ملفات وتقارير

"عربي21" تقرأ خريطة المؤيدين والرافضين لدستور الجزائر الجديد

ثُبّتت في الشارع لافتات تروّج لأهمية موعد استفتاء الدستور وتدعو المواطنين للإدلاء بأصواتهم- الأناضول

أقفلت الحملة الانتخابية للاستفتاء على الدستور في الجزائر، أسبوعها الأول، في ظل إقبال محتشم للمواطنين على التجمعات المنظمة التي اقتصرت عموما على الداعين للتصويت بـ"نعم" على الدستور.

وانتقل الجزء الأكبر من الحملة الانتخابية، إلى شاشات التلفزيون العمومي والخاص، من خلال عرض فقرات عن المواد الجديدة التي حملها الدستور وأحيانا نقاشات حذرة بين المؤيدين له والرافضين.

وثُبّتت في الشارع لافتات تروّج لأهمية موعد استفتاء الدستور وتدعو المواطنين للإدلاء بأصواتهم، كما صُمّمت صور دعائية تقارن بين نوفمبر 1954 الذي تعتبره تاريخ بداية التحرر من الاستعمار الفرنسي وبين نوفمبر 2020 بوصفه موعد التغيير.

ووجدت الأحزاب والشخصيات التي كانت في عين إعصار الحراك الشعبي منذ نحو سنتين، في الحملة الانتخابية وسيلة لإعادة الظهور سياسيا وإعلاميا من خلال إعلان دعمها لمشروع الدستور.

الموالاة تعود

وظهر لأول مرة في تجمعات شعبية، الطيب زيتوني الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، وفيلالي غويني رئيس حركة الإصلاح الوطني، وأبو الفضل بعجي الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، وفاطمة الزهراء زرواطي رئيسة حزب تجمع أمل الجزائر.

وتعتبر الأحزاب السالفة الذكر، من أبرز داعمي العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والتي أسقطها الحراك الشعبي للجزائريين، كما أن علاقتها بالرئيس الحالي عبد المجيد تبون ليست قوية بدليل عدم استقبال أي من مسؤوليها منذ بداية توليه الحكم.

وينشط في الحملة الانتخابية من الداعمين للمشروع، رئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد بالإضافة إلى رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، وهما منافسا الرئيس الحالي عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية الماضية.

ومن جانب المسؤولين الحاليين، برز في تنشيط الحملة مستشار رئيس الجمهورية المكلف بالمجتمع المدني والجالية نزيه برمضان، ووزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي.

أما صاحب المشروع الرئيس عبد المجيد تبون، فوجّه خطابا من مقر وزارة الدفاع الوطني، يشرح فيه مزايا الدستور الجديد وتمسكه بالهوية الوطنية ودعا المواطنين للمشاركة القوية للتعبير عن رأيهم.

ومن المنظمات الجماهيرية، تصدر المشهد القائد العام للكشافة الإسلامية الجزائرية عبد الرحمن حمزاوي، والأمين العام للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين خالفة مبارك، والأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، محمد عليوي، وهو الذي اشتهر بتصريحاته الداعمة للرئيس السابق.

 

المؤيدون

ويقدم المؤيدون لمشروع الدستور حججا لإقناع المصوتين، وفق ما رصدته "عربي21" من التجمعات، ومنها قولهم إن الوثيقة النهائية تضمن "احترام كل الحريات الفردية والجماعية والجمعوية"، و"تكريسه مبدأ التداول على السلطة من خلال تحديد العهدات وغلق الباب نهائيا أمام تسلط الحكم الفردي"، و"اعتماده أحقية الأغلبية النيابية في المشاركة الفعلية في الحكومة".

كما يتردد كلام عام حول أن الدستور المقبل، يعد "الخطوة الأولى للوصول إلى مفهوم الجزائر الجديدة"، و"يمكن من إصلاح المنظومة السياسية" باعتبارها "الأرضية الرئيسية نحو إصلاح مجتمعي واقتصادي".

أما الأحزاب الإسلامية المؤيدة للمشروع، فبدأت بالتصدي للخطاب الرافض للدستور من منطلق ديني، وهو دور يقوم به فيلالي غويني رئيس حركة الإصلاح الذي قال إن "هناك من يخيف الشعب الجزائري من وثيقة الدستور ويرمي بعض الشبهات التي هي غير موجودة أصلا في محتوى هذا التعديل".

