تناولت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في
تقرير لها مشروع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، القاضي بضم الأغوار وأجزاء من
الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل.
وقالت معدة التقرير،
الصحافية الأمريكية الإسرائيلية معيرافزونسزين، إن تاريخ الأول من تموز/ يوليو
الذي حدده بنيامين نتنياهو موعدا للضم جاء وذهب دون أن يتم ضم شيء.
وتضيف في التقرير الذي ترجمته "عربي21":
"ولكن بالطبع استمرت سياسة هدم بيوت الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم، والتمييز
الممنهج ضدهم بلا هوادة، ولكن السياسيين الأمريكيين سارعوا ولا يزالون للرد على
تهديد الضم. وهناك فرق واضح بين الديمقراطيين الذين يعارضون في غالبيتهم مشروع
الضم والجمهوريين الذين يؤيدون في غالبيتهم المشروع.
وتؤكد الكاتبة أنه "بعد عقود من الاتفاق
بين الحزبين تجاه إسرائيل، فإن أكبر مستفيد من المساعدات الخارجية الأمريكية أصبحت
أخيرا قضية حزبية في واشنطن، اسميا على الأقل".
وتضيف: "هناك أكثرية ديمقراطية في كل من
مجلس النواب والشيوخ، بمن فيهم المرشح المتوقع للانتخابات الرئاسية جو بايدن،
تحدثوا ضد الضم في الأسابيع الأخيرة. ووقع حوالي 200 عضو من مجلس النواب على رسالة
في نهاية حزيران/ يونيو بمبادرة من النائب تيد ديوتش عبروا فيها عن "عميق
قلقهم" من أن توجه إسرائيل في الضم من جانب واحد سيجعل "تسوية يتم التوصل
إليها عن طريق المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين [باتجاه حل الدولتين] أمر
يصعب تحقيقه".
وكان من بين الموقعين زعيم الأغلبية في مجلس
النواب ستيني هوير، وهو حليف لفترة طويلة للجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
(إيباك)، وهي جماعة ضغط تدعم إسرائيل وتنظم رحلات لأعضاء الكونغرس من الحزبين
إليها. كما أن رئيسة البرلمان نانسي بيلوسي غردت دعما للرسالة أيضا. وفي مجلس
الشيوخ قام 40 عضوا ديمقراطيا، بعضهم من أنصار إسرائيل الراسخين الذين لا يبدو
أنهم يعارضون إسرائيل مهما فعلت مثل زعيم الأقلية تشاك شومر والسيناتور بوب
ميننديز وبن كاردين، بالتعبير عن شيء من المعارضة.
وفي نفس الوقت قام أكثر من 100 نائب جمهوري في
مجلس النواب، بمن فيهم زعيم الأقلية كيفين مكارثي، بتوقيع رسالة موجهة إلى نتنياهو
تؤكد "التحالف القوي بين أمريكا وإسرائيل"، وأشاروا إلى أن بإمكان
إسرائيل أن تفعل ما تشاء بخصوص سيادتها وحدودها بصورة تعكس تصريحات وزير الخارجية
مايك بومبيو الأخيرة حول الموضوع. كما أرسل السيناتور تيد كروز وعدد من أعضاء مجلس
الشؤوخ الجمهوريين رسالة للرئيس دونالد ترامب ليس فقط لحث الرئيس أن يصادق على
الضم، ولكن لتوفير الإمكانيات الضرورية لتسهيل ذلك.
وتؤكد الكاتبة أنه "على مدى عقود اعتبر
الديمقراطيون والجمهوريون العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بأنها مقدسة وأساسية في
السياسة الخارجية الأمريكية وراسخة إلى درجة بحيث لا يشكك فيها تقريبا. وكان نجاح
إيباك على مدى العقود الماضية يكمن بشكل أساسي في الحفاظ على دعم الحزبين الكامل
لإسرائيل. وحتى في الوقت الذي يختلف فيه الحزبان بشكل كبير في قضايا كثيرة، إلا أن
إسرائيل لم تكن أبدا واحدة من تلك القضايا. ولكن ما تغير الآن هو أن الحزب
الديمقراطي موحد ضد الضم بينما الحزب الجمهوري موحد خلف أي شيء يفعله ترامب، فهم
يؤيدون الضم".
