صحافة دولية

نيويوركر: هذه خيارات بايدن المؤلمة للانسحاب من أفغانستان

بايدن متراجعا: من الصعب أن نغادر أفغانستان في أيار كما وعدنا- جيتي

نشرت مجلة "ذي نيويوركر"، مقالا للكاتبة روبين رايت، قالت فيه؛ إن فيلم "حرب تشارلي ويلسون" احتوى على مشهد في نهايته قد يعكس وضع أمريكا حاليا، ففي الفيلم الذي يؤرخ لعملية "الإعصار" لتدريب وتسليح وتمكين المجاهدين الأفغان لمحاربة الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات، أدرك السوفييت في النهاية أن وجودهم الذي دام عقدا من الزمن أصبح مكلفا للغاية.

 

حيث ورد أن الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف، قال للمكتب السياسي في عام 1986: "هل سنبقى هناك إلى الأبد؟.. أم ينبغي علينا إنهاء هذه الحرب؟ خلاف ذلك، فإننا سنخزي أنفسنا من جميع النواحي".

 

وفي عام 1989، بعد خسارة أكثر من 14 ألف جندي، وإنفاق ما لا يقل عن خمسين مليار دولار، انسحب السوفييت. أرادوا فقط الخروج من حرب لا تحظى بشعبية. وسرعان ما انحدرت أفغانستان إلى حرب أهلية بين أمراء الحرب المتنافسين، حتى وصلت حركة طالبان للسلطة، في عام 1996، ورحبت بالقاعدة.

 

وبعد هجمات القاعدة في عام 2001، ساعدت أمريكا قوات حلفائها الأفغان في الإطاحة بطالبان. وقامت حكومة جديدة مدعومة من أمريكا في كابول.

 

وبعد عقدين من الزمان، يواجه جو بايدن خيارا مؤلما بشأن سحب آخر القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول الأول من أيار/ مايو. والموعد النهائي هو جزء من اتفاق مع طالبان، تم بوساطة إدارة ترامب قبل عام.

 

ومثل غورباتشوف، من الواضح أن بايدن يريد الرحيل، وهو يريد ذلك منذ أكثر من عقد. ففي عام 2010، عندما كان نائبا للرئيس، وعد بالانسحاب على قناة "NBC"، حيث قال: "نحن سنبدأ [الانسحاب] في تموز/ يوليو 2011، وسنخرج تماما من هناك –مهما حصل– بحلول عام 2014".

 

وكتب في مقال في "فورين أفيرز"، العام الماضي: "لقد حان الوقت لإنهاء الحروب الأبدية".

 

اقرأ أيضا:  بايدن: من الصعب أن نغادر أفغانستان في أيار كما وعدنا

 

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الأمريكيين غير مهتمين بأفغانستان، حتى إن ما بين 20% إلى 30% من المشاركين في الاستطلاعات الأخيرة لم يكلفوا أنفسهم عناء الإجابة عن الانسحاب، فقد تبخر الغضب القومي الناجم عن صدمة هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر.


ومع ذلك، فليس من السهل مجرد المغادرة، فحتى بعد استثمار أكثر من تريليون دولار، فإن أمريكا لم تحقق بالكامل أهداف أطول حرب لها أيضا.

 

وقالت المجلة؛ إن ايجاد مخرج -خاصة تأمين اتفاق سلام شامل– يبدو صعب المنال، وقد يكون كارثيا.

 

وفي مقابلة مع "ABC News" الأسبوع الماضي، أقر بايدن أنه قد يكون من "الصعب" الانسحاب، وأنه لا خيارات جيدة لديه، أو لدى الجيش الأمريكي، الذي خفض عدد القوات من 15 ألفا عند توقيع الاتفاق مع طالبان قبل عام إلى حوالي ثلاثة آلاف اليوم.

 

وإذا انسحبت القوات الأمريكية، فمن شبه المؤكد أن يغادر ما يقرب من عشرة آلاف جندي من قوات الناتو من 36 دولة وأكثر من 24 ألف متعاقد، يدعمون الدولة الأفغانية والجيش الأفغاني.


وتحولت القواعد العسكرية الأمريكية إلى مدن أشباح محاطة بالجدران الخرسانية والأسلاك الشائكة. وكلفت الحرب التي دامت 20 عاما أرواح أكثر من 100 ألف أفغاني و2300 أمريكي، ومئات الجنود من دول الناتو، وجرح 20 ألف أمريكي آخرين.


وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون؛ إن قرار بايدن سيتأثر بخمسة عوامل: الأول هو ما إذا كانت الدبلوماسية الأخيرة المحمومة ستنقذ محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، التي وصلت منذ أن بدأت في أيلول/ سبتمبر العام الماضي في الدوحة. 

 

وفي وقت سابق من هذا الشهر، كتب وزير الخارجية أنطوني بلينكين "رسالة فظة" إلى الرئيس الأفغاني يطالبه بتشكيل حكومة مؤقتة، يتقاسم فيها طالبان والزعماء الأفغان الحاليون السلطة، بحسب المجلة.

