عقد مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية ندوة "التيار الإسلامي والمستقبل". وقد بنيت الندوة على أساس التحليل الرباعي للتيار الإسلامي ومكوناته، من حيث أهم نقاط القوة التي يتمتع بها، وأخطر نقاط الضعف التي يعاني منها، ثم الفرص التي تتوفر له، وكذا المخاطر والتهديدات التي تحيط به، وذلك مع إطلالة على سيناريوهات
المستقبل التي تنتظره، وخاصة في الدول التي ينشط فيها.
وقد شارك في الندوة عدد من العلماء والمفكرين المعنيين بالتيار الإسلامي ومستقبله.. وقد افتتح الندوة الدكتور محمد الصغير، مستشار وزير الأوقاف المصري في ولاية الدكتور محمد مرسي - رحمة الله عليه - وعضو مجلسي الشعب والشورى في الحقبة نفسها، وهو من علماء الأزهر الشريف، فتناول الحديث عن أهم نقاط القوة التي يتمتع بها التيار الإسلامي، وقد أجملها في التالي:
1. كل مَن انتسب للتيار الإسلامي يعتبر ذلك مسؤولية عظيمة، ودافعا كبيرا من أجل تحقيق أهدافه.
2. تعدد مدارس هذا التيار هي ميزة يتمتع بها، وتساهم في وفرة منتسبيه على اختلاف الأفكار بينهم وتنوعها.
3. منتسبو هذا التيار يتحلون بالقدرة على بذل التضحيات، حيث إن معظمهم ينطلق من منطلقات عقدية تشجعهم على التضحية بالنفس والمال من أجل ما يعتقدونه.
4. الروابط بين أبناء التيار الإسلامي قوية للغاية، وذلك في إطار ما يعرف بالأخوة المقدسة فيما بينهم، كما أنهم مؤهلون للعمل بأقل الإمكانات، بل إن معظم عملهم يأتي تطوعيا.
5. المحن التي مر بها منتسبو التيار الإسلامي في مختلف البلدان جعلت عودهم صلبا، خاصة مع تطبيقهم مبدأ الاحتساب والصبر على البلاء. ولكن هذه النقطة يجب أن توضع في موضعها الصحيح، بحيث تكون دائما وسيلة لبلوغ الأهداف، وليست هدفا في حد ذاتها.
6. الدور الفاعل الذي تؤديه المرأة في هذا التيار وحيويته الشديدة، على العكس مما يثار دائما من أن التيار الإسلامي يهمش المرأة.
ثم انتقل الحديث إلى أخطر نقاط الضعف التي يعاني منها التيار الإسلامي، وتناولها الدكتور جاسم سلطان الكاتب والمفكر القطري الذي يشتغل منذ ثلاثة عقود ونيف على قضية النهضة في الأمة الإسلامية، وله أكثر من ثمانية عشر مؤلفا في هذا الموضوع، وعمل مستشارا للعديد من المؤسسات الحكومية والخاصة، ويرأس حاليا مركز الوجدان الحضاري، ويشرف على موقع "nahda.org". وقد أجمل حديثه في النقاط التالية:
1- يعيب التيار الإسلامي رفع الاجتهاد البشري إلى مستوى المقدس، بالرغم من أن المقدس هو النص فقط، وقد لا تجد اعترافا بالتقديس لدى بعض أبناء التيار بالرغم من ممارستهم له كسلوك واقعي.
2- حيرة الإنسان المسلم في إيجاد المرجعية الصحيحة لممارساته الآنية، فبدأ بمدرسة الإصلاح أو الإحياء؛ وهي محاولة إحياء القديم ومحاولة إنزاله كما هو على واقعنا الحالي، باعتباره هو المخرج الوحيد، ثم جاءت مدرسة التجديد بمعنى محاولة إيجاد مثال قديم لكل ما هو جديد، مثل محاولة إيجاد تجربة مشابهة للبرلمانات الحديثة في ماضينا حتى يمكن أن تنال شرعية الوجود، بينما يعجز الفكر الإسلامي إلى الآن عن إيجاد اجتهادات جديدة تناسب واقعنا، حتى وإن لم يكن لها أصول سابقة في ماضينا.
3- عجز التيار الإسلامي عن تطوير "الابتلاء" إلى "الاعتبار"، فيتوقف دائما عند قيمة الابتلاء، ولا يعبر إلى قيمة الاعتبار التي من شأنها أن تحول تجارب الفشل إلى دافع للنجاح.
4- عدم التعامل مع المختلف بعقلية نفعية، فلا يجب النظر إليه دائما على كونه عدوا وحسب، ولكن يجب أن ينظر التيار الإسلامي إلى المختلف باعتباره مرآة للأخطاء ووجهة ناقدة تظهر له نقاط الضعف.