وتوضح الكاتبة أن "أي أن موقف الحزب
الديمقراطي الرسمي لا يزال هو "حل الدولتين" حيث يقيم الفلسطينيون
دولتهم على حدود 1967 تقريبا، والذي يتم التوصل إليه عن طريق المفاوضات. بينما
تخلى الحزب الجمهوري عن ذلك لصالح دولة إسرائيلية موسعة تفرض سيادتها على مساحات
كبيرة من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها حاليا بشكل رسمي وبدون منح حقوق سياسية
لسكان تلك المناطق من الفلسطينيين، أي نظام أبارتهايد".
وحيث أصبح الاختلاف بين الحزبين واضحا يبقى
السؤال هو ما الذي سيفعله الديمقراطيون؟ تجيب الكاتبة: لقد قام بيتر بينارت، الذي
يظن أنه أكثر الصهاينة الأمريكيين ليبرالية بنشر مقال له في "نيويورك
تايمز" قال فيه إنه لم يعد يؤمن بدولة يهودية أو حل الدولتين، ودعا إلى دولة
ثنائية القومية يمكن أن تكون وطنا للفلسطينيين والإسرائيليين. إن الكتابة عن مثل
هذا الموقف من يهودي أمريكي بارز قد يشجع الديمقراطيين أن يبتعدوا عن حل الدولتين
أو على الأقل التفكير في أن ما فعلوه حتى الآن ببساطة لم ينجح.
وتشير الكاتبة إلى أن "السياسات العقابية
التي قد تؤثر على الحكومة الإسرائيلية مثل تأييد حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات
والعقوبات، لا تزال بعيدة. كما أن وضع شروط على المساعدات الأمريكية لإسرائيل كما
كان يدعو إليه السيناتور بيرني ساندرز خلال حملته للترشح للرئاسة لا يزال أمرا
محرما، مع أن الرئيسين الجمهوريين جيرالد فورد وجورج بوش الأب مارسا ذلك. وفي عام
1981 علق ريغان اتفاقا عسكريا مع إسرائيل بسبب ضمها لهضبة الجولان المحتلة. وبعد
ذلك بعقد هدد جورج بوش الأب بتجميد 10 مليارات دولار ضمانات قروض لإسرائيل بسبب
توسيعها للمستوطنات. وربما كان المثال الأبرز كان تحت رئاسة جيرالد فورد كان في
1973 بعد الحرب العربية الإسرائيلية عندما اتخذ وزير الخارجية وقتها هنري كسنجر موقفا
صلبا وضغط على إسرائيل للانسحاب من سيناء. وفي وقتها قال الرئيس فورد لكسنجر إن
أمريكا ليست مستعدة "لعزل نفسها عن بقية العالم للوقوف خلف تجاوزات
إسرائيل"- وهو تماما نقيض سياسة أمريكا اليوم. وفي ربيع 1975 طبقت أمريكا
"إعادة تقييم" للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية وتضمنت تجميد إرسال
الأسلحة لإسرائيل. ولذلك فإن وضع شروط على المساعدات لإسرائيل بالنسبة
للديمقراطيين يجب أن لا يحتاج إلى الكثير من التفكير".
وفي رسالة بادرت بها النائبة الكساندريا
اوكازيو-كورتيز ووقعها عدد من أعضاء الكونغرس بمن فيهم ساندرز تدعو فيها الكونغرس
أن يحد أو يوقف المساعدات لإسرائيل إن هي مضت في طريق الضم. وتشير الرسالة إلى أنه
يجب وقف المساعدات بسبب ممارسات أخرى أيضا ومن بينها هدم البيوت والاستيلاء على
الأراضي. وكانت هذه الرسالة هي البيان الوحيد من الديمقراطيين حول الضم الذي لا
يحذر فقط من الأضرار لفرص السلام ومكانة إسرائيل الدولية ولكنه في الواقع يذكر
"الأراضي الفلسطينية المحتلة" ويحذر من "الأبارتهايد"، ويشير
بالتحديد إلى انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني.
