أفكَار

الترويج للديانة "الإبراهيمية" في زمن التطبيع.. ما وراءه؟

خبراء عرب يحذرون من أن التطبيع الإماراتي البحريني الإسرائيلي سيفتت الهوية العربية (الأناضول)

كان لافتا ومثيرا إطلاق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسمى "أبراهام" على اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، الذي أعلن عنه في 13 آب (أغسطس) الماضي، طالبا من السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان توضيح أسباب إطلاقه على الاتفاق الذي جرى توقيعه بين الإمارات والبحرين وإسرائيل في البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، برعاية الرئيس الأمريكي. 

السفير الأمريكي لدى إسرائيل أوضح أن سبب إطلاق تلك التسمية على الاتفاق يرجع إلى أن "إبراهيم كان أبا لجميع الديانات الثلاثة العظيمة، فيشار إليه باسم (أبراهام) في المسيحية، و(إبراهيم) في الإسلام، و(أبرام) في اليهودية، لافتا إلى أنه "لا يوجد شخص يرمز إلى إمكانية الوحدة بين جميع هذه الديانات أفضل من إبراهيم، ولهذا السبب تمت تسمية هذا الاتفاق بهذا الاسم".

تسمية اتفاق التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بهذا الإسم أثارت أسئلة كثيرة حول دلالات تلك التسمية وخلفياتها، إذ لا يمكن النظر إليها بعيدا عن جذورها وخلفياتها الدينية، التي تكشف بوضوح مدى توظيف السياسي للأبعاد الدينية والتاريخية ما يسهل عليه تمرير أجنداته السياسية تحت غطاء ديني وفق مراقبين. 

الكاتب والإعلامي اليمني، عصام القيسي ربط بين هذه التسمية وبين الترويج للديانة الإبراهيمية، موضحا أن "الإبراهيمية فكرة جريئة تطمح لإيجاد صيغة توافقية بين الأديان الثلاثة التي تنتسب إلى إبراهيم عليه السلام، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، تمثل هذه الصيغة الحد الأدنى المشترك بينها في الإيمان". 

وأضاف: "وما يتم التوافق عليه بين أعضاء اللجان المشتركة في هذا المشروع من عقائد يجمع في كتاب واحد، تطمح المؤسسات التي صممت المشروع ورعته إلى جعله كتابا مقدسا بديلا للكتب المقدسة الثلاثة: القرآن، العهد الجديد، العهد القديم".

 



وقال القيسي لـ"عربي21": "الغاية من هذا المشروع هي تفتيت ما تبقى من هوية عربية جامعة، ودمج إسرائيل عضويا في المنطقة العربية، مع إدراكنا أن توطين إسرائيل هو في حد ذاته إجراء من إجراءات التفتيت وليس غاية نهائية، وهي ـ في نظري ـ المرحلة الثانية أو المشروع الثاني في مشاريع الغرب لتفتيت العالم العربي وتفكيكه، إذا ما اعتبرنا تفتيت التاريخ العربي من قبل المؤسسات العلمية والأدبية الغربية هو المشروع الأول والأقدم". 

وتابع: "لقد بدأت العملية من وقت مبكر جدا بتفتيت التاريخ العربي وتزويره وفقا للمنظور التوراتي إلى أجزاء متناثرة لشعوب غامضة سميت بالشعوب السامية، وتم إخفاء صورة الأمة الواحدة التي حكمت قبل الإسلام والمسيحية من غرب السند إلى مصر، ومن البحر الأسود شمالا إلى البحر العربي جنوبا".
 
وأردف: "وتم اقتطاع الشعب الفلسطيني من لحمته العربية أو الآرامية القديمة ونفيه إلى جزيرة كريت اليونانية، فصرنا نسمع اليوم عربا يقولون إن الإسرائيلي أقرب إلينا نسبا من الفلسطيني!. نحن أمة تتعرض لعملية إفناء منظم وبطيء، لكنه للأسف أكيد المفعول"، على حد قوله. 

وعن دور الإمارات في الترويج للديانة الإبراهيمية وإعادة تشكيل المنطقة من جديد، لفت القيسي إلى أن "دولة الإمارات فيما يبدو أنها تشكل رأس حربة في مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الأجد، الذي تختفي فيه معالم العروبة والإسلام لصالح الرؤية التواراتية الصهيونية، وما (البيت الإبراهيمي) هناك إلاّ إحدى المؤسسات المناط بها العمل لتمكين مشروع الديانة الإبراهيمية الجديدة". 

