وافق مجلس النواب المصري يوم الثاني من آذار/ مارس الجاري بصفة نهائية على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن "تنظيم عمليات تجميع بلازما الدم لتصنيع مشتقاتها وتصديرها"، والهادف إلى جمع وتوزيع الدم ومركباته بغرض التصنيع في مصر، وتصدير بلازما الدم كمادة خام بغرض بيعها في الأسواق العالمية، بناءً على توجيهات رئاسية.
يعتبر الدم من الأنسجة الضامة داخل جسم الإنسان ولكنه في صورة سائلة، ويدور في الجسم داخل نظام مغلق، يتكون من القلب والأوعية الدموية. ويشمل خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية، وجميعها معلقة في سائل اسمه "البلازما"، وهي مادة سائلة شفافة تميل إلى الاصفرار، وتشكل بلازما الدم حوالي نصف إجمالي حجم الدم في جسم الإنسان.
والغرض الأساسي من البلازما هو نقل العناصر الغذائية والهرمونات والبروتينات إلى أجزاء الجسم المختلفة، كما تودع الخلايا أيضا نفاياتها في البلازما، والتي تساعد بدورها في إزالة هذه النفايات من الجسم. وتحتوى البلازما على مكونات مهمة، مثل الغلوبولين المناعي (الأجسام المضادة)، وعوامل التخثر (تجلط الدم). وعند التبرع بالدم، يمكن عزل هذه المكونات الحيوية عن البلازما الخاصة بالإنسان وتركيزها في عناصر متعددة تسمى "مشتقات البلازما"، وبالتالي يسهل تصنيعها وتحويلها إلى منتجات طبية تستخدم في علاج عدد كبير من الأمراض.
تلك الصيغة المبهمة جاء تفسيرها واضحا ومحددا وصريحا على لسان وزيرة الصحة، والتي أعلنت عن إعداد بطاقة للمتبرع يتم بها صرف مستحقاته بصورة مجمعة كل فترة، بما يؤكد على أنها عملية شراء سلعة من بائع يأخذ عِوضا عن سلعته التي يعرضها للبيع
القانون ينص على بيع البلازما بالمخالفة لفتوى الأزهر:
شمل القانون عددا من المواد الكارثية، فنصت المادة الحادية عشر من الفصل الخامس على أن يلتزم مركز تجميع بلازما الدم بمنح المتبرع عِوضاً يتناسب مع نفقات الانتقال ومقابل التغذية، وأي نفقات أخرى يتحملها المتبرع في سبيل تبرعه. وتحدد اللائحة التنفيذية قواعد احتساب "العِوض"، وتلك الصيغة المبهمة جاء تفسيرها واضحا ومحددا وصريحا على لسان وزيرة
الصحة، والتي أعلنت عن إعداد بطاقة للمتبرع يتم بها صرف مستحقاته بصورة مجمعة كل فترة، بما يؤكد على أنها عملية شراء سلعة من بائع يأخذ عِوضا عن سلعته التي يعرضها للبيع.
وتم استخدام مصطلح "المتبرع المنتظم"؛ وهو كل متطوع للتبرع بالبلازما بشكل منتظم طبقاً للقواعد الطبیة، يعني بوضوح أنه "بائع للبلازما براتب منتظم"، وهذا يخالف تعقيب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على مسألة بيع البلازما، حيث سبق وأن أصدرت في شهر حزيران/ يونيو عام 2020 فتوى "تحريم بيع بلازما الدم للمتعافين من فيروس كورونا"، باعتبار أن البلازما من الأنسجة وينطبق عليها ما ينطبق على الأعضاء التي يجرّم بيعها وفقا لنص القانون، لقوله تعالى في إطار حرمة الدم المسفوح حتى من مأكول اللحم: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ". ودم ابن آدم جزء منه فهو تابع لأصله، كما نصت علي ذلك السنة القاضية بحرمة الدماء والأموال والأعراض، والناهية عن "ثمن الدم، وعلى ذلك فإنه يحرم بيع الدم مطلقا؛ وحيث أن البلازما جزء من أجزاء الدم، فيحرم بيعه كما يحرم بيع الدم.
وجاء القانون المصري موافقا للشريعة الإسلامية في ذلك الشأن حيث نص القانون رقم 124 لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (5) لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية، على تجريم الاتجار بالأعضاء البشرية وغلظ من العقوبة.