 

ووسعت أمريكا التحرك الدبلوماسي ليشمل الصين وباكستان وإيران والهند وتركيا، وللمفارقة روسيا، للتوصل إلى طريق موحد للأمام.

 

واستضافت روسيا مفاوضات سلام بين الأطراف المتحاربة، لم ينتج عنها سوى لغة متفائلة.

 

وتعتزم تركيا استضافة مؤتمر في أوائل نيسان/ أبريل قد يستمر أياما عدة للتوصل إلى اتفاق نهائي. ولكن الاعتماد على دول أخرى لم تكن نتائجه دائما كما تريد أمريكا، فعقود من الضغط على باكستان للتوقف عن إيواء طالبان وتسليحها لم تثمر؛ فكل بلد له حلفاؤه ومصالحه وأجندته. 


والخلافات بين الأفغان الذين تحاربوا منذ فترة طويلة عميقة، لدرجة أن العديد من المسؤولين والخبراء الأمريكيين يشعرون بالقلق من أن تكون الصفقة إما بعيدة المنال أو غير قابلة للتنفيذ على المدى الطويل. والجانبان متضادان أيديولوجيان.

 

وقال أحد الخبراء الأمريكيين المخضرمين؛ إنه من "الوهم" أن نتوقع أن يسفر اجتماع إسطنبول عن اتفاق دائم.

 

اقرأ أيضا: أفغانستان ترحب بعقد مباحثات السلام في تركيا
 

وقال: "لم نجبر طالبان على أن تتنازل عن أي شيء". كما أفادت "رويترز" الثلاثاء الماضي، بأن غني ينوي رفض المقترح الأمريكي في تركيا، ويقترح عقد انتخابات وطنية في غضون ستة أشهر.


والعامل الثاني الذي سيأخذه بايدن بعين الاعتبار، هو إمكانية تعزيز وقف دائم لإطلاق النار.

 

في رسالته، اقترح بلينكن خفض العنف لمدة تسعين يوما لدرء هجوم الربيع السنوي لطالبان. وازداد القتال بين القوات الحكومية وطالبان أكثر فتكا منذ أن وقعت إدارة ترامب اتفاق السلام. وقال لي الجنرال أوستن (سكوت) ميلر، الذي كان من أوائل الجنود الأمريكيين الذين تم نشرهم في أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وأصبح الآن قائد القوات الأمريكية وقوات الناتو في البلاد: "عسكريا وبدون أدنى شك، فإنهم [طالبان] يستغلون الاتفاق من خلال التحرك والتعدي".

 

وحققت طالبان مكاسب كبيرة على الأرض. ويقدر البنتاغون أن طالبان تسيطر الآن على نصف البلاد.

 

وقال ميللر: "التوقع بأن العنف سينخفض تدريجيا مع دخولنا عملية السلام لا يحصل". توقفت الهجمات على القوات الأمريكية، لكن أكثر من عشرة آلاف أفغاني -عدد كبير منهم من المدنيين- لقوا مصرعهم منذ الاتفاق بين أمريكا وطالبان، كما أخبرني ضابط كبير بالجيش. ويموت العشرات من الجنود الأفغان كل يوم، ولكن الأمريكان لم ينتبهوا لأن الأمريكيين ليسوا هم من يموتون.


المهمة العسكرية التي تضطلع بها القوات الأمريكية الآن هي إلى حد كبير تدريب وتقديم المشورة للقوات الأفغانية، التي تحسنت على مدى السنوات العشرين الماضية، ولكن لا يزال أمامهم طريق طويل.

 

وقال جون سوبكو، المفتش العام الخاص على إعادة إعمار أفغانستان، في شهادته أمام الكونغرس في 16 آذار/ مارس: "قوات الأمن الأفغانية لا تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ لأنها لا تستطيع صيانة معداتها ولا إدارة سلاسل التوريد الخاصة بها، ولا تدريب جنود وطيارين ورجال شرطة جدد".

 

وقال سوبكو؛ إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بحلول الأول من أيار/ مايو، "فمن المحتمل أن تواجه الحكومة الانهيار".


وأحد الخيارات أمام بايدن، هو تمديد الوجود العسكري الأمريكي لأسابيع أو شهور، دون تحديد موعد نهائي. وتعهدت الصفقة مع طالبان بالانسحاب الأمريكي إذا توفرت أربعة شروط، بما في ذلك وقف دائم لإطلاق النار.

 

حدث العكس. لكن التأخير يحمل في طياته مخاطره. من شبه المؤكد أن تفسر طالبان ذلك على أنه انتهاك للاتفاق مع واشنطن، ومن شبه المؤكد أنها ستنهي وقف إطلاق النار مع القوات الأمريكية، وتكثف الهجمات على الحكومة الأفغانية.


