النافذة الضيقة التي فُتحت لضخ بعض الدماء الطازجة في عروق المنظومة السياسية الفلسطينية المتيبسة، أغلقت من جديد.. وقرار تأجيل الانتخابات الذي كان مرجحاً، أسقط هذا الرهان، حتى إشعار آخر، فلا إسرائيل ترغب في تمكين الفلسطينيين من تجديد نظامهم وتشبيبه وشرعنته، ولا مصلحة لها في ذلك.. لا السلطة مهتمة بالخروج من يومياتها الرتيبة أو المقامرة بكسر منظومة السيطرة والامتيازات، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
إن نحن أخذنا على محمل الجد، وبنية حسنة، ما يقوله مؤيدو قرار التأجيل ومعارضوه، فإن من المنطقي، الافتراض بأن الفريق الأول، سيسعى لتفعيل «خطة ب»، كأن يشرع في حوار وطني لتفعيل منظمة التحرير وإصلاحها باعتبارها أولوية مقدمة على لائحة الأولويات الفلسطينية، وأن يجرب فكرة حكومة شراكة وطنية، تشرع في تفكيك الانقسام واستعادة الوحدة، توطئة لتصعيد المقاومة الشعبية، ومطاردة إسرائيل المتهمة دولياً، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية: الأبارتهايد والاضطهاد.
وسنفترض كذلك، أن الفريق الثاني، سيشرع بتفعيل «خطة ب» الخاصة به كذلك، كأن ينقل معركة إصلاح النظام الفلسطيني واستعادة الوحدة وتفعيل المقاومة، باللجوء إلى أدوات، خارج إطار المؤسسات المنتخبة، على الأرض وفي الشارع.. فمعركة المشروعين الوطني والديمقراطي، لا تقتصر ساحاتها على المجلس التشريعي، على أهمية هذه المنصة، بل هي معركة مفتوحة، متعددة الأدوات والساحات.
لكننا، من أسفٍ، لسنا على يقين بأن أحداً من المؤيدين أو المعارضين، سيسارع إلى استخراج «الخطة ب»، هذا إن كانت لديه مثل هذه الخطة.. فالسلطة وهي تصدر مراسيم الانتخابات، كانت تستجيب لضغوط الخارج ومطالبه، وتسعى في التكيف مع موجبات «لحظة بايدن» و»حل الدولتين» وفرصة استئناف التفاوض مع إسرائيل...لم تكن طموحاتها تتخطى هذه الأهداف، إلى تجديد الحركة الوطنية وتفعيل المنظمة، وتطوير كفاح شعب فلسطين، واستنقاذ المشروع الوطني.
أما معارضو التأجيل، فهم مروحة واسعة من الفصائل والشخصيات والفاعلين، لكل منهم تطلعاته وأشواقه، لا نسقط عن معظمهم، غيرته الوطنية، وإن كنّا لا نغفل عن «أحلامهم» الشخصية، بالحصول ولو على قسط، وإن قليل، من ثمار السلطة ومزاياها.. أمام هؤلاء فرصة للتلاقي فيما بينهم، فإن أخفقوا كما أخفق اليسار في توحيد صفوفه، فإن مصداقية دعوتهم للوحدة الوطنية وتوحيد الشعب، ستسقط في درك سحيق، أما إن تفرقوا وتبدد شملهم، واشتعلت المنافسات والانقسامات في صفوفهم، فاقرأ على مشاريعهم السلام.. هنا، وهنا بشكل خاص، نخص اليسار والملتقى الديمقراطي والمبادرة الوطنية بالحديث أكثر من غيرهم.
تأجيل الانتخابات، نكسة للفلسطينيين، جميع الفلسطينيين، وهي صفعة مزدوجة لمن اتخذ القرار بإجرائها وتأجيلها، فقد خسر مرتين، الأولى، حين كشف قرار إجرائها هشاشته وانقساماته وتكشّف عن بؤس حاله، والثانية حين قرر تأجيلها، مسقطاً عن عوراته، ما تبقى من أوراق التوت، فيظهر وحيداً ومعزولاً، في الداخل كما في الخارج.
وسيكون بمقدور إسرائيل بعد اليوم، أن تُذخّر حملاتها الدعائية السوداء، بالقول: أن النظام الفلسطيني، فاسد وشائخ، وغير مؤهل لأن يكون شريكاً في عملية السلام، وأن الفلسطينيين، غير قادرين على حكم أنفسهم بأنفسهم، وأن مسلسل انقساماتهم، لا نهاية له، ولا يتوقف عن الحدود بين الضفة والقطاع، أو فتح وحماس.. أما أصدقاء الشعب الفلسطيني في العالم، فخيبتهم ليست بحال، أقل من خيبة الفلسطينيين أنفسهم.
المؤسف أن «نكسة الانتخابات» قد بددت فرحة الفلسطينيين بانتفاضة القدس وأهلها البواسل، وأطفأت فرحة الفلسطينيين بالتقارير الدولية التي تتوالى مبشرة بقرب إدانة إسرائيل بجرم الابارتهايد والاضطهاد المشهود، لكأنه كتب على الفلسطينيين أن يفرحوا قليلاً قبل أن يعودوا فيحزنوا طويلاً.
عن الدستور الأردنية