قضايا وآراء

هل ترنح الانقلاب؟

1300x600
منذ ما يقرب من ثماني سنوات، وقع في مصر انقلاب عسكري - وقد اقتربت ذكراه في الثالث من تموز/ يوليو - بغطاء مدني ضد حكم ديمقراطي جاء نتيجة انتخابات حرة، لم يكن قد استمر في الحكم غير عام واحد؛ من فترة رئاسية كان من المفترض أن تستمر لمدة أربع سنوات، حسب الدستور المصري في ذلك الوقت.

بالطبع كان المقصود من هذا الانقلاب والتمثيلية التي صاحبته في 30 حزيران/ يونيو، هو الخلاص من حكم ديمقراطي حقيقي باختيار شعبي بزعامة الإخوان المسلمين، ممثلا في الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله.

والتجربة المصرية في تلك الفترة تستحق الدراسة، والمقصود المدة من 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى 3 تموز/ يوليو 2013 وما تلاه.

والشاهد أن تمثيلية 30 حزيران/ يونيو قد تم حبكها بشكل كبير، لدرجة أنها استدرجت عددا من الذين نحسبهم من الوطنيين لأداء أدوار فيها، مثل من قال إن 30 يونيو هي موجة جديدة من موجات "ثورة" 25 يناير، وهي كانت في الحقيقة مجرد استدراج للشعب المصري حتى يدخل الجحر العسكري من جديد، وتم تضخيم دور الإخوان وأنهم من حافظ على الميدان، وأنه بدونهم لم تكن الأحداث قد تكللت بالنجاح. وهذه الدعاية قد أتت بثمارها ودفعت الإخوان لتولي المسؤولية.

وهذا يدفعنا للعودة للخلف قليلا (أو كما يقولون فلاش باك)، إلى بداية القرن الذي نعيشه وبداية الزعامة المنفردة للولايات المتحدة في قيادة العالم بعد أحداث نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2001، وما تلا ذلك الحدث من إعادة تأريخ للبشرية، ثم تشكيل التحالف الدولي بقيادة أمريكا في أفغانستان ثم العراق، وما نادت به وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس وقتها بشأن الشرق الأوسط الجديد، وظهور مصطلح الفوضى الخلاقة، وهذا كان بداية مرحلة جديدة من الصراع في العالم، وهي مرحلة الصراع مع الإسلام، تطبيقا لما تكلم عنه زبيجنو بريجينسكي (مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر 1977-1980) في كتابه "خارج السيطرة"، عندما تنبأ بأن الصراع القادم سيكون مع الإسلام.

وعاشت المنطقة في نمط من أنماط الحرية المحسوبة. ففي مصر النموذج، شارك الإخوان في انتخابات 2005 وحصلوا على ما يقرب من 90 مقعدا في البرلمان، ولم يشاركوا في انتخابات أواخر 2010. ثم كانت أحداث يناير 2011 وتم استدراج الإخوان لتحمل المسؤولية في 2012 دون دراية ومعرفة حقيقية بأبعاد الدولة ومؤسساتها وكيفية إدارتها، ودون استكمال مرحلة تكوين المجتمع. ونتيجة لذلك، لم تستمر إدارة الإخوان للدولة أكثر من عام وحدث الانقلاب في 2013. والجميع يعلم ما تم بعد ذلك من أحداث في رابعة وغيرها، واستشهاد الآلاف من الشباب الذي شارك في هذه الاعتصامات.

هل كان من الممكن أن يقبل الإخوان الانقلاب، ويعيشوا في ظل نظام عسكري غير ديمقراطي كما حدث عام 1952، ومع انقلاب عبد الناصر الذي تعايش معه الإخوان في بدايته (ولا أقول أيدوه) ليعملوا على بناء المجتمع، وهي المرحلة التي تم تجاوزها - كما ذكرت - حسب منهج التغيير عند الإخوان؟ وأعتقد أنه كان هناك رأي بذلك، ولكن كانت هناك آراء أخرى في اتجاه مواجهة الانقلاب. وهنا أستدرك بأنه من الضروري توثيق تلك الفترات بشكل علمي، سواء تجربة 1952 أو تجربة 2011.