5- نسيان البعد الأخلاقي عند حدوث الاختلافات، واستباحة كل المحرمات من كذب وبهتان وغيبة وتكفير وتفسيق لدى بعض المنتمين للتيار، وبما يخالف قواعده وأصوله بالكلية.
6- الاستشهاد بحوادث قديمة تخص شواهد حضارية مخصوصة بزمان ومكان معين على حوادث هذا الزمان، مثل محاولة إنزال الأحكام التي كانت تحكم مدينة مثل بغداد في عصر الخلافة العباسية على مدن مثل القاهرة ودمشق في زمننا الحالي.
7- عدم الانتباه إلى التأثير المتشابك الذي يحكم شكل الحياة في يومنا هذا، وذلك باعتبار التيار الإسلامي له قداسة تمنع من انطباق أحكام هذا الزمان عليه.
8- عدم اعتماد رسالة الكونية في التعامل مع العالم، بالرغم من أنها أصل إسلامي كما جاء في قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ولكن بدلا من ذلك حدث تمسك برسالة ذاتية منغلقة، والغفلة عن التشارك مع العالم في القيم الكونية العابرة للانتماءات.
9- عدم السعي من أجل إنشاء حلف للفضول بدلا من الاكتفاء فقط بحرب حلف الفجار، والإصرار على بناء القلاع بدلا من مد الجسور، واعتبار العالم أجمع عدوا، وإهمال قيمة التعارف مع القوى التي تأمر بالقسط في كل المجتمعات، وهي موجودة لا شك في ذلك.
وبعد الانتهاء من مناقشة نقاط الضعف والقوة داخل التيار الإسلامي، تم استعراض الفرص والتهديدات التي تحيط بالتيار، فتحدث عن الفرص السانحة المهندس عبد الرحيم شيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح في المغرب والمستشار السابق لرئيس الحكومة المغربية ما بين عامي 2012 و2105، وأوجز تلك الفرص في نقاط هي كالتالي:
1- "فرص الفشل"، حيث أوضح أن بعض التجارب الفاشلة التي مر بها التيار الإسلامي هي في حد ذاتها فرصة لدراسة وتطوير هذه التجارب، بحيث تتحول من الفشل إلى النجاح. أيضا فشل الثورات المضادة بعد استيلائها على الحكم في بعض البلدان، هو فرصة للتيار الإسلامي كي يستعيد ثقة الجماهير ودعمها، بعد أن تبين لهم فشل المنافس للتيار الإسلامي فشلا ذريعا.
2- "فرص النجاح"، حيث إن تجارب النجاح ولو جزئية تصلح كمصدر لتحقيق مزيد من النجاحات واستكمالها حتى تصل للمستوى والهدف المرغوب.
3- مرور العالم أجمع بموجة عاتية من ازدياد الطلب على الحريات، حتى ولو جاوزت حدود المعقول في بعض النماذج، ولكن هي فرصة إذا ما أحسن استغلالها.
4- صمود "مؤسسة الأسرة" داخل التيار الإسلامي إلى حد كبير، بما تمثله من حصن يصد الهجمات الشرسة عليه، ويستعيد من خلاله التيار قوته وحضوره.
5- التحول والثورة الرقمية التي يشهدها العالم فتحت آفاقا جديدة للوصول إلى الجماهير، وامتلاك أدوات إعلامية وتوجيهية خطيرة، يجب إجادة التعامل معها.
6- المخاض الدولي الحالي ونذر تغير المشهد السياسي العالمي بما يخلق فرصا لبزوغ قوى جديدة، وإعادة تموضع للقوى الحالية، وهي فرصة أمام التيار الإسلامي لا شك في ذلك.
ثم انتقل الحوار إلى التهديدات التي تحيط بالتيار الإسلامي، وتحدث عنها د. فرنسوا بورغا أستاذ العلوم السياسية الفرنسي والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، وقد لخص هذه التهديدات في أربع نقاط رئيسية، هي:
1. معاناة التيار الإسلامي من خلط شديد متعمد أو غير متعمد في تحديد معنى المصطلح ومكوناته. فعلى سبيل المثال، تنظيم الدولة وحزب النور وجماعة الإخوان، كل ذلك يُطلق عليه التيار الإسلامي، بالرغم من التباين والاختلاف الشديد بين كل مكون منهم والآخر، ورغبة البعض في التعامل مع كل هذه التيارات معاملة واحدة على أساس أنهم جميعا تيار إسلامي.
