بدأت ملامح مرحلة جديدة تلوح في الأفق، بعد وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب.
ومع إعلان وسائل إعلام أمريكية فوز
المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة على نظيره الجمهوري الرئيس الحالي
ترامب، بدأ السودانيون يتساءلون بشأن مصير وعود الأخير التي لم يقرها الكونغرس
بعد.
وهذا الوضع الجديد، جعل حكومة الخرطوم
في وضع الترقب لما ستسفر عنه الفترة المقبلة، لا سيما أن الإدارة الأمريكية
الجديدة بطاقمها من الحزب الديمقراطي، ستكون سياستها مغايرة لسياسة الرئيس الجمهوري
ترامب.
ضغوط ترامب
وبحسب مراقبين، مارس ترامب خلال
الفترة الأخيرة من رئاسته ضغوطا على الخرطوم مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول
الراعية للإرهاب، بعد أن دفعت الخرطوم أموال تعويضات لضحايا المدمرة كول وتفجير
سفارتي نيروبي وتنزانيا.
كما أجبر ترامب الخرطوم، وفق
المراقبين، على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل مقابل رفع اسم السودان من قائمة
الإرهاب، على الرغم من تأكيدات الخرطوم بأن المسارين مختلفان بحسب المحللين.
في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
أعلنت وزارة الخارجية السودانية، أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات
مع إسرائيل، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سونا".
وفي اليوم نفسه، أعلن البيت الأبيض،
أن ترامب أبلغ الكونغرس، نيته رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي
أدرج عليها منذ عام 1993، لاستضافته آنذاك الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة أسامة بن
لادن.
اقرأ أيضا: مصر تعتقل سودانيين معارضين وتطالب الخرطوم تسليم مصريين
وبذلك أصبح السودان البلد العربي
الخامس الذي يوافق على تطبيع علاقاته مع إسرائيل، بعد مصر (1979)، والأردن (1994)،
والإمارات والبحرين (2020).
وعقب إعلان التطبيع، أعلنت قوى
سياسية سودانية عدة، رفضها القاطع للتطبيع مع إسرائيل، من بينها أحزاب مشاركة في
الائتلاف الحاكم.
مرحلة جديدة
سارع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح
البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس الوزراء عبدالله
حمدوك، بتهنئة بايدن ونائبته كاملا هاريس على الفوز في الانتخابات؛ أملا في علاقات
أفضل بين البلدين، ودعم أمريكي لاستقرار السودان.
وقال عضو مجلس السيادة شمس الدين
كباشي، في مقابلة مع إحدى الصحف المحلية؛ إن "أمريكا دولة مؤسسات، والقرار
التنفيذي الذي تم اتخاذه من الرئيس ترامب لا يمكن إلغاؤه بقرار تنفيذي آخر".
واعتبر كباشي، أن "من يحكم
أمريكا سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا، فإن السودان لدغ من الجانبين"، مضيفا: "لكننا الآن في حقبة سودان جديد ومختلف".
تراجع التطبيع
يرى الصحفي والكاتب السوداني المتخصص
في الشأن الأمريكي خالد عبد العزيز، أن "السياسة الأمريكية عامة
واستراتيجيتها في العلاقات الخارجية هي عمل مؤسسات الدولة".
ويقول عبد العزيز للأناضول: "لذلك لن يحدث تغيير في التعامل مع السودان، وقد تمضي الخطوات التي بدأها
ترامب في إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ لأن هذه علاقات بين
الدول وليس بين الأشخاص".
ويستدرك: "لكن، قد يقل حماس
الولايات المتحدة في ملف التطبيع بين السودان وإسرائيل ومن ثم يخف الضغط على
الخرطوم بهذا الشأن".
ويعتبر عبد العزير، أن
"الديمقراطيين يدعمون إسرائيل، لكن التطبيع من تجلياته أنه كان جزءا من الحملة
الانتخابية للرئيس ترامب".
ويلفت، إلى أن "المشجع
للمسؤولين السودانيين، أن الديمقراطيين يهتمون بأفريقيا بشكل أكبر من الجمهوريين
وإدارتهم، كما تجلى ذلك في فترة رئاسة دونالد ترامب".
اقرأ أيضا: السودان يعيش "دستورا متبدلا" منذ الاستقلال قبل 64 عاما
ويشير عبد العزيز، إلى أن
"جانبا آخر من العلاقات متوقع بين واشنطن والخرطوم".
