قضايا وآراء

لماذا فشلت القوى العلمانية في توحيد صفها؟

1300x600
في ذكرى الانقلاب العسكري المصري في الثالث من تموز/ يوليو 2013، من المهم تقييم الحالة السياسية الحزبية في مصر اليوم، وخاصة التيار العلماني الذي دعم الانقلاب، وإلى أين وصل بعد ثماني سنوات من ذلك الانقلاب على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

ولنتعرف على صورة الوضع السياسي اليوم لزم أن نعود قليلا إلى الوراء لنتذكر الخارطة السياسية في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، حيث حالة الحرية السياسية غير المسبوقة، وتأسيس الأحزاب والتحالفات بلا قيود. وقد تمكنت العشرات من الأحزاب الجديدة من الظهور الشرعي بعد الثورة حتى تجاوز عدد الأحزاب المصرية المائة؛ موزعة بين أحزاب إسلامية وعلمانية (يسارية- ليبرالية)، ودولجية (تدور مع المؤسسة العسكرية حيث دارت).

وحين جرى الترتيب في غرف المخابرات الحربية للانقلاب العسكري، اعتمدت الخطة على الأحزاب العلمانية و"الدولجية" كظهير سياسي، ولأن هذه الأخيرة ليس لديها القدرة على الحشد والتنظير، فقد كان الاعتماد الأكبر على الأحزاب العلمانية (ليبراليين ويسار مع استثناءات قليلة رفضت التماهي مع الجريمة)، وبدت الأحزاب العلمانية أضخم كثيرا من حجمها، وساعدت القوة العسكرية التي تدير المشهد في هذا التضخيم عن عمد، لإيهام الشعب وإيهام العالم بأن هناك قوى سياسية كبرى رافضة لحكم الرئيس محمد مرسي، وأن تدخل الجيش كان دعما لهذه القوى التي تمثل الشعب!!
الغريب أن تلك القوى صدقت الكذبة وعاشت فيها، وتصورت أن إزاحة الجيش للإخوان تتم لصالحهم حيث ستخلو لهم الساحة للمنافسة السياسية على الرئاسة والبرلمان والمحليات دون وجود المنافسين الأقوياء

الغريب أن تلك القوى صدقت الكذبة وعاشت فيها، وتصورت أن إزاحة الجيش للإخوان تتم لصالحهم حيث ستخلو لهم الساحة للمنافسة السياسية على الرئاسة والبرلمان والمحليات دون وجود المنافسين الأقوياء. ورغم أن تلك القوى قدمت الكثير لخطة الانقلاب، ورغم أنها توقعت وتوقع معها الكثيرون أن تحظى بأغلبية برلمانية في أول انتخابات عقب الانقلاب، إلا أن الصدمة الكبرى كانت عدم حصولها على تلك الأغلبية المتوقعة، والتي حصل عليها تحالف الأحزاب الدولجية الموالية للحكم العسكري الجديد أو التي صنعها ذلك الحكم. وقد حاول بعض نواب القوى العلمانية تشكيل تحالف برلماني سمي بتحالف 25-30 (والمقصود به المنتمون لـ35 يناير و30 يونيو معا)، إلا أن هذا التحالف الذي ولد ضعيفا محدود العدد زاد ضعفا وتناقصا حتى تلاشى تماما.

كما حاولت بعض القوى والأحزاب والرموز العلمانية في العام 2017 تشكيل تحالف تحت مظلة الحركة المدنية الديمقراطية، والتي ضمت ممثلين لثمانية أحزاب؛ هي حزب الدستور، وحزب الكرامة، وحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحزب العيش والحرية، وحزب مصر الحرية، وحزب العدل، وحزب الإصلاح والتنمية، مع العديد من الرموز الليبرالية واليسارية الأخرى، لكن هذه الحركة لم تصمد طويلا أيضا وتسربت الخلافات إلى صفوفها، حتى أنها لم تطق استمرار متحدثها الأبرز المهندس يحيي حسين الذي اعتقل لاحقا ولا يزال في محبسه حتى الآن، ثم تلاشى صوت الحركة بعد اعتقاله، وقد سبقها إلى المصير ذاته جبهة طريق الثورة"ثوار" التي ضمت حركات شبابية؛ منها 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين والعدالة والحرية وشخصيات مستقلة، لكنها لم تصمد كثيرا بعد قتل بعض شبابها في مظاهرات لها.