ويبدو أنه كان من المخطط أن يُستدرج الإخوان لعملية الصراع العسكري مع النظام، ومن ثم تحويل جماعة الإخوان من جماعة فكرية تربوية إلى جماعة مقاومة عسكرية. ولدفع الجماعة إلى هذا الاتجاه، كان العنف الشديد من جانب النظام في التعامل مع الأحداث في فض رابعة والنهضة وأحداث رمسيس وعربة الترحيلات، وغير ذلك من أحداث دامية راح ضحيتها الكثير من الشباب وأبناء الجماعة. وفي الوقت نفسه كان هناك ترويج أن المجتمع الدولي يؤيد الشرعية التي كان يمثلها الرئيس مرسي، وتمت زيارات لعدد من المسؤولين الغربيين، أمثال كاترين أشتون وجون ماكين، وبعض وزراء الخارجية العرب والاتحاد الأفريقي إلى مصر للتوسط في حل المشكلة. والكلمة الشهيرة لماكين أن "ما حدث هو انقلاب، والبطة إذا أرادت تغيير مشيتها فهي أيضا بطة".

الجانب الآخر الذي ساعد أيضا على التعجيل باستدراج الإخوان للطريق الذي ساروا عليه، هو الترويج لضعف النظام العسكري الذي ساد في مصر بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، من خلال مقولة "الانقلاب يترنح". وانتشرت هذه المقولة بشكل كبير وأصبح يرددها من هم داخل مصر ومن هم خارجها. وهذا أيضا بلا شك ساعد على أن يفكر عدد من الشباب بحمل السلاح لمواجهة هذا الانقلاب الذي يترنح وأوشك على السقوط، مما أعطى الانطباع للكثيرين أن إسقاط الانقلاب وعودة حكم الشرعية، أمر وارد ولن يستغرق الكثير من الوقت، وأنه قاب قوسين أو أدني.

وهذا في الحقيقة كان خدعة كبيرة، مثل خدعة وقوف المجتمع الدولي والمؤسسات العربية والأفريقية والغربية مع الشرعية أو حكم الإخوان في مصر. وقد مر اليوم ما يقرب من ثماني سنوات بعد الانقلاب العسكري ولم يسقط الانقلاب أو يترنح، بل على العكس، ثبت أركانة محليا وعربيا وإقليميا ودوليا، وخصوصا بعد أحداث فلسطين الأخيرة.

هذه المشاهد التي تتعلق باستدراج القوى الإسلامية في المنطقة تتكرر الآن في فلسطين. وقد ذكرت قبل ذلك أنه بعد المواجهة الأخيرة في فلسطين بين القوى الفلسطينية، سواء فصائل المقاومة في غزة أو الفلسطينيون في الضفة أو فلسطينو عام 48 التي استمرت لمدة 11 يوما، تم تضخيم دور الفصائل في غزة وخصوصا التابعة لحركة حماس، كما تم المبالغة في استخدام مصطلح "النصر والانتصار" بدرجة لم تكن تستخدم في السابق، مع أن المواجهة في 2014 استمرت حوالي خمسين يوما.

بلا شك، فإن حركة الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 تمثل تحولا مفصليا في تاريخ الصراع، لكن في الوقت نفسه يجب أن نرى الصورة الكاملة للمشهد، وألا تغرنا صور الانبهار الزائد عن الحد للحدث، حتى لا نستدرج ونعيد ما حدث في مصر وغيرها.

فأدعو الله سبحانه وتعالى ألا يتكرر المشهد؛ لأن استدراج فصائل المقاومة في فلسطين إلى قبول صلح مع الكيان، وخصوصا بعد تغيير ميثاق حركة حماس وفي ظل الهرولة التطبيعية من العديد من الأطراف العربية، قد تكون تبعاته أشد وطأة على الأمة كلها، فإياكم إياكم أن تُستدرجوا. ولكن استمروا في حركتكم التي بدأت وخصوصا في فلسطين المحتلة عام 48 وباقي أراضي الضفة والقطاع، ولا تقبلوا الدنية وأنتم على الحق.

ولعل ما تنبأ به الشيخ الراحل أحمد ياسين رحمه الله بزوال الكيان الصهيوني عام 2027 يتحقق بإذن الله تعالى مع حركة الفلسطينيين المباركة هذه المرة، وتتحرر فلسطين بالكامل إن شاء الله.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.