بعد سبعة أشهر على دخول جو بايدن البيت الأبيض، حصل التلميذ نفتالي بينيت على فرصة، لخمسين دقيقة للجلوس على طاولة المعلم.
لا بد أن بينيت قضى ليالي وهو مشغول في التفكير، بشأن تلك المقابلة، التي لم يحلم بها يوماً، وساقته إليها الصدف، فكيف له أن يتصرف بما يقنع مستضيفيه، وهل تسمح أوضاعه النفسية بأن يتصرف بشيء من النديّة والاستقلالية.
قد لا يدرك بينيت أنه رئيس حزب صغير، ربما لا يتجاوز نسبة الحسم في أي انتخابات عامة قادمة، وأنه مقيد بشروط التشكيلة الائتلافية الواسعة، والمختلفة، إلى الحد الذي لا يمنحه الصلاحية للتصرف وفق رؤيته اليمينية المتطرفة.
إذا كان لابيد لا يفكر في الإطاحة بالحكومة لأنه هو الآخر ينتظر فرصته لتبادل موقع رئيسها بعد نحو سنتين فإن ثمة في الحكومة أحزاباً وشركاء آخرين من على اليسار ومن على اليمين من هم مستعدون للإطاحة بها، ولأسباب كثيرة سياسية واجتماعية وفقهية، واقتصادية.
منصور عباس سيكون عليه بعد قليل من الوقت أن يبرر انضمامه وبقاءه في الحكومة، طالما أنه لم يحقق ما وعد به المجتمع الفلسطيني العربي أو ربما بسبب عدوان كبير على قطاع غزة.
الفوضى، وفلتان الأمن، والعنف في الوسط الفلسطيني يزداد حيث لا يكاد يمر يوم إلا وقد تعرض إنسان أو أكثر للقتل، فيما لا تفعل الشرطة أو الحكومة ما يوقف هذا النزيف.
يكفي أن يغادر نتنياهو الساحة لسبب أو آخر، بسبب المحاكم أو بسبب الصراع الداخلي على الزعامة في الليكود، حتى ينتهي الهدف الذي اجتمع عليه شركاء الائتلاف الحكومي. بهذه الأوضاع النفسية يذهب بينيت لتلبية الاستدعاء، وليس بإمكانه إلا أن يحظى بصورة يعلقها على جدار منزله وأن يتباهى بأنه التقى بسيد البيت الأبيض الذي لا يزال يتمتع بقيادة الدولة الأعظم في زمن متغير، قد يجعل اللقاء والصورة شيئاً من الماضي الجميل بالنسبة لكليهما.
ربما كان على بينيت أن يمتنع عن مقابلة الصحافة، وأن لا يبادر إلى إطلاق التصريحات بشأن رؤيته وتطلعاته من اللقاء مع سيد البيت الأبيض قبل أن يعرف ما الذي يحصل عليه من اللقاء.
ضعيف بينيت، وجريح بايدن، بعد الزلزال الذي أطاح بهيبة الدولة الأعظم في أفغانستان، وبعد أن عكرت صفو أحلامه بإجلاء سلس وهادئ تفجيرات حول المطار أودت بحياة ثلاثة عشر جنديا أميركياً وهناك آخرون جرحى بالإضافة إلى ما أصاب جنود حلفائه جراء تلك التفجيرات.
وربما كان الأهم من الضربة المادية والمعنوية التي وقعت في محيط مطار حامد كرزاي، الذي سيأخذ اسماً آخر، بعد قليل من الوقت، بأن تلك التفجيرات، تتوعد واشنطن وحلفاءها، بأن القادم أعظم، وأن أفغانستان لا تستطيع بمن يحكمها، أن تخرج من دائرة التطرف، ومواصلة العمليات الإرهابية ضد الوجود الأميركي.
لا بد أن الحسابات الغربية والبعيدة، للزلزال الأفغاني تؤرّق البيت الأبيض وتجعل كل أركانه يقفون على قدم واحدة، لفترة من الزمن، لأن ذلك الزلزال، الذي حمل معاني هزيمة مذلة، قد يشكل مكافأة وإنجازاً للدول التي تقف على رأس أولويات الولايات المتحدة، من الصين إلى روسيا ومن ثم إيران.
لا يستطيع شخص غِرّ، حديث التجربة، ومحدود الفكر مثل بينيت أن يستوعب المشاغل، وحالة القلق، التي تضغط على الرئيس الأميركي، وأركان إدارته في هذه الفترة بالذات.
يمكن للتلميذ أن يتقدم بطلباته، لكنه لا يمكنه أن يقدم النصائح، أو أن يتحدث كثيراً عن مصالح إسرائيل بما يتعارض مع مصالح ورؤى سيد البيت الأبيض.
على الأرجح فإن اللقاء، كان من طرف واحد، الذي عليه خلال خمسين دقيقة أن يشرح للضيف، ما عليه أن يقوم به، وأن يكون الضيف مستمعاً جيداً فقط.
إن كانت القضية الفلسطينية، لا تحظى بأولوية اهتمام رئيس الحكومة الإسرائيلية، فإن الإدارة الأميركية لديها رؤية مختلفة، وهي تتابع عن كثب وبالتفاصيل الأحداث، ولا تتوانى عن كبح جماح التطرف الإسرائيلي.
قد لا يتعلق الأمر بإمكانية فتح ملف التسوية، ولكن على إسرائيل، أن تستجيب لمتطلبات مرحلة بناء الثقة، وإعادة النظر في كيفية التعامل مع الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس.
مطلوب من إسرائيل أن تتوقف عن ممارساتها الاستفزازية وأن تخفف يدها الثقيلة على الفلسطينيين، وأن تسمح بإعادة تقوية السلطة الفلسطينية، وتعزيز خط تحسين الأحوال الإنسانية والاجتماعية لسكان قطاع غزة. ومطلوب من إسرائيل أن تكفّ عن سياسة التطهير العرقي في الشيخ جرّاح كنموذج وليس كحالة حصرية.
مطلوب أيضاً أن لا تواصل إسرائيل سياسة ربط ملف تبادل الأسرى بملف إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان ليس إلى درجة الضغط على إسرائيل حتى تتبع سياسة تؤدي إلى تسوية تنتهي بتحقيق الحقوق السياسية الفلسطينية، ولكن واشنطن لا تستطيع مواصلة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» دون النظر لأحوال وحاجات الفلسطينيين.
يترتب على حكومة بينيت النظر جيداً في المتغيرات الدولية والإقليمية، وليس عليها أن تفسد سعي الولايات المتحدة للتعامل مع الملف النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية.
إسرائيل خسرت مناقصة القبة الحديدية ما يشكل ضربة تجارية وعسكرية فمن الذي سيشتري هذا السلاح بعد أن تقول أميركا إنه غير مجدٍ.
ليس هذا وحسب بل إن على إسرائيل أن تقف مطولاً أمام التحولات في المجتمع الأميركي لصالح القضية الفلسطينية وهو أمر لا تتجاهله أي إدارة أميركية.
فعدا الاستطلاع الذي أشار إلى أن 25% من يهود أميركا لا يؤيدون إسرائيل، وأن 34% يرونها دولة «أبارتهايد» يأتي استطلاع جديد يشير إلى أن 50% من المجتمع الأميركي يرون ضرورة الربط بين المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، بشرط عدم استخدامها ضد الفلسطينيين.