ويقول بهذا الصدد: "سيكون هناك
ارتياح من الجانب المدني في الحكومة السودانية بالتعامل مع الإدارة الجديدة برئاسة
بايدن لأنها تنتهج أسلوب الحوار، وأكثر انفتاحا على دعم تجارب التحول الديمقراطي
في دول العالم الثالث".
ويردف عبد العزيز: "على عكس
المكون العسكري الذي يرى أن ترامب هو حليف له، وأنه كان أقرب في دعم السعودية
والإمارات اللتين كانت لهما صلات قوية بالجانب العسكري في الحكومة المدنية
السودانية".
قضايا أخرى في الطريق
يقول المحلل السياسي السوداني
عبدالله رزق للأناضول: "من المتوقع أن تمضي إدارة بايدن في تحسين العلاقات مع
السودان، وأن تسرع هذا في الاتجاه باستكمال إلغاء العقوبات المفروضة عليه كافة،
وتشطب اسمه من قائمة الإرهاب بتعاون وثيق من الجمهوريين في الكونغرس
الأمريكي".
ويوضح رزق أن "هذا يتسق مع
سياسة الوفاق الدولية التي يتوقع أن ينتهجها الرئيس بايدن، بعيدا عن نهج الحروب
الباردة وحروب النيابة ظلت تنتهجها إدارة ترامب".
ويضيف أن تلك الحروب "تأكد
فشلها منذ اضطرار الولايات المتحدة للانسحاب أمام الروس في الحرب بسوريا، والتراجع
عن شن حرب على إيران، والبحث عن بدائل للمواجهة مع كوريا الشمالية وفنزويلا
وغيرها، من البؤر الملتهبة".
إلا أن بعض المحللين يرون أنه حتى لو حظيت الخرطوم بعلاقات أفضل مع الولايات المتحدة برئاسة بايدن، فإن هناك قضايا
أخرى قابلة لأن تكون محل جذب وشد بين واشنطن والخرطوم، منها قضية "الجيش
السوداني في حرب اليمن".
هي قضية قابلة لأن تثار من الإدارة
الجديدة، سواء بالحوار أو ضغوط أمريكية تميل لسحب الجنود السودانيين من اليمن بحسب
المراقبين.
ويشارك السودان في حرب اليمن التي
تقودها السعودية والإمارات، منذ آذار/ مارس 2015،
وفي 8 كانون الأول/ ديسمبر 2019،
أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، أن العدد الحالي (حينها) للقوات
السودانية العاملة في اليمن، هو 5 آلاف.
وفي تصريحات صحفية عقب عودته من
واشنطن قال حمدوك؛ إن بلاده "بدأت سحب قواتها من اليمن تدريجيا"، وكشف
عن أن العدد "تقلص من 15 ألف جندي إلى 5 آلاف جندي".
اقرأ أيضا: السودان يتمسك بانسحاب "يوناميد".. ودخول "يونيتامس"
كما أن اكتمال ملف السلام في السودان، هو قضية أخرى ستكون حاضرة في ظل غياب حركتين أساسيتين من التوقيع على اتفاق السلام، "هي حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، والحركة الشعبية بقيادة مالك
عقار.
كل ذلك يشير، بحسب مراقبين سودانيين،
إلى أن العلاقات الأمريكية السودانية في ظل إدارة بايدن قابلة للتحرك سلبا وإيجابا
بحسب السياسة الأمريكية التي تنتهج تجاه الخرطوم، وذلك كفيل بأن يكون الترقب سيد
الموقف في الفترة المقبلة، التي ستتضح معالمها بعد 20 كانون الثاني/ يناير القادم، وهو موعد تنصيب الرئيس الجديد للبيت الأبيض.
في 3 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
وقعت الحكومة السودانية وممثلون عن "الجبهة الثورية" (حركات مسلحة)
اتفاقية سلام في جوبا، في غياب حركتي عبد الواحد نور والحلو.
وفي 2 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري،
اعتمد مجلسا السيادة والوزراء تعديلات للوثيقة باسم "الوثيقة الدستورية
للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020".
ومن أبرز التعديلات، تمديد المرحلة
الانتقالية نحو 14 شهرا، بحيث يبدأ حساب مدتها (39 شهرا) من تاريخ توقيع اتفاقية
جوبا، بعد أن كان حسابها للمدة نفسها، لكن منذ 21 آب/ أغسطس 2019.
3 أيام على الانتخابات | صراع تاريخي على "الشيوخ" وتوتر أمني
4 أيام على الانتخابات | ماذا يقول خبيران توقعا فوز ترامب عام 2016؟
هكذا تتباين سياسة ترامب وبايدن تجاه الشرق الأوسط