجتمعَ الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف العدوان الإسرائيلي والتصعيد الممنهج ضدّ الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي تمس الأقصى والقدس باطلة وملغاة. وطالب بيان صادر عن المنظمة، في ختام قمة وزارية طارئة عقدتها المنظمة افتراضياً بناء على طلب السعودية في 16 أيار/ مايو 2021، بالوقف الفوري للهجمات على المدنيين، واصفاً إياها بأنها "تنتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة".

وشددت المنظمة على أن "إسرائيل" قوة محتلة، وليس لها أي حقوق مشروعة في الأراضي الفلسطينية. وقالت إنها تدين بأشد العبارات الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وحذرت من استمرار الاعتداءات.

وشهدت المدة التي نرصدها محاولة مصر العودة إلى مسرح التأثير على الساحة الفلسطينية، فقد أعلنت أنها بذلت جهوداً لوضع حدّ سريع للتطورات بالقدس وقطاع غزة، وقررت الرئاسة المصرية تقديم مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وأظهر الأزهر تفاعلاً كبيراً مع الأحداث على الساحة الفلسطينية، وأصدر شيخ الأزهر أحمد الطيب بيانات عدة تتصل باقتحامات الأقصى والعدوان على غزة ومحاولات تهجير أهالي حي الشيخ جراح. وأطلق شيخ الأزهر، عبر حسابيه في فيسبوك وتويتر، نداء بـ 15 لغة عالمية، من بينها العبرية، دعا فيها شعوب العالم وقادته إلى مساندة الشعب الفلسطيني "المسالم والمظلوم في قضيته المشروعة والعادلة، من أجل استرداد حقّه وأرضه ومقدساته". كذلك أطلق الأزهر الشريف حملة بعنوان "القدس بين الحقوق العربية والمزاعم الصهيونية"، باللغتين العربية والإنجليزية، تضامناً مع القضية الفلسطينية.

تركيا

تمايزت تركيا عن غيرها من الدول المنضوية في منظمة التعاون، فعلى أثر دورها الواضح في دعم المقدسيين تزايدت مخاوف الاحتلال من الدور التركي في القدس، بل وعمل على وضع مخططات لعرقلة الوجود التركي في المدينة وفي المسجد الأقصى المبارك.

وتنوع الاهتمام التركي بالقدس، وتنوعت المشاريع فيها، وهي مشاريع تلامس هموم المقدسيين وقطاعاتهم الحياتية. ويتلخص التفاعل التركي على المستويين الرسمي والمنظمات الأهلية والإغاثية في مساندة المقدسيين، ودعمهم في عددٍ من القطاعات أبرزها ترميم العقارات والحفاظ عليها، لذلك بدأ الاحتلال بتطبيق إجراءات يسعى من خلالها إلى "استئصال القاعدة السياسية للأنشطة التركية في القدس" بتعبير وسائل إعلام عبرية.

وقررت رئاسة الشؤون الدينية التركية الاهتمام بشكلٍ أكبر بزيارة المدينة المحتلة، ليؤدي الأتراك الصلاة في الأقصى؛ وبعيداً من موضوع الزيارة وصوابيته، تهدف رئاسة الشؤون الدينية إلى زيادة اهتمام المواطنين الأتراك بالقدس والأقصى. لذلك عمل الاحتلال على وضع المزيد من القيود على زيارات الأتراك للمدينة، وحدد زيارة واحدة فقط لكل تركي خلال العام.

وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فخره بدفاع بلاده عن فلسطين في المحافل الدولية، مشدداً على أن "القدس مدينتنا، لا سيّما أنه من الممكن إلى اليوم العثور على آثار المقاومة العثمانية" في نواحيها. وفي 22 أيلول/ سبتمبر 2020 وخلال كلمته أمام الأمم المتحدة، هاجم أردوغان الاحتلال، وندد بقمع الفلسطينيين، وهو ما دفع السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة إلى الانسحاب. وقال، خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الـ 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة: "لا تزال القضية الفلسطينية تقضّ مضاجعنا، والأيدي القذرة التي تتعدى على القدس، تزداد جرأة ووقاحة".

وعلى الرغم من المواقف المتقدمة والدعم الكبير لتركيا، وما تقوم به السلطات التركية من جهود مشهودة على الصعد الدبلوماسية والإغاثية، إلا أن سؤال العلاقة مع الاحتلال يظل حاضراً في أي قراءة موضوعية للتفاعل التركي مع قضايا القدس وفلسطين، خاصة في الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية. فمع ما تحمله المواقف التركية من رافعة لدى الفلسطينيين والعديد من الشعوب العربية والإسلامية، وتقديمها مساحة لداعمي فلسطين على أراضيها، تظل العلاقة مع الاحتلال سلوكاً غريباً في سياق العلاقة بين تركيا والفلسطينيين.