ومع ذلك فإن مصر هي الأولى في انتشار جريمة
تجارة الأعضاء البشرية في الشرق الأوسط وأفريقيا بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب؛ من أهمها انتشار الفقر بين أكثر من ثلث سكان مصر، وبالتالي توجد لديهم الحاجة الملحة إلى بيع أي شيء من أجل توفير أساسيات الحياة، وبالتالي فإن بيع البلازما سوف يكون متاحا قانونيا تحت سمع وبصر الجميع، خاصة وأن الحكومة قد أصرت على شراكة القطاع الخاص في عملية تجميع البلازما؛ وهذا يفتح الباب واسعا أمام الفساد كما هو معروف في الواقع المصري.
بيع البلازما سوف يكون متاحا قانونيا تحت سمع وبصر الجميع، خاصة وأن الحكومة قد أصرت على شراكة القطاع الخاص في عملية تجميع البلازما؛ وهذا يفتح الباب واسعا أمام الفساد كما هو معروف في الواقع المصري
القانون يعطي الجيش حق الاستحواذ على تجارة البلازما عالميا:
ومن ناحية أخرى فقد نصت المادة الأولى من الفصل الثالث على السماح بعملية تسفير البلازما الخام إلى الخارج، بقصد تصنيع مشتقاتها ثم إعادتها في صورة مستحضرات حيوية، واستيرادها وتصديرها كمادة خام أو في أي مرحلة من مراحل التصنيع، وهذا يعني ببساطة إتاحة بلازما دماء المصريين للبيع في أسواق التجارة العالمية تحت مسمى خادع وهو إعادة التصنيع. وتم النص على أن الجهة المسئولة عن ذلك هي هيئة الدواء المصرية بالتعاون مع "الھیئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين
الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبیة"؛ والمعروفة باسم "هيئة الشراء الموحد" والتي يترأسها أحد كبار القادة العسكريين. وبذلك فقد أصبح الجيش هو المستحوذ فعليا على تجارة البلازما ومشتقاتها في مصر والخارج.
ولتبرير عملية تصدير البلازما الخام للخارج؛ فقد أعلنت وزيرة الصحة أن "مشروع القانون يستهدف تجميع البلازما خلال مدة أقصاها 45 يوماً، وتسفيرها إلى الخارج لفصل مشتقاتها البالغة 11 مشتقاً، لتعود منتجاً نهائياً إلى حين إقامة مصنع تجميع وفصل البلازما في مصر، والذي قد يستغرق عاماً أو عاماً ونصف العام، لا سيما أن مصر تنتج حوالي ثلاثين ألف ليتر فقط من البلازما، وبحاجة إلى زيادتها إلى مليون ليتر في العام". وأضافت بأنه توجد تكليفات من السيسي للوزارة بالاهتمام بهذا الملف من خلال جمع وتوزيع الدم ومركباته لغرض التصنيع، وبيعه في الأسواق العالمية وفقاً للمعايير الدولية، وهو ما أيده رئيس لجنة الصحة في البرلمان السابق بقوله إن "منطقة الشرق الأوسط لا يوجد بها سوى مصنعين فقط لتجميع البلازما وفصل الدم، وهما في إيران وإسرائيل، ما يحفز مصر على دخول هذا المجال".
الموافقة على القانون بسرعة وضع العربة أمام الحصان:
جاءت الموافقة على مشروع قانون تنظيم عمليات تجميع بلازما الدم لتصنيع مشتقاتها وتصديرها بصورة متسارعة ودون أية حوارات مجتمعية، ودون شراكة من نقابة الأطباء كما ينص الدستور، ودون أخذ رأى الجهات المعنية. وكان من الغريب أن تتحدث وزيرة الصحة عن أهمية الاكتفاء الذاتي أولا وقبل التصدير، وكأنها لا تدرك أنه وبحسب معايير منظمة الصحة العالمية فإن رصيد بنوك الدم في مصر يغطى نسبة 30 في المائة فقط من الاحتياج السنوي قياسا إلى عدد السكان، وهذا ينعكس بدوره على تلبية الاحتياجات، ويعني عدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال عام كما ذكرت الوزيرة، وبالتالي فإن القانون قد عجل بعملية تجارة البلازما الخام عالميا قبل بناء قاعدة صناعية في مصر أولا كما كانت الوعود الحكومية من قبل، ولكن يبدو أن عملية البيع لكل مقدرات شعب مصر قد أصبحت هي القاعدة السارية حاليا في جميع المجالات.