قرر مجلس الوزراء المصري منع الموظفين الحكوميين من إقامة دعاوى
قضائية ضد الحكومة، أو تقديم المرؤوسين شكاوي ضد أي هيئة أو مؤسسة تابعة للدولة، منذرا
من يقوم بهذا الفعل بإجراءات عقابية.
والخميس
الماضي، تداول ناشطون كتابا دوريا صادرا عن أمين عام مجلس الوزراء عاطف عبدالرحمن،
طالب فيه الوزراء بإنهاء كافة النزاعات القضائية بين الجهات الحكومية، وتسوية أي نزاع
عبر لجان "إنهاء المنازعات الحكومية بوزارة العدل" دون اللجوء للقضاء.
كما
تضمن الكتاب التنبيه على المرؤوسين (الموظفين الحكوميين) بعدم رفع أي دعاوى قضائية
ضد أي جهة حكومية، واتخاذ إجراءات عقابية ضد من يقوم بذلك.
ذلك
الكتاب الحكومي، اعتبره مختصون في القانون غير دستوري ومخالفا للقانون المصري، ويعتدي
على حق التقاضي المكفول دستوريا، ويحرم الموظف من حقه في التقاضي، كما يحصن قرارات
الوزراء والمسؤولين من رقابة القضاء.
وتعطي
الفقرة (د) من المادة (66) من قانون مجلس الدولة اختصاص الفصل في النزاعات القضائية
بين الجهات الحكومية حصريا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع بـ(مجلس الدولة).
كما
أن الفصل في الدعاوى القضائية الخاصة بالعاملين في الجهاز الإداري للدولة يضعه القانون
كاختصاص أصيل لذات المحاكم (مجلس الدولة).
وحتى
كتابة هذه السطور، لم ينف مجلس الوزراء صحة هذا المنشور، ما دفع المحامي والحقوقي المصري
ناصر أمين لمطالبة رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بنفي صحة الخطاب، أو إعلان إحالة
الذي أصدر القرار إلى المحاكمة.
أمين،
أكد عبر صفحته بـ"فيسبوك" أن "المساس بحقوق الموظفين في الطعن على قرارات
الجهة الإدارية واللجوء لمجلس الدولة جريمة تستوجب العقاب".
وأضاف:
"وجود مثل هؤلاء الموظفين في تلك المناصب بهذه العقلية -إن صح الخطاب- كارثة تهدد
مبدأ سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية، كما تُمثل انتهاكا صارخا لحق التقاضي".
تغول
من السلطة
القاضي
المصري المستشار محمد سليمان، يقول إن "صح هذا الكتاب فهو يمثل تغولا من السلطة
التنفيذية، وحرمان غير قانوني للموظفين من حق التقاضي المكفول دستوريا للكافة".
ويوضح
في حديثه لـ"عربي21"، أن "الغرض من هذا الكتاب إنهاء النزاعات بعيدا
عن أروقة القضاء؛ حتى لا يكون هناك رقيب على ممارسات السلطة ولا حسيب لها، حال تغولها
على حقوق الموظف".
انتهاك
لحق التقاضي
وعن
مدى مخالفة هذا الكتاب للقانون والدستور المصري، يقول أستاذ القانون الدستوري الدكتور
أحمد حسن الخطيب، إن "ثبت صحة الكتاب، فهو بالفعل انتهاك لحق التقاضي كحق دستوري".
ويضيف
لـ"عربي21": "ربما يكون الهدف من الكتاب الدوري هو مجرد تنظيم لآلية
فض المنازعات بين الجهات والوزارات المختلفة بغرض اللجوء للجان فض المنازعات، التي تعد
درجة سابقة على اللجوء للقضاء؛ بغرض الرفع عن كاهل القضاء".
ويتابع:
"لكن الإشكالية في منع الموظفين من التقاضي أو تقديم شكاوى ضد أي هيئة أو مؤسسة
تابعة للدولة، فهذا الأمر مكفول لهم بموجب الدستور، كل ما في الأمر أنه إذا تطلب القانون
ضرورة اللجوء للجان فض المنازعات قبل اللجوء للقضاء، فالأمر لا عيب فيه".
ويؤكد
الأكاديمي المصري أن "المنع على إطلاقه للموظفين من التقاضي أو الشكوى ضد المسؤولين
أو أي جهة حكومية؛ بالتأكيد أمر غير دستوري".
"أما
بخصوص كون هذا الكتاب الدوري يفتح الباب أمام تغول وفساد رؤساء القطاعات والهيئات الحكومية؛
فلا أظن ذلك؛ لأن الموضوع تنظيمي بالدرجة الأولى"، يعتقد الخطيب.
ويضيف:
"أما كونه يغل يد الموظفين في كشف التلاعب والمخالفات في إداراتهم، فلا أعتقد
ذلك؛ لأن هناك وسائل أخرى لكشف التلاعب والفساد غير اللجوء للقضاء، وهناك هيئات وجهات
أخرى منوط بها التحقيق في الفساد".
تقنين
الفساد
لكن الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، الدكتور هاني سليمان، يرى أن "منع الموظفين
من إقامة دعاوى ضد الحكومة، أو تقديم المرؤوسين شكاوي ضدها، وإنهاء النزاعات بين الجهات
الحكومية بعيدا عن القضاء؛ محاولة لتغطية الفساد الحكومي، بل خطوة لتقنينه".
في حديثه
لـ"عربي21"، يجزم بأن "القرار مخالف للدستور وللقانون وللعقل والمنطق
أيضا، فهو يتيح للفاسدين بمؤسسات الدولة الاستمرار في فسادهم، ويحمل تهديدا للشرفاء
الذين يريدون كشف الفساد في مؤسسات الدولة وتطهيرها من الفساد والمفسدين".
ويؤكد
أن "القرار يقول للعاملين بمؤسسات الدولة، الصالحين منهم والفاسدين، إن الفساد
قانون سائد وعرف مسيطر، ولا يمكن كشفه بواسطة أي عضو داخل هذه المؤسسة".
ويشير
سليمان إلى "الصراع الدائر الآن داخل جامعة القاهرة بين أستاذ ورئيس قسم الإذاعة
والتلفزيون بكلية الإعلام الدكتور أيمن منصور ندا، وبين رئيس الجامعة السابق الدكتور
محمد الخشت".
ويلفت
إلى أن "ندا يقوم حاليا، وعبر صفحته بفيسبوك، بكشف فساد نسبه إلى الخشت داخل الجامعة،
ونشر بعض الوثائق والأدلة عن أحداث فساد وسوء إدارة ونهب للمال العام وتعيين الأقارب
والمحاسيب والتحرش الجنسي".
ويعتقد
أن "ندا لجأ إلى فيسبوك لأن كشف الفساد داخل هذه المؤسسات يتم بمعرفة أو بأمر
الدولة نفسها، وعندما تريد التخلص من أحد أفرادها أو العاملين بها، عندما تستنفذ أغراضها
منهم، فتسارع بإلقائهم في سلة النفايات".
ويؤكد
أن "هذا طبيعي في دولة يتحكم رئيسها بكل مؤسساتها، فهو رأس السلطة التنفيذية والتشريعية
والقضائية، ويسيطر على الأمن والجيش والمخابرات، والإعلام والثقافة والفكر، والفن والرياضة
والترفيه، وهذه كلها مؤسسات تتبع الدولة وينتشر فيها الفساد".
مؤرخ إسرائيلي: لا حل لمشاكل السيسي عندنا
الشاطر وعبد الفتاح.. موت بطيء بجحيم على الأرض (بورتريه)
هل أخفقت إدارة بايدن في الضغط على نظام السيسي ؟