2. اختلال ميزان القوة بشدة في الوقت الحالي بين التيار الإسلامي من جهة ومن يعادونه من جهة، بل نستطيع القول إن الخلل الحادث حاليا لم يسبق له مثيل، حتى في ما قبل ثورة يناير 2011 وثورات الربيع العربي.
3. التهديدات والمشاكل الداخلية التي يعاني منها التيار وربما في داخل الكيان الواحد، وعدم تحلي بعض مكونات التيار بالقيم والمبادئ التي لا تحترمها الأنظمة الحاكمة، والتي من المفترض أن التيار الإسلامي يقدم نفسه كبديل يحترم هذه القيم والمبادئ ويعمل بها.
4. وجود حالة عامة من الحقد الشديد والرغبة في العدوان على التيار الإسلامي على مستوى العالم، تتخذ من الإسلاموفوبيا منطلقا لها، وتلاقي مصالح هذه القوى مع مصالح النظم الدكتاتورية التي تحكم في العالم الإسلامي، واتحاد رغبة كليهما في القضاء على التيار الإسلامي، حتى نجد دولة مثل الإمارات العربية تبذل جهودا وتنفق أموالا من أجل تأجيج مشاعر الإسلاموفوبيا في الغرب.
وبعد الانتهاء من عناصر التحليل الرباعي للتيار الإسلامي، كانت الخاتمة مع تصور لمستقبل هذا التيار. وقد استعرض هذه النقطة د. إدريس ربوح، مسؤول العلاقات الأفريقية في مجلس التعاون الأفروآسيوي والقيادي السابق بحركة حركة مجتمع السلم (حمس) الجزائرية، والكاتب المحلل السياسي، الذي أوجز هذا التصور في نقاط كالتالي:
1- المستقبل مرهون بعملية إجراء مراجعات لتجارب التيار الإسلامي على مستوى كل قطر وكل مكون من مكوناته.
2- هناك تجارب تحتاج إلى مراجعات من أجل تثبيت أقدامها وتحقيق مزيد من النجاحات في مجتمعاتها، وتحسين قدرتها على مواجهة الهجمات التي تتعرض لها.
3- وهناك تجارب تحتاج إلى مراجعات قد ينتج عنها تغيير كلي في الاستراتيجيات والأهداف، وهذا ليس بمستبعد ولا مكروه، وخاصة في التجارب التي كانت قد انتهجت الصدام في مرحلة سابقة من مراحلها.
4- يجب مراعاة الفروق الذاتية وأيضا الخصوصية الزمانية والمكانية لكل تجربة، فليس بالضرورة اعتماد طريق أو شكل واحد محدد يعمم على كل التجارب.
5- يجب العمل على الالتحام مع التيارات الوطنية الأخرى في كل قُطر، وعدم التقوقع والانعزال.
6- المشهد الدولي يؤهل لحدوث بعض التوازن بين موازين القوى العالمية، بما قد يساهم في إيجاد فرص مستقبلية للتيار الإسلامي.
7- بقدر ما يتحقق الصمود على الساحة الفلسطينية بقدر ما يؤثر ذلك إيجابيا على التيار الإسلامي بأسره، حيث يعد هو التيار الرئيس الحامل لعبء ومسؤولية هذه القضية، ومستقبله مرتهن بصورة كبيرة بإبقاء القضية الفلسطينية حية وعلى رأس أولويات الأمة الإسلامية.
وفي ختام الندوة التي تشرفت بإدارتها، أكدت أن التيار الإسلامي واحد من أهم التيارات الفاعلة في حياة الأمة ماضيها وحاضرها ومستقبلها، تقع على كاهله مسؤوليات عظيمة تحتم عليه توظيف كوادره وإمكاناته من أجل صد الهجمة الشعواء التي يتعرض لها، ووضع الخطط والاستراتيجيات المبنية على أسس علمية حديثة، والتي تكفل له العودة إلى المشهد واستعادة حيويته وحضوره، وإثبات حضوره على الأجندات المحلية والإقليمية والدولية، وذلك عن طريق تعظيم نقاط القوة التي يتمتع بها، وتلافي نقاط الضعف التي يعاني منها ومعالجتها.
ويأتي ذلك في إطار استشعار مدى اختلال التوازن الذي عانت منه أوجه الحياة المختلفة في منطقتنا، وخاصة السياسية بعد محاولة تغييب التيار الإسلامي عن المشهد، فنتج عن ذلك سباق تطبيعي هيستيري، ونزعات دكتاتورية متطرفة، ومجالس نيابية هزلية، وحكومات هي مجرد أطقم سكرتارية للحاكم بأمره، وشعوب لا تجد من يعبر عن نبضها ويحمل آلامها ويسعى من أجل أحلامها.