قضايا وآراء

ملامح الموقف الديني اليهودي من الأقصى وتطوراته منذ بداية عام 2020

1300x600

لم يكن موضوع الدخول إلى "المعبد" مطروحاً بهذا الشكل ضمن الدوائر الدينية اليهودية خلال الثلاثين عاماً، كما هو الحال في السنوات القليلة الماضية، ففي العقود الثلاثة الأخيرة، ظلت الفتوى الدينية لأبرز المرجعيات اليهودية من التيارات التقليدية هي نفسها من دون أي تغيير يذكر، وتقضي بعدم جواز دخول اليهود إلى الأقصى، لمقتضيات وشروطٍ دينيّة، لا يتسع المجال إلى ذكرها في هذا المقال، بل وتقوم بتأكيدها بشكلٍ متكرر وفي مناسبات عديدة.

تشريع اقتحام الأقصى، محاولات اختراق الفتوى الدينيّة الرسمية

أما على الجانب الآخر، يحاول تيارٌ من اليمين القومي اختراق هذه الفتاوى، ويعمل هذا التيار على حشد مواقف حاخاماته غير التقليديين وهم من غير الأرثوذكس، في سبيل إقرار رأي دينيّ يسمح باقتحام الأقصى، بل ويحضّ الجماهير اليهوديّة على المشاركة فيه. وعلى الرغم من عدم تحقيق هذا التيار لأي اختراق في أصل مبدأ المنع، لكنه استطاع تحقيق إنجازات ملحوظة في تبني خطابه سياسياً، ووصول شخصيات إسرائيلية إلى دوائر صناعة القرار تدعم اقتحام اليهود للمسجد الأقصى، إضافةً إلى دفعها الحاخامية التقليديّة إلى تخفيض حدة رفضها فكرة "دخول اليهود إلى المعبد"، فقد أصحبت الأخيرة تداهن "منظمات المعبد"، وتقدم خطاباً حقوقياً إلى حد ما، يقدم فكرة مساواة المسلمين مع اليهود بالدخول إلى المسجد، مع الإبقاء على الفتوى الرسمية، وهو ما ظهر جلياً في عام 2015 عند تغيير اليافطة الحاخامية الموجودة أمام باب المغاربة المحتل، إذ تضمن النص العبري أنه "يمنع اليهود الذين لم يتطهروا من دخول المكان"، مع بقاء نصها الإنجليزي على حاله بأن قانون التوراة يمنع الدخول إلى منطقة "المعبد" منعاً باتاً، مع التأكيد على أن خلاف التيارين هو خلاف حول الشروط الدينية للدخول إلى "المعبد"، وليس عن فكرة بناء "المعبد" مكان الأقصى، فلا خلاف بين التيارات اليهوديّة حول هذه النقطة.

محاولة جديدة لاختراق فتوى منع دخول الأقصى في 2020

حاولت "منظمات المعبد" حشد طاقاتها لتسجيل اقتحامات كبيرة للأقصى في أول موسم لاقتحام المسجد بعد مدة من إغلاقه بسبب جائحة كورونا، وأعادت البحث في موضوع فتوى التحريم. ففي 9 تموز/ يوليو 2020 نشرت هذه المنظمات رسالة وقعها 60 حاخاماً، تُجيز وتحث على استباحة المسجد الأقصى واقتحامه، وكان من بين الحاخامات الذين وقعوا الرسالة الحاخام ناحوم رابينوفيتش، رئيس مدرسة "بركات موسى" الدينية الاستيطانية في معاليه أدوميم، والذي كان قد وقعها قبل وفاته في شهر أيار/ مايو 2020، ووقعها عددٌ من تلاميذ الحاخام زفي كوك، والحاخام يسرائيل أريئيل، أحد الحاخامات الأساسيين القائمين على إعادة إحياء مجلس القضاء الحاخامي "السنهدرين"، والحاخام إليعازر والدمان، رئيس مدرسة نير الدينية في مستوطنة كريات أربع في الخليل، والحاخام تسيفانيا دروري، رئيس مدرسة روش الدينية في كريات شمونة شمال فلسطين المحتلة.

