ظل سيناريو فيلم "
الملك فاروق" للمؤلف وحيد حامد يداعب خيالنا؛ أنا والمخرج الكبير سمير سيف. السيناريو كتبه وحيد بحذق شديد كالعادة.
يتعرض السيناريو لشخصية الملك فاروق، تلك الشخصية المعقدة تاريخياً وسياسياً، والمُفترى عليها كثيراً.
في هذا السيناريو، أظهر أنا بدور الملك فاروق. من المُفترض أن أُقّدمه إنساناً يحب ويعشق ويتألم من الهجر.
أما شخصيته السياسية - التي قدمها بانضباط شديد بدون مبالغة ممجوجة - فتخدم توجهاً بعينه، ولكن وحيد قدّم الشخصية بنموذج أقرب إلى الحقيقة والكوزموبولتانية، وقَدَّم السيناريو بحرفية تُظهر مراحل تطورها. ساهم البناء الدرامي المنضبط في إضفاء هالة من الاحترام والمحبة تجاه هذه الشخصية، وعدّل مما كانت قد فقدته من هيبة نتاج حملات التشويه المستمرة والممنهجة منذ عام 54 حتى يومنا هذا.
اجتمعنا ثلاثتنا حول هذا المشروع الذي لم ير النور مع الأسف، لأسباب إنتاجية خارجه عن إرادتنا. ولكن أستطيع أن أجزم أن هذه النسخة عن الملك فاروق كانت ستُحدث جدلاً واسعاً بين أوساط المثقفين والجمهور على حد سواء. هذا الفيلم وكتابته على هذا النحو المُلفت من الدقة والصراحة؛ كان باعتقادي سيسلط الضوء على جذور الواقع السياسي بموضوعية ذات نظرة واسعة، لتشمل إرهاصات وحيثيات حكم عبد الناصر. أعتقد أيضاً أن الأفلام التي تطال الشخصيات التاريخية كانت تفتقر إليها.
كانت الحياة السياسية تفتقد للتغطية السينمائية العميقة. كمثال، كان نظام الضباط الأحرار قد سحق الصورة الذهنية الموضوعية عن الروح الإيجابية لتلك المرحلة التي لا ننكر السلبيات فيها؛ ولكن ليس أن يُرّكز وفي كل الوسائل على وعي الأمة بأسرها لتخلق صورة بالغة القتامة بأن الملك فاروق فقط كان زير نساء، مدخنا شرها ومدمن كحول، سياسيا فاشلا لحد الخيانة، متناسيين وشاطبين جميع إيجابيات الأرستقراطية
المصرية وأدوارهم الإيجابية في محاولات تطوير المجال التعليمي النوعي، وفسح مجال لنوع من الحريات الليبرالية.
هناك مشاريع جيدة رأت النور وترعرعت في ذلك العهد، مثل تأسيس جامعة الدول العربية. كمثال آخر، معهد التمثيل وكليات تعليم البنات، وهذا حدث قبل مرحلة عبد الناصر.
نظام السادات أعطى الضوء الأخضر للصحافة لكي تقدم عورات النظام الناصري المتمثل في هزيمة عام ١٩٦٧، وركز على ملف حقوق الإنسان. وظل هكذا الحال حتى تغير النظام الساداتي وجاء مبارك إلى الحكم، والذي تصادف أن يكون هواه ناصرياً، وعليه تم تجاهل السادات تماما ًفي فترة مبارك.
بالطبع هذا التجاهل والتشويه لم يسلم منه محمد نجيب، أول رئيس بعد الملك، لكن الضباط الأحرار سحقوا محمد نجيب كما لو أنه لا شيء.
حزنت على هذه الطريقة؛ التي لم تكن عادلة وكانت تحمل الكثير من التشويه المقصود.
لا يسعنا الآن إلا أن نودع تلك الأيام ونحاول أن نصنع دائماً أعمالاً فنية معنية، بالحقيقة لا الكذب والخداع.