مع تصاعد تهديدات النظام المصري بالتدخل عسكريا في ليبيا، يثار تساؤل حول خيارات حكومة الوفاق الوطني لإيقاف أو عرقلة حدوثه.
وجدد
الخميس الماضي رئيس الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي التهديد بالتدخل العسكري المباشر
في ليبيا، في حال تحركت قوات حكومة الوفاق الوطني، نحو مدينة سرت.
وسبق أن صرح السيسي بأن
"تجاوز سرت والجفرة خط أحمر"، ما اعتبرته الحكومة الليبية المعترف
بها دوليا "إعلان حرب"، و"تعديا على سيادة ليبيا".
توازن
القوى
ويُرْجِعُ أستاذ العلاقات
الدولية بجامعة طرابلس إلياس الباروني سبب تصاعد خطاب مصر نحو التدخل العسكري بليبيا إلى "التفاعل بين حكومة الوفاق مع الحكومة التركية، وما حققه من نتائج لم تتوقع مصر ولا داعمي خليفة حفتر حدوثها".
وفي حديثه
لـ"عربي21" يؤكد الباروني على "حقيقة" أن السيسي دعم حفتر بكل
الإمكانيات، وتدخل في الشأن الليبي منذ بداية الأزمة.
اقرأ أيضا: ردود ليبية رافضة لتدخل مصر.. و"براءة" ممن التقوا بالسيسي
ويرى أن حكومة الوفاق وعبر "اللجوء المبكر" لتركيا وتوقيع الاتفاقية المشتركة، استطاعت "تحقيق توازن وتفوق في القدرة العسكرية على قوات حفتر، والدول الداعمة له".
ووقعت
الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني الليبية في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، مذكرتي
تفاهم تنص أولاهما على تحديد مناطق النفوذ البحري بين الطرفين، فيما تقضي الثانية بتعزيز
التعاون الأمني العسكري بينهما.
وساعد
الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق في صد هجوم قوات حفتر على طرابلس، الذي أعلن عنه
في نيسان/أبريل 2019، واستعادة السيطرة على مناطق عدة غربي ليبيا.
ويتوقع
الباروني أن تُقْدِم حكومة الوفاق على إبرام اتفاق مع تركيا برعاية الأمم المتحدة تتعلق
بـ"الأمن القومي الوطني"، بحيث إذا تعرضت إحدى الدولتين لاعتداء يعتبر
تهديدا للأمن القومي للدولة الأخرى.
وتُعوِّل حكومة الوفاق في إيقاف التدخل المصري بليبيا، وفقا للأستاذ الجامعي، على "وجود
تغير ملموس بالمواقف الدولية للدول الداعمة لحفتر وأبرزها روسيا
وفرنسا".
ويشير إلى أن الولايات المتحدة، التي كانت تترقب الأحداث بدون تدخل واضح، أصبح لها رؤية باتجاه "دعم حكومة الوفاق"، نتيجة للتغيرات السريعة والمتلاحقة ودخول مليشيا فاغنر الروسية في المنشآت النفطية.
ولذات السبب ولتوقف ضخ النفط والغاز الليبي إلى أوروبا، أوضح الباروني أن موقف الاتحاد الأوروبي بات فيه "تغييرات واضحة أيضا"، من موقف
"باهت وضعيف" إلى "مضاد حفتر".
وصبت
الجرائم المكتشفة في ترهونة وجنوب طرابلس في صالح هذه "التغييرات الدولية"،
والتي تجعل من دعم حفتر "ليس دعما لجيش نظامي يمثل الدولة، بل لتنظيم إرهابي
مسؤول عن هذه الجرائم".
ويؤكد
أن ليبيا لا تعول فقط على "موقف المجتمع الدولي"، بل على "القوة" وتحقيق
مكاسب على الأرض، تؤدي إلى تغير المواقف الدولية تجاه الأزمة الليبية.
وفي
هذا الإطار، ينبه إلى أن قوات الجيش الليبي والحرس الوطني بحكومة الوفاق مارسوا "العمليات
الحربية" ضد قوات القذافي وفي مكافحة تنظيم الدولة والقاعدة وقوات حفتر، وكونوا
عبر 10 سنوات خبرات عسكرية عملية.
