قضايا وآراء

السودان وإثيوبيا: معارك مؤجلة وتوازنات معقدة

1300x600
(1)
انتهت ظهر الأربعاء ٢٣ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠م، اجتماعات اللجنة السياسية بين السودان وإثيوبيا دون التوصل لاتفاق حول النقطة المحورية (الحدود بين البلدين). ومع أن هناك اتفاقية ملزمة للطرفين منذ ١٥ أيار/ مايو ١٩٠٢م، إلا أن مسلسل التسويف والمماطلة ظل سيد الموقف.

وكانت مجموعة من الناشطين الإثيوبيين في الولايات المتحدة الأمريكية قد شكلت مجموعة أسمتها "لجنة الحدود" عام ٢٠٠٨م لمناهضة مواقف رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ميليس زيناوي، والذي اتفق مع الجانب السوداني على ترسيم الحدود وفق الالتزامات الدولية. وعادت المجموعة أكثر قوة وفاعلية من داخل إثيوبيا في عهد رئيس الوزراء ديسالين، ورفعت مذكرة للأمين العام للأمم المتحدة في ١٤ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٥م ترفض فيه اتفاق عام ١٩٠٢م أي (خط قوين). وعلى ذات النهج جاءت تلميحات وتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي آبي أحمد، مع اعترافهم بالمذكرات المتبادلة بين الرئيس جعفر محمد النميري والإمبراطور هيلا سيلاسي عام ١٩٧٢م بعد اتفاقية السلام مع الأنانيا.

وخلاصة القول، أن الموقف الأثيوبي ليس مجرد تصرفات مجموعات من (الشفته)، بل هو قناعة راسخة لدى الطرف الإثيوبي تغذيه مجموعات ضغط داخلية وخارجية وتعززه مصالح مناطقية وتؤثر فيه تقاطعات سياسية. فالحدود بين البلدين تماس من الجانب السوداني ولايات كسلا والقضارف وسنار والنيل الأزرق، ومن الجانب الإثيوبي إقليم التيغراي والأمهرا وبني شنقول، وأكثر مناطق النزاع في منطقة الفشقة بولايات القضارف، وعلى المثلث هناك جبل اللكدي وعلى قمته شاهد للحدود.

وهذه التركيبة تؤثر في الداخل الإثيوبي بشكل كبير، ولذلك تعددت اللجان منذ العام ٢٠٠٢م و٢٠٠٧م. وكان على رأس هذه المهمة الراحل السفير محمد حسين زروق، وأمضى مع فريق عمله شهورا للوقوف على الشواهد، ولجنة أخرى في ٢٠١٣م، وفي عام ٢٠١٨م تم تكوين قوة مشتركة. وكان العامل المشترك في كل هذه المراحل التساهل مع حركة المزارعين الإثيوبيين، وهدف الحكومة الإثيوبية وحكام أقاليمها أن يكون نهر عطبرة هو الفاصل مما يتيح لهم التوغل في الأراضي السودانية ما بين ١٠ و٣٥ كيلومترا، وهي أراض طينية خصبة للزراعة والرعي.

(2)
وفق هذه الوقائع فإن معادلتين تؤثران في تطورات القضية، وأولهما: مخاوف وقلق دول الإقليم ومصالحها وتطلعاتها ومواقف المجتمع الدولي، وثانيهما: التعقيدات الداخلية.

ومثلما أشرنا للتعقيدات الداخلية في إثيوبيا، فإن الحكومة الانتقالية تتنازعها هواجس أطراف سياسية ومكونات عسكرية ومدنية. فقد قال الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني، يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠م: "إن مخاوف قوى الحرية على الحكومة ومخاوفنا على الوطن". فالحكومة بقيادة د. عبد الله حمدوك تسعى لتهدئة الوضع في كل الجبهات، ولديها حسابات معقدة مع إثيوبيا ودول الترويكا (الاتحاد الأوروبي وأمريكا).

كما أن الهواجس بين بعض أطراف العملية العسكرية بلغت درجة الاستعانة بقوات أممية، وإصدار قرار من الكونغرس باسم الانتقال الديمقراطي في السودان للحد من أدوار المؤسسة العسكرية السودانية. وبما أن أي مواجهة مع طرف خارجي تعزز الروح الوطنية وترفع مستوى التعبئة والالتفاف حول الجيش، فإن ذلك مثير لمخاوف أطراف أخرى، ولذلك نلحظ ضعف تفاعل الإعلام الرسمي مع الأحداث بالجبهة ومسرح الأحداث. بل إن وزير الإعلام فيصل محمد صالح صرح بأنه "لا مانع لدى الحكومة من السماح للمزارعين الإثيوبيين بالزراعة"، وهذا أمر مرفوض شعبيا من أهالي المنطقة وأغلب القوى الاجتماعية، وقد ظهرت بيانات للقبائل تؤيد وتساند الجيش.

(3)
لقد جاء في البيان الختامي للطرفين والذي ترأسه من الجانب السوداني وزير مجلس الوزراء عمر مانيس، ومن الجانب الإثيوبي نائب الوزراء ووزير الخارجية ديميكي: "بعد تبادل الآراء حول مختلف القضايا سترفع التقارير لقيادة البلدين، وسيعقد اجتماع في أديس أبابا يحدد في وقت لاحق". وفي ظل حالة تجاذب، فإن هذه الخلاصة تفتح المجال للأطراف الخارجية، وخاصة أن قضية سد النهضة كانت حاضرة وتداعيات إقليم التيغراي وأكثر من ٥٥ ألف لاجئ، مع تقارير عن هجوم مسلح أوقع أكثر من مئة قتيل في إقليم بني شنقول يوم الثلاثاء الماضي، دون معرفة خلفياته.

إن هناك اهتماما دوليا باستقرار الإقليم وخاصة إثيوبيا لما لها من ثقل سياسي وسكاني، قد يقود للتهدئة بين الطرفين، ولكنها مجرد تأجيل لحالة احتقان، تهدد نسف روابط تاريخية وتداخل اجتماعي ومصالح اقتصادي.. فهل يفلح التأجيل في توفير بيئة لحل ودي؟.. نأمل ذلك.