ملفات وتقارير

قانون الدفاع الأردني.. هل أصبح أداة للتضييق على الحريات؟

كانت الحكومة قالت إن الاعتقالات لم تأتي بموجب قانون الدفاع وإنما بالقوانين المعمول بها سابقا- جيتي

أثارت اتهامات الحكومة الأردنية لمجلس نقابة المعلمين بـ"تجاوز أوامر الدفاع" تساؤلات حول استغلال حكومة عمر الرزاز لقانون الدفاع بغرض التضييق على الحريات العامة، في الوقت الذي تؤكد فيه أن الهدف منه الحفاظ على صحة المواطن في مواجهة وباء كورونا.

والأحد، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، أمجد العضايلة، إن نقابة المعلمين نفذت وقفات احتجاجية وإضرابات واعتصامات "تضر بمرافق الدولة الحيوية واستدامتها، وتتجاوز قانون الصحة العامة وأوامر الدفاع التي صدرت بشكل أساسي لحماية صحّة المواطنين".

وتقرر السبت كف يد أعضاء مجلس نقابة المعلمين الثالث عشر عن العمل، وإحالتهم إلى مدعي عام عمان، وتوقيفهم لمدة أسبوع، وإغلاق مقرات النقابة لمدة سنتين، وذلك لنظر النيابة العامة في قضايا جزائية حول تجاوزات مالية، وقرارات للمجلس اشتملت على إجراءات تحريضية، وفيديوهات متداولة صادرة عن نائب النقيب، بحسب مدعي عام عمان حسن العبداللات.

وفي 17 آذار/ مارس الماضي، وافق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على إعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، الذي يتم تفعيله في أوقات الحروب والكوارث، والذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة تصل إلى تعطيل القوانين، ووضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة، وإلقاء القبض، وتفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها، وفرض منع التجول فيها، وتحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها كلها أو بعضها.

وطلب الملك من حكومة عمر الرزاز أن "يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية، ويحافظ عليها، ويحمي الحريات العامة والحق في التعبير، التي كفلها الدستور".

ولكن إقدام الحكومة على إجراءات اعتُبرت مناهضة للحريات، كالاعتقالات السياسية لشخصيات وازنة في المجتمع الأردني، ومنح بعض المؤسسات الحق في الاستغناء عن الأيدي العاملة لديها، أو تخفيض رواتبهم، والغرامات التي تحولت إلى "جباية" في نظر كثيرين، والممارسات الأخيرة بحق نقابة المعلمين؛ دفعت كثيرين إلى المطالبة بإلغاء قانون الدفاع؛ لئلا يبقى أداة تضييق للحريات بيد الحكومة، وخصوصا مع تحسن الوضع الوبائي في البلاد بشكل كبير.

استغلال واستفراد بالمشهد
ورأى النائب في البرلمان الأردني، سعود أبو محفوظ، أن الحكومة توسعت كثيرا في تطبيق قانون الدفاع، مستشهدا بما جرى مع نقابة المعلمين من "اعتساف وخشونة جسدية في التعاطي مع أشخاص منتخبين، ونقابة تتمتع بإجماع المعلمين، بل بإجماع الشعب الأردني".

وقال لـ"عربي21" إن "الحكومة استغلت قانون الدفاع مستفردة بالمشهد السياسي تماما، وتجاوزت على حريات المواطنين، وتوسعت في الاعتقالات، خاصة لأبناء العشائر"، مضيفا أن "ما حصل مع المعلمين رسالة للكل الوطني بأن الحكومة سلكت نهجا آخر فيه انقلاب على الحرية والديمقراطية، متخذة من قانون الدفاع غطاء لممارساتها غير الدستورية".

وحول استمرار فرض قانون الدفاع رغم تحسن الوضع الوبائي في البلاد؛ قال أبو محفوظ إن "الأردن خال لأسابيع طويلة من فيروس كورونا إذا ما قورن بالبلدان التي حوله، وبالتالي لا داعي لاستمرار قانون الدفاع الذي حولته الحكومة إلى فرصة للاستغلال على الأصعدة المالية والحقوقية والأمنية وغيرها".