أما الرافضون لمشروع الدستور، فتبدو فضاءات التعبير أمامهم شحيحة، أمام الشروط الكثيرة التي اعتمدتها السلطة الوطنية للانتخابات، ويفضل أغلبهم مخاطبة الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الرافضون

ومن على صفحته على "فيسبوك"، يطل باستمرار رئيس جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، لتوجيه انتقاد شديد لمشروع الدستور الذي يعتبره هادما للثوابت الوطنية ومن أسوأ الابتلاءات في تاريخ الجزائر.


أما رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، فيوجه من حين لآخر رسائل سياسية عبر "فيسبوك" و"تويتر"، رفضا لمحتوى الدستور وتحذيرا مما يعتبره التيار العلماني الذي يسعى للسيطرة عبر هذه الوثيقة.

وقال القيادي في حركة مجتمع السلم ناصر حمدادوش إن تشكيلته السياسية قدّمت طلبا إلى السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات للحصول على الرخصة للسماح بالقيام بحملة حول الاستفتاء، وفق قرارها التصويت بـ" لا"، لكنها لم تتلق إلى الآن أي ردّ.

وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي21" أن هذا الواقع "لا يمنعنا من الترويج لموقفنا ودعوة الشعب الجزائري للتصويت بـ"لا" عبر مختلف الوسائل والوسائط الإعلامية المتاحة".

وسجّل النائب في البرلمان، وجود حالة غلق ممنهج لمختلف وسائل الإعلام العمومية والخاصّة في وجه الرافضين لهذا الدستور، وخاصة الإعلام العمومي الذي تحوّل إلى إعلام حكومي يقصي الرأي الآخر، وهو ما يفضح، حسبه، دعاوى السلطة الجديدة حول الحرية والديمقراطية ومطالب الحراك، ومنها: تحرير الجميع، وعلى رأس هذه الحرية: حرية الرأي والتعبير.

المقاطعون

أما المقاطعون للاستفتاء، فيظهرون لا مبالاتهم بهذا الموعد، عبر رفض أي نقاش يخص موعد الدستور، والتركيز على واقع الحقوق والحريات السياسية والإعلامية والنقابية في البلاد.

ويبرز من هؤلاء قوى البديل الديمقراطي، التي نظمت قبل يومين ندوة بعنوان "يوم الدفاع عن الحريات"، حضرها حقوقيون وسياسيون ونقابيون وسجناء رأي سابقون، رسموا واقعا أسود عن الوضع الحقوقي في البلاد.

ويعتبر المقاطعون للاستفتاء، أن السلطة تحاول من وراء تمرير هذا الدستور الحصول على شرعية جديدة، في إطار إعادة تجديد النظام السياسي بعد الحراك الشعبي الذي رفع مطالب التغيير الحقيقي.

وبعيدا عن القوى المنظمة، يبدو الاهتمام الشعبي محدودا إذا ما تم قياسه بضعف الإقبال على حضور التجمعات، وذلك لأسباب سياسية تتعلق بمن حسموا موقفهم مسبقا بالرفض أو مقاطعة للاستفتاء، أو صحية تنطلق من مخاوف العدوى بفيروس كورونا الذي لا زالت السلطات تدعو للوقاية منه.

فتور الشارع

وترى أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر لويزة آيت حمداوش، أن موقف المواطنين من الحملة الانتخابية مبرر نتيجة أسباب وعوامل هيكلية وظرفية في نفس الوقت.

وعلى المستوى الهيكلي، تقول آيت حمداوش، في تصريح لـ"عربي21" إنه "من السذاجة انتظار اندماج المواطنين في عملية سياسية طالما بقيت أزمة الثقة حادة، والقدرة على ممارسة الحريات الفردية محدودة، وإمكانية التأثير على محتوى النص غير متوفرة".

وأضافت: "إن عدم حل أزمة الثقة جعل السلطة القائمة لا تسمح بمشاركة شعبية فعلية في صياغة الدستور، مما نتج عنه رد الفعل المتمثل في عدم المبالاة".

أما على المستوى الظرفي، فتشرح آيت حمداوش أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي أنتج عوامل تجعل قضية الدستور في آخر الأولويات، ناهيك عن أن الشريحة المؤهلة طبيعيا للاهتمام به، أي الأحزاب السياسية والمناضلين والنشطاء والإعلاميين والجامعيين، تم التعامل معهم بطريقة ثنائية، عبر دمج المؤيدين وتهميش المنتقدين.

 

اقرأ أيضا: "نوفمبر 2020 التغيير".. بدء فترة الدعاية للاستفتاء بالجزائر