تطرح الجرائم التي وقعت في العديد من الدول
العربية مؤخرا، وراح ضحيتها أطفال وفتيات، على يد عصابات مقيد بحثها مئات القضايا
والسوابق الجرمية، تساؤلات بشأن مدى قدرات الأمن في تلك الدول على ضبط هذه
التشكيلات، وسبل معالجتها، في ضوء اتهامها بغض الطرف عنها لاستخدامها ضد المعارضين
في لحظة ما.
وأثارت تلك الجرائم، غضب العديد من الشوارع
العربية، وطالب العديد منهم بتغيير القوانين السارية، وتشديدها على أصحاب الجرم
المتكرر، وممتهني الإجرام، وإبقائهم أطول فترات في السجون، لضمان تخلص المجتمع
منهم أو تقديمهم لبرامج تأهيل حقيقية تصلح سلوكهم.
وأصدر حزب جبهة العمل
الإسلامي في الأردن، بيانا عقب جريمة الزرقاء، التي هزت الشارع الأردني، والتي
بترت فيها يدا طفل في السادسة عشر من عمره، وفقِأت عيناه، والذي دعا فيه إلى ضرورة
وقف السياسات الحكومية، القائمة على إبعاد الإسلاميين والمصلحين عن المنابر في
المساجد والجامعات وغيرها من المؤسسات المعنية بالتوجيه والتوعية المجتمعية.
وشدد الحزب على ضرورة "وقف
التضييق على المؤسسات التربوية والدينية، التي تساهم في تنشئة جيل يتسم بالوعي
والقيم الإسلامية والانتماء لدينه ووطنه، وبناء برنامج وطني جامع
يعالج جذور وأسباب تفاقم انتشار الجريمة وذلك بالتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني".
اقرأ أيضا: غضب في الأردن بعد جريمة مروعة بحق طفل
وأكد على التوقف عن النهج الذي مارسته بعض الأطراف، التي كانت تستند إلى أرباب السوابق في مواجهة
المطالبين بالإصلاح، أو تمرير مصالح شخصية مما فاقم من حجم هذه الظاهرة وانعكس
ذلك على ارتفاع معدلات الجريمة وانتشار المخدرات في المجتمع مما كان له تداعيات
خطيرة على النسيج المجتمعي.
وأشار البيان إلى "ضرورة
أن يتم تكريس ثقافة مجتمعية تعزز الفضيلة، والقيم العربية والإسلامية في مواجهة
الظواهر الإجرامية والدخيلة عليه والتي ساهم في تعزيزها ما يسمى بالمنتج الفني
الذي يمجد ظواهر البلطجة والجريمة، وتعاطي المخدرات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".
الانشغال بالمعارضة عن الجريمة
المدير الإقليمي
للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مصطفى عزب، قال إن ملف السوابق الجرمية، مرتبط بشكل وثيق بالسلطات الأمنية
في الدول، ولو كانت هناك إرادة للقضاء عليه، فالوسائل الناعمة والخشنة المشروعة
موجودة ومتوفرة، سواء عبر التأهيل الاجتماعي والثقافي، أو عبر قوة وسلطة القانون
والأمن.
وقال عزب لـ"عربي21" إن أجهزة
الأمن، من أهم واجباتها بسط الهدوء والطمأنينة في المجتمع، ووأد عالم الجريمة
والظواهر الإجرامية، لكن ما يحصل أن هذه الأجهزة في كثير من الدول العربية،
"تعمل أداة لمقع المعارضين، وفي المقابل لا تبذل الجهد المطلوب منها في إنهاء
بؤر الإجرام".
وأضاف: "الأمن ينشغل في حصار تحركات
المعارضة، والحراكات الجماهيرية، بل ويستعين بالخارجين عن القانون لتنفيذ هذه
المهمة للخروج أمام العالم والمنظمات الحقوقية، بسردية وجود موالاة ومعارضة في
الشارع ووقوع صدامات بينهما، للهروب من الانتقادات الدولية".
ولفت عزب إلى أن في الكثير من الحالات، تخرج
هذه العصابات الجرمية، عن السيطرة، ويصعب التحكم بها، بعد أن كانت أداة
لـ"بعض المهام القذرة التي تريد الأنظمة القيام بها، لذلك تقوم بممارسة
عملياتها الإجرامية خارج الإطار المطلوب منها، وتتفاقم لتثير غضبا مجتمعيا عارما
يهدد النظام نفسه".
وشدد على أهمية أن تدرس أجهزة الأمن، خلفيات
الجرائم التي تقع في الدول، سواء على خلفيات سياسية أم قبائلية أم اجتماعية، لكن
الواضح أنه تم الانشغال بأمور أخرى مثل دعم الحزب الفلاني ضد الآخر، وتحسين فرص وصول
بعض المنتفعين للسلطة، والابتعاد عن الوظيفة الحقيقية لها.
وعلى الصعيد الحقوقي، أشار عزب إلى أن السجون
تعد أحد أبرز المواقع التي "تفرخ المجرمين المحترفين"، وقال: "بعض
الأشخاص يدخلون السجون بجنح بسيطة، ويمكن إصلاح أحوالهم وتأهيلهم، لكنهم يدمجون مع
كبار المجرمين، وبالتالي يفرج عنهم وقد احترفوا الجريمة".
متتالية الديكتاتورية
وأوضح أن هناك إحصائيات تشير إلى أن كثيرا من
العمليات الإجرامية، يجري التخطيط لها داخل السجون، وتنفذ في الخارج.
من جانبه قال الكاتب والباحث سعد وفائي، إن
"قطاع الإجرام" في العالم العربي، "مفاتيحه تتواجد بيد أجهزة
الأمن، وهم جزء من منظومات الفساد التي تحكم".
وأشار وفائي لـ"عربي21" إلى أن
"العالم السفلي، من عصابات تسول ومخدرات وتجارة بالبشر والأعضاء، كلها ملفات
مكشوفة للأمن ومعروفة، وتطلق أيديها بصورة مبرمجة، لأنها تجلب المصلحة لمنظومة
الفساد".
وأضاف: "العصابات ملف موضوع على الرف،
يخرج وقت الحاجة" مشيرا إلى أن النظام السوري، قمع التظاهرات في بدايتها،
بواسطة أرباب السوابق والمجرمين، قبل أن يفشل ويستعين بالجيش، وفي دول عربية أخرى،
لا ترى العصابات الإجرامية في الشوارع سوى فترة الانتخابات، لدعم مرشحي الأنظمة،
وعرقلة المعارضين والإضرار بهم.
ولفت وفائي إلى "التشاركية والمصلحة
المتبادلة بين النظم الأمنية والعالم السفلي، بفعل المتتالية الديكتاتورية التي
تجلب الفقر، والفساد الإداري، والتي تفتح الباب للكسب غير الشرعي، وبالتالي تحصيل
الثراء".
وأضاف: "روى لي عميد منشق عن جهاز شرطة
عربي، أن أول ملف كان يجب الاطلاع عليه، عند تسلمنا قيادة المراكز الأمنية، هو
شبكات الدعارة والمجرمين، كونها شبكات تدر الأموال وتشبه بئر البترول، ويجب
التعاون مع العاملين فيها".
"فتى الزرقاء" يدق ناقوس خطر أصحاب السوابق في الأردن