ويقدر ميلر أن 1 أيار/ مايو موعد حقيقي في أذهان طالبان ليستمروا في الاتفاق مع أمريكا. ويتوقع المسؤولون أن يكون الثاني من أيار/ مايو دمويا - بالنسبة للقوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والقوات الأفغانية. 


وهناك مؤيدون ومعارضون لفكرة تمديد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان. وقال ريان كروكر، السفير الأمريكي السابق لأفغانستان: "لماذا نحن مضطرون للمغادرة عندما نتحدث عن عدد صغير من القوات التي لم تتعرض لإصابات خلال عام؟ نحن نبيع الشعب الأفغاني، بالذات النساء والبنات في أفغانستان – وبدون سبب عدا عن أننا متعبون ومصابون بالملل".


ويشكك دوغ لوت، وهو ملازم أول متقاعد وسفير سابق لدى الناتو عمل في القضية الأفغانية خلال إدارتي جورج بوش الابن وباراك أوباما.

 

وقال لوت؛ إن أمريكا وضعت توقعات عالية غير واقعية -للأفغان والأمريكيين- حول إنشاء حكومة مركزية قادرة على سد الانقسامات السياسية والاجتماعية العميقة بين الأفغان في المناطق الحضرية والقرويين الأكثر محافظة.


وقال لوت: "الطريقة الوحيدة لتسوية ذلك، هي أن تدرك الحكومة الأفغانية أننا لن نبقى إلى الأبد، وأنه يتعين عليها التفاوض مع طالبان.. قد لا نحب ذلك. قد لا يحبها الكثير من الأفغان الذين يعيشون في المدن، لكن يمكن القول إن طالبان أثبتت على مدار العشرين عاما الماضية، أنها جزء من النسيج السياسي الأصيل في جزء من البلاد على الأقل ". 


والعامل الثالث لبايدن، هو احتمال أن تعيد القاعدة تجميع نفسها إذا غادرت القوات الأمريكية. ونص الاتفاق بين أمريكا وطالبان العام الماضي على أن طالبان لن تسمح للقاعدة "باستخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن أمريكا وحلفائها".

 

وقال ميلر، لكن بالنظر إلى عقود من التزاوج المختلط والأهداف الإيديولوجية والعسكرية المشتركة، فإن الاعتماد على جماعة جهادية لاحتواء الأخرى قد يكون غير واقعي. 


العامل الرابع هو مصداقية أمريكا، فقد سافر الرئيس أوباما إلى كابول في عام 2012، في الذكرى السنوية الأولى للغارة التي قتلت أسامة بن لادن، ووقع اتفاقية شراكة استراتيجية حددت أفغانستان كحليف رئيسي من خارج الناتو.

 

وبعد ثلاثة أسابيع، اجتمع قادة الناتو لحضور قمة في شيكاغو، والتزموا بالدفاع عن أفغانستان "الآمنة والديمقراطية"، و "إعادة تأكيد أن شراكتنا الوثيقة ستستمر".

 

ووصف كروكر قرار الانسحاب بأنه "ليس مخزيا فحسب، بل خطيرا للغاية. إنه إشارة لحلفائنا حول قوة التزاماتنا وتمسكنا بمبادئ حقوق الإنسان".


والعامل الأخير الذي يجب على بايدن التفكير فيه، هو دور أمريكا المستقبلي في أفغانستان، خاصة إذا كانت طالبان جزءا من الحكومة بعد الانسحاب العسكري الأمريكي؛ حيث تعتمد أفغانستان، إحدى أفقر دول العالم، على المساعدات الخارجية لتعيش.

 

وفي 2018 قال غني؛ إن جيشه لن يصمد ستة أشهر بدون دعم اقتصادي أمريكي. وفي شهادته أمام الكونجرس، توقع سوبكو أيضا عواقب وخيمة. وقال: "ثمانون في المائة من الأموال الحكومية تأتي من أمريكا والجهات المانحة لنا، بما في ذلك رواتب القوات، والمال لشراء الوقود، والمال لشراء الرصاص.. لذا فهي كارثة لأفغانستان".


وفي نهاية فيلم حرب تشارلي ويلسون، يظهر عضو الكونغرس الديمقراطي، الذي نجح في الحصول على ثلاث مليارات دولار على مدى عقد لدعم المقاتلين الأفغان ضد الاتحاد السوفييتي، وهو يحاول إقناع أعضاء الكونغرس لتخصيص مليون دولار فقط لدعم استقرار أفغانستان، لبناء مدارس، ولكن أعضاء الكونغرس يرفضون ذلك.

 

فيقول ويلسون غاضبا: "هذا ما نفعله دائما.. ندخل دائما بقيمنا ونغير العالم ثم نغادر". فيرد عليه أحد أعضاء الكونغرس قائلا: "تشارلي .. لا أحد يهتم بمدرسة في باكستان"، فيصححه ويلسون "أفغانستان".