قضايا وآراء

نزار بنات في اللقطة الأخيرة

1300x600
استيقظنا في صباح الخميس (24 حزيران/ يونيو 2021) على نبأ نزل علينا كالصاعقة: اغتيال نزار بنات، الناشط الذي عرفناه عبر فيديوهاته التي يصدح فيها بكلمة الحق، وينتقد الفساد الذي يجري في الأراضي الفلسطينية على قدم وساق بزعامة أصحاب السيادة والمناصب في هذا البلد المحتل؛ الذي تتوالى المصائب فوق رأسه ويُضيق عليه في عيشه وتُصادر أرضه ويُصفى أبناءه على الحواجز.

لم يحمل نزار بنات أسلحة تشكل خطراً على أحد، ولم يكن يوماً من أصحاب السوابق الجنائية أو الأمنية، رغم أني أقسم أنه لو كان كذلك لما تعرض له أحد، وما اعتقل المرة تلو المرة وسُحل وضُرب.

نزار مثال للإنسان الحر الذي رفض أن يكون مجرد دابة تسير في الأرض بلا هدف، همُّها حفنه من شعير وغرفة من ماء وعلى الدنيا السلام.. "المهم حياتي وحياة أولادي".. أبداً.. بل كان مبدأه في الحياة: أثور الآن ليحيا أبنائي من بعدي بكرامة!

انتقد نزار بنات ارتماء السلطة في أحضان المحتلين، وأيد المقاومة التي تدافع عن أرضنا وحقوقنا وكرامتنا، وعرَّض بالفساد المستشري، ورفض الانحراف الحاصل في المسار الوطني والذي حاد بالقضية الفلسطينية عن دربها القويم.

في الفيديو الأخير، انتقد نزار صفقة استبدال لقاحات شارفت صلاحيتها على الانتهاء بلقاحات جديدة، والتي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع حكومة الاحتلال، ووصف فيه قادة السلطة بأنهم مرتزقة يتاجرون بكل ما يتسنى لهم، فليس بمستبعد الآن أن يتاجروا بالمطاعيم وقد تاجروا بأسلحة المقاومة من قبل وباعوها للكتائب (ويقصد في لبنان)..

وكما هي عادة الطغاة دوماً، فهم أضعف من أن يحتملوا كلمة حق تُقال بحقهم، فقد عمدوا إلى أذيته المرة تلو الأخرى.. حتى أنهو حكاية نزار بطريقتهم في صباح اليوم.. يغلب عليهم الاعتقاد أنهم بذلك قد تخلصوا منه ومن الصداع الذي يسببه لهم.. متناسين أن الكلمات تبقى ميتة لا حياة فيها حتى يموت صاحبها في سبيلها.. فتدب فيها الحياة حينها ولا يمكن لأي كان أن يئدها ويمحو ذكرها عن الأرض.. وما أكثر الأمثلة على ذلك.

أرسلوا قوة كبيرة من الأمن الوقائي والمخابرات إلى المنزل الذي ينام فيه، فجّروا الباب، ودخلوا إليه في فراشه، بدأوا يضربونه بعتلات معدنية وهراوات خشبية كما صرحت زوجته، ثم رشوا في وجهه غاز الفلفل، وعرُّوه من ملابسه وسحلوه إلى الجيب العسكري.

وما إن مضت أربع ساعات حتى خرج محافظ الخليل يعلن وفاة نزار بنات إثر تدهور في صحته، وهو ما تنفيه زوجته وذووه جملة وتفصيلاً، فصحة نزار "تمام التمام" كما قالت زوجته، ولم يكن يعاني من أي مشاكل صحية.. وحمّلت زوجته وعائلته الأجهزة الأمنية مسؤولية اغتياله.

نزار بنات ليس أول شخص تتم تصفيته بالضرب المبرح، فقد سبقه مجد البرغوثي، وأبو العز حلاوة... 

لم يعد في صدور مسؤولي السلطة متسع لكلام وفيديوهات نزار بنات، لقد طفح كيلهم وفاض.. فكان لا بد من إغلاق ملفه بأي طريقة كانت!

وكما هو الحال دائماً في مثل هذه القضايا، يخرج أحد المسؤولين الكبار، يركب الموجة برفض ما جرى رفضاً قاطعاً، معلناً عن قرار الرئيس بتشكيل لجنة تحقيق في القضية.. لتموت القضية على إثر ذلك حتى ينساها الناس وينشغلوا في همومهم الخاصة. وقد قال نزار بنات في أحد منشوراته على فيسبوك: 

"1- حين تغتال السلطة أحد معارضيها، تتصرف كالآتي: التعميم على التنظيم ومنتسبي الأجهزة الأمنية بعدم الكلام في الموضوع نهائياً.

2- محاصرة حالة التعاطف مع الضحية، بفرض الصمت المطبق، حتى لا يكون استنكار الهجوم موقفاً اجتماعياً عاماً.

3- بعد يومين أو ثلاثة يبدأون في بث الإشاعات، أن الموضوع ليس سياسياً، بل اجتماعيا أو غيره.

4- محاولة إنكار وقوع الجريمة ذاتها والتشكيك بالرواية من أساسها.

5- استخدام دوائر الضغط الاجتماعي المتحالفة مع السلطة من أجل طمر القضية".

فهل سيحدث هذا مع قضية نزار بنات في محاولة لخمد كلماته بعد أن تم إخماد صوته؟