ووافقت على الرسالة المجموعة المعارضة
للاحتلال "IfNotNow" و1000 عضو سابق وحالي من منظمة "جي ستريت الشابة"، فرع
الشباب من منظمة "جي ستريت" المناصرة لإسرائيل/ ودعت المنظمة الأم أن
تدعم قانونا يفرض شروطا على المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
لكن الكاتبة تشير بأسف إلى أن "هذا النوع
من اللغة يبدو أبعد من المعقول بالنسبة لمعظم الديمقراطيين. واقترب السيناتور كريس
فان هولين بهذا الاتجاه عندما اقترح تعديلا يمنع الحكومة الإسرائيلية من استخدام
المساعدات الأمنية الأمريكية لمساعدة الضم. ويجب أن يكون هذا هو الحد الأدنى
لمقاربة الديمقراطيين تجاه إسرائيل ولكنه لم يحصل على الكثير من الدعم لحد الآن،
وبقي فريق بايدن صامتا تجاه الأمر. وردد مستشار لبايدن في أيار/ مايو بأن بايدن
يعارض "تماما" أي قيود على المساعدات العسكرية لإسرائيل. ولذك لا يمكن
أن يحمل موقف بايدن ومعظم الديمقراطيين بأنه يجب ألا يقوم أي طرف بخطوات أحادية
الجانب محمل الجد، إذا ما اعتبرنا أن مشروع الاستيطان هو مشروع قومي أحادي الجانب
وبايدن ليس مستعدا لجعل إسرائيل تدفع ثمن ذلك".
وتؤكد الكاتبة أنه من هذه الناحية، فإن
"خطة ترامب- وإسرائيل للضم هي اختبار حقيقي للديمقراطيين. لا يستطيعون معارضة
الضم بالكلام، فهو لا يعني شيئا دون سياسة يبنى عليها خطوات عملية وتحاسب إسرائيل.
وعدم فعل أي شيء سيجعل الديمقراطيين متعاونين في منح صك مفتوح لنظام أبارتهايد
قائم على ضم الأراضي المحتلة. وحقيقة أن الكثير من الديمقراطيين يتوحدون ضد الضم
يبرز ما هو واضح: وهو أنهم فشلوا لحد الآن –وبالذات تحت رئاسة الرئيس السابق باراك
أوباما– في تقييد بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وهي السبب
الرئيسي الذي يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متصلة والذي أوصلنا إلى هذا
الحال. ويجب أن تضطر الحزب لتقييم ماذا يعني الاستمرار في منح الدعم غير المشروط
لدولة تحاول مأسسة احتلال عسكري دام 53 عاما".
وهناك عدة أشياء يمكن لإدارة ديمقراطية أن
تفعلها والذي سيجعل حكومة نتنياهو تحاسب على اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تهدد
السلام – دون أن يكون الحزب بأي شكل من الأشكال – "معاد لإسرائيل".
وتقول الكاتبة إنه "يمكن للديمقراطيين
البدء بعكس سياسات ترامب الأكثر ضررا. فمنذ أن أصبح رئيسا قام ترامب بقلب سياسة
أمريكا الرسمية التي استمرت لعقود باعترافة بضم إسرائيل للقدس الشرقية (عندما نقل
السفارة الأمريكية إلى القدس في 2018) ثم اعترف بضم إسرائيل للجولان العام الماضي.
ويجب على بايدن على الأقل أن يعكس الأضرار التي
تسبب بها ترامب ويتبنى سياسة تلغي الاعتراف بضم إسرائيل للجولان ويعيد السفارة
الأمريكية إلى تل أبيب. وبدون فعل هذا فإن بايدن سيكون اعترف بسيادة إسرائيل على
أراض احتلتها عن طريق الحرب.
وإن كان بايدن ملتزما بحل الدولتين كما يدعي،
فإن بإمكان إدارته أن تعترف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المستقبلية. ويجب
على إدارة بايدن ألا تتبنى تعديلات فان هولين فقط لضمان أن المساعدات الأمريكية لا
تستخدم لعملية الضم ولكن للذهاب خطوة أبعد بتبني قرار المجلس رقم 2407 الذي مر
عليه عام بخصوص منع استخدام الأموال الأمريكية من الجيش الإسرائيلي لاعتقال
الأطفال الفلسطينيين. ولا يفرض القرار في الواقع تجميد أي مساعدات ولكن إعادة
توجيهها كي لا يستخدم أي منها في سجن الأطفال. وهذا سيرسل برسالة واضحة أن
الديمقراطيين ليسوا فقط مهتمين بحل سلمي في وقت ما في المستقبل ولكنه ملتزم بإنهاء
انتهاكات حقوق الإنسان الآن.
ومع أنه لا يبدو أن هذا سيحصل، لكن إن أراد
الديمقراطيون أن يعارضوا بصدق عملية الضم، يجب أن يصدق فعلهم قولهم. وإن لم
يستغلوا الفرصة فإن إسرائيل ستعود ببساطة إلى كونها قضية الحزبين –ولكن في ظل الضم
لن يكون الحزبان يساعدان محتلا فقط، بل يساعدان دولة أبارتهايد، تختم الكاتبة
تقريرها.