محاولة تقديم قرابين "الفصح العبري" في الأقصى

يشكل تقديم قرابين "عيد الفصح" العبري أبرز ما تقوم به "منظمات المعبد" في إطار تحويل المطالبة بإقامة الطقوس التلموديّة إلى أمرٍ واقع، خاصة محاولاتها الحثيثة في السنوات الماضية إلى الاقتراب أكثر وأكثر من المسجد الأقصى، في محاولة لتقديم هذه القرابين داخله. ففي موسم "عيد الفصح" في عام 2018، استطاعت "جماعات المعبد" تقديم قرابين الفصح في أقرب نقطة من المسجد الأقصى، إذ ذبحت القرابين في منطقة القصور الأموية جنوب سور المسجد الأقصى، واستقدمت حينها المذبح الحجري الذي بني ونصب في مستوطنة "إلكانا" في سلفيت لإتمام هذه الطقوس التلمودية.

وقبيل موسم "الفصح العبري عام 2020"، أرسل مجلس القضاء الحاخامي "السنهدرين" رسالة إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، يطالب فيها بتقديم قرابين الفصح داخل الأقصى. وبحسب "السنهدرين" فإن "إحضار المذبح إلى الأقصى، تتوافق تماماً مع صفقة القرن التي أعلنها الرئيس ترامب، واعترفت بسيادة الاحتلال الإسرائيلي الكاملة على الموقع"، في محاولة للاستفادة من الظروف الإقليمية لتحقيق قفزات في الاعتداء على الأقصى.

وعلى إثر هذه الرسالة، أرسل الحاخامات رسالة أخرى بعدها بعشرين يوماً، إلى كلٍ من نتنياهو وترامب، ضمنوها ضرورة تقديم قرابين الفصح داخل الأقصى. وقد لفتت مصادر متابعة أن حكومة الاحتلال قبلت للمرة الأولى النظر في هذا الطلب، وجاء رفض الطلب على خلفية الإجراءات الصحية للوقاية من الوباء وإغلاق الأقصى، ما يفتح الباب أمام طلبات مشابهة في مواسم "الفصح" القادمة.

إقامة المعبد علاج فيروس كورونا

أوردنا في مقالات سابقة تلطي الاحتلال خلف كورونا لتحقيق المزيد من التهويد في الأقصى وفي محيطه، ووصلت استفادة أذرع الاحتلال منه إلى جعل إقامة "المعبد" العلاج المثالي لانتشار الفيروس في العالم. ففي الرسالة التي أوردناها آنفاً يورد "السنهدرين" هذه العبارات: "لقد صنفنا وباء "كوفيد-19" باعتباره طاعوناً للعصر الحديث.. ولقد رفع الرب الطاعون عن شعبه مرتين، الأولى عندما قدم قربان الفصح في مصر، والثانية عندما قدمه الملك داود في القدس".

وأضافت الرسالة: "هذه المرة يمكن أن نوقف طاعون العصر الحديث بتجديد أعمال المعبد بعد 2000 عام من توقفها"، وهي عبارات بالغة الدلالة عن قدرة الاحتلال وأذرعه تطويع أي أحداثٍ لفرض أجنداتها التهويديّة، والترويج لرواياتها المزعومة.

ولم تقف هذه المحاولات عند رسالة مجلس حاخامات "السنهدريم"، فقد صرح الحاخام أرييه ليبو بأن "كورونا تعني التاج في كل اللغات"، وأن "هذا الوباء جاء ليذكرنا بأن التاج الحقيقي للعالم مفقود"، والحل بحسب ليبو هو إعادة بناء "المعبد" لحماية العالم من كورونا"، فيقول: "المعبد في القدس هو التاج.. التاج الذي سيحمي العالم من كورونا".

أخيراً، يعد التوجه الديني مظلة لأي أعمال تهويديّة تقوم بها أذرع الاحتلال في القدس والأقصى، وتشير المعطيات السالفة في هذا المقال، إلى أن تضافر جهود مؤسسات الاحتلال وأذرعه، هو العامل الأبرز الذي يسمح له بالمضي قدماً في مشروع التهويد، ما يضع المؤسسات العاملة للقدس وجماهير الأمة أمام ضرورة حشد طاقاتها وجهودها لعرقلة مشاريع الاحتلال، وتثبيت المقدسيين في الأقصى ومحيطه على أقل تقدير.
___________
المراجع:

- عين على الأقصى، التقرير الرابع عشر.

- موقع مدينة القدس، 15/7/2020.

- الجزيرة نت، 24/1/2015.

- موقع (Breaking Israel News)، 31/3/2020