لا يمكننا تجاهل القمع الأمني الشديد داخل مصر والذي قتل الحياة السياسية عموما، وحال دون وجود أحزاب أو قوى سياسية جادة، فحل بعض الأحزاب مثل حزبي الحرية والعدالة والبناء والتنمية، أو دفع أحزابا أخرى لتجميد نفسها سواء بشكل معلن أو غير معلن تجنبا للملاحقة والحبس.. الخ، لكننا لا يمكننا أيضا تجاهل شهر العسل بين النظام العسكري والقوى العلمانية خلال السنوات الثلاث الأولى لحكمه، والتي كشفت ضحالة هذه القوى وعجزها عن تشكيل أغلبية برلمانية في ملعب غاب عنه خصومها التقليديين (الإخوان).

صورة القوى العلمانية المصرية التي اضطرت للهجرة القسرية خارج مصر لا تقل سوءا عن نظيرتها في الداخل، رغم توفر أجواء الحرية في الخارج التي تسمح لها بالتجمع تحت مظلة واحدة تصبح عنوانا لهذا التيار يسهل الوصول إليه، سواء من قوى سياسية مصرية أخرى تسعى للتحالف أو التنسيق معه، أو حتى من قوى دولية تسعى لتقديم الدعم والمساعدة. يستثنى من ذلك حزب غد الثورة الذي اضطر مؤخرا لنقل نشاطه من الداخل إلى الخارج بسبب ملاحقة قياداته وحبس عدد منهم، ومنعه من تنظيم أي فعالية داخل مصر. فقد نجح مؤسس ورئيس الحزب الدكتور أيمن نور في إعادة هيكلة حزبه في الخارج، وأصبح عنوانا معروفا لإحدى القوى الليبرالية. وكان حريا بباقي الرموز الليبرالية المتوافقة مع رؤية الحزب أن تنضم إليه بدلا من حالة التشرذم، لكن الكثير من هذه الرموز لا يزال يفضل الحالة الفردية، بل عن الكثيرين منهم ينتقدون الحزب.
صورة القوى العلمانية المصرية التي اضطرت للهجرة القسرية خارج مصر لا تقل سوءا عن نظيرتها في الداخل، رغم توفر أجواء الحرية في الخارج التي تسمح لها بالتجمع تحت مظلة واحدة تصبح عنوانا لهذا التيار يسهل الوصول إليه، سواء من قوى سياسية مصرية أخرى تسعى للتحالف أو التنسيق معه، أو حتى من قوى دولية تسعى لتقديم الدعم والمساعدة

كان الأمل معقودا أن تتجه حركات ليبرالية أخرى هاجر الكثير من قادتها ونشطائها إلى الخارج لإعادة تنظيم صفوفها في الخارج، مثل حركة 6 أبريل، وحركة الاشتراكيين الثوريين (يوجد عدد كبير من قادة ونشطاء الحركتين في دول أوروبا وأمريكا حاليا)، كما كان الأمل معقودا على تأسيس مظلة لكل هذه الرموز الليبرالية واليسارية في الخارج.

وقد بذلت جهود كثيرة في هذا المجال لكنها باءت جميعا بالفشل، مثل مجموعة "قادرون" التي انفجرت من داخلها بعد أسابيع من تأسيسها. وتمكن هنا الإشارة إلى مجموعة المنبر الديمقراطي التي بدت كمجموعة حقوقية ربما كانت تعتزم التحول تدريجيا إلى مظلة سياسية، لكنها لم تفعل.

أما مجموعة تكنوقراط مصر، والتي أسسها رجل الأعمال والخبير الاقتصادي محمود وهبة، المقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من نصف قرن، فهي كما يبدو من اسمها مجموعة خبراء "تكنوقراط" لا تقوم على أساس التصنيف الفكري والسياسي بل على امتلاك خبرات تخصصية، وهي مفتوحة للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية.

الحديث عن عجز التيار العلماني عن تنظيم صفوفه لا ينطلق من حالة شماتة سياسية بل من رغبة حقيقية في تنظيم هذا التيار لقواه الحية، ليمثل إضافة حقيقية لمعركة التغيير والديمقراطية، وتوظيف الطاقات العاطلة فيه وهي كثيرة لصالح الوطن، وخاصة أنه في غالبه يرفض حتى الآن الانضواء في مظلة مشتركة مع الإسلاميين أو القريبين منهم.

وأخيرا فإن الحديث عن وضع التيار العلماني لا يعني أن التيار الإسلامي بعيد عن هذه الأزمات، ولهذا حديث منفصل.

twitter.com/kotbelaraby
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع