أكد خبير ومختص فلسطيني بارز، أن الغموض الكبير الذي يكتنف الاتفاقيات التي تبرهما أطراف من السلطة الفلسطينية من أجل استخراج غاز غزة مع أطراف خارجية، يثير الكثير من الشكوك والمخاوف.
ووقع الجانبان الفلسطيني والمصري بتاريخ 21 شباط/ فبراير الماضي، وتحت رعاية رئيس السلطة محمود عباس، مذكرة تفاهم ما بين الأطراف الشريكة في حقل غاز غزة، والمتمثلة حاليا بصندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين (CCC)، مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس".
وذكرت وكالة "وفا" التي أوردت الخبر، أن مذكرة التفاهم المذكورة، تأتي "للتعاون بمساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، بما يوفّر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي ويعزز التعاون بين البلدين مع إمكانية تصدير جزء من الغاز لمصر".
ووقع المذكرة عن الجانب المصري رئيس الشركة المصرية "إيجاس"، مجدي جلال، وعن الجانب الفلسطيني مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى.
تساؤلات بلا إجابات
ومن أجل الوقوف على نهج السلطة والاحتلال في التعامل مع الموارد الطبيعية الفلسطينية وخاصة الغاز الطبيعي، تحدثت "عربي21" مع الأستاذ الجامعي والخبير والباحث في الشؤون البيئية والجيولوجية عبد الرحمن التميمي، الذي أكد أنه "منذ قيام السلطة وحتى الآن، فإن هناك نقصا في الشفافية والانفتاح على الجمهور الفلسطيني".
اقرأ أيضا: كل ما تريد معرفته عن حقل الغاز في غزة وعراقيل الاحتلال
وأضاف في حديث خاص مع "عربي21": "على سبيل المثال في نقص الشفافية؛ نحن لا نعرف، لماذا أعطي العطاء الخاص بالغاز أولا لشركة بريطانية (بريتش غاز)، ثم ألغي العطاء، وبعدها قام صندوق الاستثمار باستدراج عروض أسعار وألغي أيضا، إضافة إلى مشاركة السلطة في مجلس الغاز الإقليمي، نحن لا نعرف ما هي نتائج هذه المشاركة، هناك غموض من قبل السلطة في هذا الموضوع".
ولفت التميمي، إلى أن الأمر "بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، أنه يعتبر فلسطين غير موجودة، ويقوم بعقد الاتفاقيات بغض النظر عن الوجود الفلسطيني، علما بأنه في كل الاتفاقيات الموجودة بين كل أطراف شرق المتوسط، الطرف الفلسطيني لم يذكر صراحة ولا في أي اتفاقية إلا بشكل جزئي في الاتفاقية المصرية-الإسرائيلية، حيث ذكر جملة "دون الإضرار بالحقوق الفلسطينية"، ومن المهم معرفة هذا".
وتساءل: "ما هي هذه الحقوق؟ أين تبدأ وأين تنتهي؟ وما هي عدد الآبار التي سيتم حفرها حول المنطقة التي تتبع نظريا الجانب الفلسطيني؟"، منوها إلى أن "الغاز يختلف عن البترول والمياه، لأنه من الممكن جره إلى مسافات بعيدة تحت الأرض، وباختصار يمكن سرقته، وهذا ما أتوقع فعله من قبل الاحتلال".
وبشأن الاتفاقية الأخيرة مع الجانب المصري، قال المختص: "الاتفاقية غير واضحة ولم تنشر، وما نشر هي مادة إعلامية وليست علمية، وأنا كفنيّ ومهني، أرى أن المعلومات الفنية (طول وحجم وعمق الحوض) غير معروفة ولم يكشف عنها".
وتابع: "لا أعرف ما هي الإمكانات المصرية، والأهم بالنسبة لنا كفلسطينيين، ما هو الاتفاق؟ ما هي حدود المنطقة الإقليمية التابعة للسلطة؟ ما هي المناطق الجغرافية التي تم الاتفاق عليها مع كل الأطراف؛ مصر، قبرص، إسرائيل وغيرها؟ وما هي الكميات المتوقعة من الغاز؟ وهل هناك دراسات أجريت ونحن كخبراء لا نعلم عنها؟".
مخاوف وشكوك
وأكد أن "كل هذا الغموض يثير الشك والمخاوف"، لافتا إلى أن "هناك علامة استفهام كبيرة على السلطة الفلسطينية توضيحها، والانكشاف على الجمهور بشكل أفضل، وخاصة على الخبراء".
وعن سبب هذا الغموض أجاب التميمي: "لا أعرف، ولكن الغموض وعدم الانفتاح على الخبراء الفلسطينيين، يثير علامات الشك، ومما يثير الشكوك أكثر؛ أن السلطة على مستوى الحكومة لم توضح موقفها، الذي يجري، هناك أشخاص أو صندوق الاستثمار هو الذي يقوم بهذه المهمة، وهي مهمة وطنية بالدرجة الأولي ولها أبعاد مستقبلية بالدرجة الثانية، إضافة إلى أنها ثالثا، هي حقوق كل الأجيال الفلسطينية".
وردا على سؤال "عربي21"، "كيف يمكن الاستثمار الأمثل للغاز الفلسطيني المتوفر على شواطئ قطاع غزة المحاصر؟" فقد شدد الخبير على أهمية "معرفة أين تبدأ وأين تنتهي حقوقنا (الحدود البحرية)، وهذا غير واضح، وأشك أن جزءا من الفلسطينيين الرسميين (المسؤولين) يعرفون إجابة عن مثل هذا السؤال".
وقدر الخبير، أن معرفة تفاصيل تلك الاتفاقيات، تحتاج إلى "ضغوطات كبيرة من أطراف عديدة، حتى نستطيع الحصول على الحقيقة".
اقرأ أيضا: ردود متبادلة بين السلطة وحماس بشأن اتفاق "غاز غزة"
وخلال تنقيب "عربي21" في الموضوع، عثرنا على تصريح يعود لعام 2015، يتضح منه وجود ترتيبات فلسطينية-مصرية من أجل إشراك مصر في الاستثمار في غاز غزة، حيث دعا رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي محمد اشتية، والذي كان في حينه رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار، إلى "تحريك قضية حقل غاز غزة المكتشف (منذ أكثر من 15 عاما) والمعطل بسبب تعقيدات الاحتلال".
وطالب اشتية في بيان صدر عنه نشرته "وفا"، بـ"إجراء دراسة اتفاقية تفاهم على استخراج الغاز من السواحل الفلسطينية مع مصر، وفق ترتيبات تعاون في استثمار الغاز الفلسطيني وتسويقه"، مؤكدا أن "استغلال الحقل الفلسطيني سينعش الاقتصاد الفلسطيني ويشكل رافعة قوية له".
وذكر أن "التوقعات تحدثت عن مدخول يقارب الـ3 مليارات دولار سنويا، تعود على الخزينة الفلسطينية لمدة قد تصل إلى 10- 15 عاما، ما قد يحدث ثورة كبيرة في الاقتصاد الوطني".
وقال اشتية: "إننا نملك بئري غاز يبعدان نحو 30 كيلومترا عن سواحل غزة بدأ تطويرهما عام 1999، ومنح الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات آنذاك شركة "بريتيش غاز" الترخيص للتنقيب فيهما بالشراكة مع صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين العرب، وكان من المفترض أن يستخدم هذا الغاز لتوليد الكهرباء والتخلص من التحكم الإسرائيلي بهذا القطاع الحيوي"، محملا "إسرائيل مسؤولية تعطيل استخراج الغاز وتصديره بسبب سيطرتها على المياه الإقليمية الفلسطيني".
وللوقوف على ما لدى الحكومة الفلسطينية التي يرأسها اشتية، من معلومات حول مذكرة التفاهم الفلسطيني-المصري بشأن غاز غزة، تواصلت "عربي21" العديد من المرات مع المتحدث الرسمي باسم الحكومة الدكتور إبراهيم ملحم، لكنه لم يرد على الاتصالات التي تمت حتى قبيل نشر هذا التقرير.
جدير بالذكر، أن علاقات النظام المصري الحالي بزعامة عبد الفتاح السيسي مع الاحتلال الإسرائيلي، نمت بعد انقلاب الزعيم المذكور على الرئيس المصري المنتخب الراحل الدكتور محمد مرسي، بشكل كبير ولافت، خاصة في الجانب الأمني والاقتصادي، ما فتح الباب أمام الاحتلال لتصدير الغاز المستخرج من حقول الغاز الفلسطينية المسيطر عليها الاحتلال في البحر إلى مصر التي تتحكم في معبر رفح البري، الذي يعتبر بوابة قطاع غزة المحاصر منذ نحو 15 عاما نحو العالم الخارجي.
إصابة جندي إسرائيلي على الحدود مع مصر
معهد أمريكي: الاحتلال يؤمن الطريق لصادرات الغاز المصري
السلطة الفلسطينية تطلب من "الجنائية" تحقيقا بجرائم الاحتلال