يشار إلى أن دولة الإمارات العربية أعلنت في وقت سابق عن خططها لإنشاء صرح يجمع بين الديانات السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، والذي سيضم كنيسة ومسجدا وكنيسا، ومن المقرر بناءه في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، ومن المتوقع اكتمال منشآته عام 2022. 

وذكرت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية الإماراتية في اجتماعها العالمي الثاني في مدينة نيويورك في 20 سبتمبر/أيلول من عام 2019 أن "بيت العائلة الإبراهيمية سيشكل للمرة الأولى مجتمعا مشتركا تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات". 

من جهتها تساءلت أستاذة العلوم السياسية بمعهد التخطيط القومي، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، هبة جمال الدين عن سبب عدم تسمية الاتفاق "باسم المدينة التي عُقد بها الاتفاق ككامب ديفيد، وجينيف، وهلسكني وغيره من الاتفاقيات الدولية المعتادة التي توضح انعكاسا مهما لوساطة وريادة الدولة التي تقع في أراضيها المدينة التي يقترن اسمها بالاتفاق السياسي"؟

لتجيب عن ذلك بقولها "السؤال بكل سهولة أن الأمر ليس صدفة، فالولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، وترامب ليس بالمجنون أو المعتوه أو رجل الصدف، فكل شيء مخطط له، ومعد قبل تولي ترامب من تسعينات القرن الماضي" مضيفة "هنا قد يعتقد القارئ أنني أقول خرافات، كيف من تسعينات القرن الماضي.. والاتفاق في عام 2020؟". 

وتابعت: "نعم من تسعينات القرن الماضي كدولة مؤسسات الأمر يتطلب بحث وتمحيص، فالمصطلح لم يخلق من أجل الدين والتسامح وإنما خُلق ليسيس بالأساس" موضحة أن ما "تكتبه هو نتاج عمل بحثي استمر قرابة الأربع سنوات، أنتجت من خلاله كتابين تحت مسمى (الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي).. وأنها أول من طرق الباب لدراسة الأبعاد السياسية للمشترك الإبراهيمي، أو الديانات الإبراهيمية". 

 



وفي الإطار ذاته قال الأكاديمي والباحث السياسي الأردني، صبري سميرة "موضوع الديانة الإبراهيمية عايشته وعاصرته منذ عقود أثناء إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو في أساسه يمثل إطارا جامعا للموحدين المؤمنين بالله، ومنطلقاته في أصلها إيجابية". 

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكن هناك توظيف سياسي لمفهوم الديانة الإبراهيمية، عادة ما يستفيد منه أنصار إسرائيل، إذ يجدون فيه مدخلا لترسيخ الحق اليهودي، وفي الوقت نفسه إبعاد أتباع الديانات الأخرى عن مناصرة حقوق الشعب الفلسطيني". 

وواصل "الحديث عن الديانة الإبراهيمية بأبعادها وتوظيفاتها السياسية كان متداولا إبان الحديث عن صفقة القرن، وكذلك الحال في زمن التطبيع العلني الذي يتم فيه حشد وتكثيف كل الإمكانات والطاقات للترويج له والدفاع عنه، ومنها الترويج للديانة الإبراهيمية بوصفها دعوة إلى وحدة أتباع الديانات في إطار واحد وفق المشتركات الدينية بين تلك الديانات، ما يعني تعايش أتباعها في ود وسلام". 

 



وردا على سؤال حول دور العلماء والدعاة والمفكرين في بيان حقيقة تلك الدعوات، وكشف التوظيف السياسي للمفاهيم الدينية، لفت سميرة إلى أن "الأحداث السياسية المتتابعة كشفت عن أن المؤسسات الدينية، وغالب العلماء والدعاة في كثير من دول الخليج، ما هم إلا أداة من أدوات السلطة، توجههم كيفما تشاء، لذا فإنهم يلذون بالصمت حفاظا على مصالحهم ومكاسبهم، وإيثارا للسلامة والدعة".
 
وشدد في ختام حديثه على أن "الترويج للديانة الإبراهيمية كمدخل لتقبل اليهود بصفتهم أحد أتباع الديانات السماوية الثلاثة، هو ضرب من التضليل وتزييف الوعي، لأنه لا مشكلة للمسلمين ولا للفلسطينيين مع اليهود كأتباع ديانة سماوية، إذ إن حقيقة الصراع تتمثل في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي والاستيطاني، وهو ما يتجاهله المهرولون نحو التطبيع مع العدو الصهيوني المغتصب بحرف الصراع عن طبيعته وحقيقته".