قضايا وآراء

هل الحملة على الإخوان في السعودية مطلب فرنسي؟

1300x600

كان متوقعا مع تزايد خسائر فرنسا أن تلجأ لحلفائها لنصرتها.. وأدركت السلطات الفرنسية مبكرا بأن التعويل على الغرب والاتحاد الأوروبي غير مجدٍ لذلك توجهت شرقا.

حديث المسؤولين الفرنسيين عن محاربة الإسلام السياسي هو بمثابة السراب وخوض معارك مع عدو غير معرف وصرف للأنظار عن الأزمات الحقيقية والكبيرة لفرنسا اليوم. إن الخطاب الفرنسي المتشنج وغير العقلاني، فهمه البعض وبخاصة العرب منهم، بأن الإخوان هم رأس الحربة في هذه المعركة وهي فرصتهم للبراءة من عجزهم في تحقيق العدالة لشعوبهم والتعويل على مزيد الاستثمار في الأزمات  وتغذية المستنقعات.

منذ البداية أعلنت السلطات الفرنسية بأنها لا تخوض المعركة لوحدها وسارعت لارسال وزير خارجيتها لمصر ووزيرها للداخلية لكل من تونس والجزائر.. وهذا التمشي لم تجنِ منه السلطات الفرنسية غير مزيد من العزلة والتندر. ما سمعه وزراء فرنسا من شيخ الأزهر ووزير الشؤون الدينية في الجزائر وما شاهدوه من نشاط للمجتمع المدني وعامة الناس في كل من تونس والجزائر ومصر جعلهم يعيدون ترتيب الأوراق.

كان واضحا من البداية بأن التعويل على محور التطبيع العربي لن يجدي بسبب غياب الشرعية والمشروعية لأصحاب القرار ومحدودية التأثير في الأطراف الناشطة في حملة المقاطعة لهذا كان من الضروري شغل الناشطين بأولويات أخرى، وفي هذا الإطار تتنزل حملة التشويه للإخوان المسلمين باعتبارهم الحلقة الأضعف في الصراع وبدون سند دولي مضاد.

كان من المتوقع أن تنطلق الحملة من بلد أوروبي مسالم مثل النمسا وتتسارع وتتمدد بشكل مقبول لدى العامة، وكانت عين فرنسا على قمة العشرين في الرياض والمناسبات الدولية للظهور بأنها ليست معزولة في هذا الملف وبالتالي تتفتت حملة المواجهة والمقاطعة، ولكن في نفس الوقت تحتاج السلطات في الرياض إلى انجازات تقدمها للغرب وتخرجها من دائرة الاتهام الدائم وتتجهز لمرحلة ما "مع بعد ترامب" وربما قدرت بأن ورقة الإخوان غير مكلفة وبإمكانها التسريع في صرفها وتقديمهم كقربان دون مقابل سياسي.

 

حملة المقاطعة شملت اليوم ثلث بلدان وشعوب العالم وأغلبيتهم الساحقة لم يسمعوا يوما بالإخوان ولا كبار علماء ولا مجلس مسلمي فرنسا فيصبح من العبث الديبلوماسي خلق معارك إضافية سوف تبقى تبعاتها ما بقيت الأنظمة الشمولية وملحقاتها الدينية.

 


من المستبعد أن تكون السلطات في الرياض نسقت هجمتها ضد الإخوان مع باريس وخاصة مسألة التوقيت، وربما هذا ما يفسر أن دور الهجوم على الإخوان تقوم به اليوم "هيئة كبار العلماء في السعودية" وليس السلطات الرسمية.. ولكن هذه الآليات مكشوفة لصناع القرار، فالمؤسسة الدينية في السعودية هي أحد أذرع النظام وسبق أن عملت مع الإخوان لعشرات السنين عندما كان القرار السياسي باتجاه العمل مع الإخوان في ملفات دولية كبرى. 

لعل الأمر الذي لم تنتبه إليه المخابرات الفرنسية والسلطات القائمة فيها هي أن دور الإخوان في حملة المقاطعة هامشي وأن السعي إما لمزيد إضعافهم أو ابتزاز من يشارك في السلطة منهم لن يغير من الواقع شيئا بل سيزيد من قوة الحملة وتمددها. 

الجميع يعرف أن الحملة انطلقت بمبادرات فردية وتتواصل وتتمدد بدون توجيه مركزي والتأثير الكبير للحملة موجود في بلدان وشعوب غير مستعدة أن تخضع لإملاءات في قضية تمس عقيدتها ونبيها، وبالتالي فان الركض وراء أي مؤسسة دينية أو سلطات رسمية هو تعميق للأزمة وتبديد للجهود دون فائدة.

حملة المقاطعة شملت اليوم ثلث بلدان وشعوب العالم وأغلبيتهم الساحقة لم يسمعوا يوما بالإخوان ولا كبار علماء ولا مجلس مسلمي فرنسا فيصبح من العبث الديبلوماسي خلق معارك إضافية سوف تبقى تبعاتها ما بقيت الأنظمة الشمولية وملحقاتها الدينية.

تدرك السلطات الفرنسية ما يجب عليها فعله تجاه الإسلام والمسلمين ولكن هي تعرف أن ثمن ذلك مكلف انتخابيا ولا تجرؤ عليه وبالتالي سوف تتواصل المحاولات لتشتيت الاهتمامات والأولويات. 

الأمر الخطير أن خطاب الكراهية والازدراء الذي تمارسه هيئة كبار العلماء ضد الإخوان هذه الأيام هو مجرم بالقوانين الدولية وبالإمكان من هنا فصاعدا الملاحقة القانونية الدولية باعتبار ما يروجونه يستهدف مجموعة من الناس تحمل فكرا مخالفا، وتعطي هذه الحملة المسوغات والأدلة القانونية لأي ملاحقات دولية، وهذا ما كان ينقص من أدلة في السابق وهو ما اعتمده القضاء في جينيف لرفض شكوى طالت الشيخ السديس عند زيارته لجينيف سنة 2018.

نحذر مرة أخرى من الزج بالمؤسسات الدينية في الصراعات والخيارات السياسية وندعو لحل النزاعات على أرضية حكم القانون ومقياس العدالة أما ما دون ذلك فهو هراء واستثمار في الفراغ والوهم.