وتساءل: "إذا لم تكن الحكومة تستغل قانون الدفاع للتمادي في قمع الحريات، فلماذا تغلق فروع نقابة المعلمين؟ ولماذا تمنع الصحف والمواقع الإلكترونية من الحديث حول ما يجري للمعلمين؟ ولماذا تمنع المركز الوطني لحقوق الإنسان من التدخل في قضيتهم؟".

وتابع: "بعد قانون الدفاع، لا نجد في المشهد السياسي للبلاد سوى الحكومة التي تستقوي على الدولة بجميع أشكالها، وتدعي أنها حكومة نهضة، ولكن فعلها على أرض الواقع أمني".

"لا لإلغاء القانون.. ولكن!"
من جهته، عارض رئيس جمعية جذور لحقوق المواطن، فوزي السمهوري، المطالبة بإلغاء قانون الدفاع في الوقت الحالي، "لأن الخطورة من تفشي وباء كورونا ما زالت قائمة"، ولكنه في الوقت ذاته طالب الحكومة بأن "لا تتوسع باتخاذ إجراءات تحد من حقوق المواطن المكفولة دستوريا بحجة قانون الدفاع".

وقال لـ"عربي21" إن من الجائز للحكومة في ظل قانون الدفاع أن تعلق العمل بأي قانون، ولكنها لم تلجأ إلى ذلك حتى الآن، ولم توقف القوانين الناظمة للحريات العامة، مؤكدا أن "إيقاف الحكومة للندوات والنشاطات والتجمعات مرده إلى الوقاية من الوباء ولا علاقة له بتقييد الحريات".

واتهم السمهوري حكومة عمر الرزاز بالتقصير في تطبيق قانون الدفاع، "فهي لم تراقب بعض القطاعات المتغولة على حقوق المواطنين الاقتصادية، حيث رُفعت أسعار العديد من السلع والخدمات دون رقابة"، مستهجنا عدم قيام الحكومة بـ"استغلال قانون الدفاع لرفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، سواء في المراكز الصحية أو المستشفيات الحكومية".

وأضاف أن "رفع أسعار المياه مع بداية الشهر الحالي بنسب عالية جدا، والحديث عن توجه لرفع أسعار الكهرباء، يؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع أسعار كل شيء"، موضحا أن "هذا يتعارض مع قانون الدفاع، الذي من المفترض أن يمنع جميع القطاعات من التغول على مصالح المواطنين".

وحول اتهام الحكومة لنقابة المعلمين بمخالفة قانون الدفاع؛ قال السمهوي: "إذا كانت تقصد أنها خالفته بالتجمهر والتجمع المحظور بسبب أزمة كورونا فكلامه صحيح، ولكن حتى لو خالفت ذلك فهذا لا يجيز للحكومة أن تتخذ الإجراءات التي تم اتخاذها بحق النقابة".

وقال إن "أي إجراء يُتخذ بحق أي هيئة إدارية، سواء نقابة أو جمعية أو ناد، فإنه يجب أن يكون وفقا لقرار قضائي قطعي".

ورأى السمهوري أن ما جرى لنقابة المعلمين، وكذا الاعتقالات المتعلقة بإبداء الرأي، "لا علاقة له بقانون الدفاع من حيث المبدأ"، مبينا أن "الحكومة تستند في إجراءاتها لقوانين أخرى يتوجب تعديلها بما يكفل حرية التعبير، كقانون الاجتماعات العامة، وقانون المطبوعات والنشر، وقانون الجرائم الإلكترونية".

 

اقرأ أيضا: نقابات الأردن ترفض إغلاق نقابة المعلمين وتؤكد دعم المعلم

وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام، أمجد العضايلة، قد قال السبت لـ"عربي21" إن "الحكومة الأردنية لم تعتقل أي شخص استنادا لقانون الدفاع الذي فعلته في جائحة كورونا"، مؤكدا أن "الاعتقالات تمت استنادا إلى القوانين الأردنية المعمول بها".

وأضاف أن "الحكومة استخدمت قانون الدفاع من أجل حماية القطاعات الاقتصادية المتضررة، وتنظيم عمل المؤسسات التي تأثرت بسبب جائحة كورونا، واستخدمت قانون الدفاع في أضيق حالاته كما أمر الملك عبدالله الثاني".