وتابع: "القدرات البشرية العملية تستطيع مقاومة الجيش المصري، لأنه جيش نظامي لديه استراتيجيات
وخطط معينة، ولا يستطيع مقاومة ما يعرف بحرب العصابات والمدن، التي لا تخضع إلى التكتيك
العسكري الممنهج".
ويعرب
عن أمله بألا تدخل مصر في هذه "المعركة الخاسرة"، ويقول: "ستكون خسارة
للشعب الليبي وللأمة الإسلامية أيضا، التي تعول على أن يكون للجيوش العربية دور في نصرة القضية
الفلسطينية ومحاربة الاحتلال الإسرائيلي".
كما
يلفت إلى أن التدخل المصري في ليبيا سيكلف مصر اقتصاديا بـ"مبالغ باهظة"،
وقال: "لا نتمنى أن تقع مصر بفخ هذه الحرب، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها
في سد النهضة".
حدود التدخل المصري
من
جانبه، لا يُعوِّل الكاتب والمحلل السياسي فرج دردور على أي توجه لحكومة الوفاق إلى الأطراف العربية للتدخل من أجل إيقاف دخول مصر العسكري بليبيا.
وفي
حديثه لـ"عربي21" يشير دردور إلى أن "الجامعة العربية مقرها مصر، ومصر
التي تؤثر على قرارات الجامعة مساهمة بدعم حفتر وفي العدوان على ليبيا".
ويعتبر
أن حكومة الوفاق "قطعت شوطا
كبيرا" في التحرك الدولي وبمساعدة حليفها التركي، واستطاعت إيصال رسالة
للعالم أن "فرنسا ومصر والإمارات تريد أن تُنصبَ حاكما خارج الإطار الديمقراطي في
ليبيا".
اقرأ أيضا: تصريحات السيسي عن ليبيا تعمق خسائر البورصة المصرية
وقال: "العالم بدأ يتفهم أن الغرب الليبي، والذي يشكل ثلثي سكان البلاد، مع الخيار الديمقراطي، وحتى وإن تعثر استكماله، لكنه يرفض عسكرة الدولة الليبية".
ويؤيد المحلل السياسي وجود تغير واضح بموقف فرنسا الداعم لحفتر، ويشير إلى أهمية "وضوح الموقف الأمريكي
من الأزمة الليبية"، خاصة مع سيطرة الميليشيات الروسية على حقول النفط، وقال
سيشكل ذلك "عائقا أمام التدخل المصري لصالح حفتر".
وينبه
إلى أن غضب السيسي المتصاعد يرجع إلى "وجود مؤشرات بأن الميليشيات الروسية
والجنجويد السودانية ربما تنسحب من جفرة وسرت"، منوها إلى "عدم وجود
قوات مصرية في هذه المناطق".
وأوضح دردور أن "مصر تخشى من وصول
قوات الوفاق لسرت والجفرة، ثم التمدد نحو المنطقة الشرقية، والقضاء على المصالح
التي حققها السيسي طيلة السنوات الماضية، خاصة الحصول على النفط الليبي مجانا من
حقل المسلا عبر ميناء الحريقة، والتغيير الديمغرافي الذي صنعه بتلك المناطق عبر تجنيس
الآلاف منهم".
ويوافق على أن "عامل الردع" عبر تحالف حكومة الوفاق مع تركيا كقوة في حلف الناتو ودولة
مصنعة للسلاح وتمتلك التقنيات العسكرية، هو "السبيل لإيقاف أي تدخل مصري
عسكري بليبيا".
وفي
الوقت ذاته، يرجح أن مصر لن تُقْدِم على التدخل العسكري بليبيا، ويقول إن تصريحات
السيسي مجرد "تهويل إعلامي"، وأنه في ظل المشاكل الداخلية والتحديات
التي تمر بها مصر لا سيما أزمة سد النهضة فإنها "لن تتجرأ على ذلك".
ويتوقع أن يستمر السيسي بعمل القلاقل عبر دعم العصابات
والمليشيات، ويقول: "لو سلح القبائل الحدودية فبالتأكيد سيصله الحريق، لأنها قبائل متنقلة
بين مصر وليبيا، والسلاح سيعود بالضرر على مصر".
هل تسعى روسيا لإنقاذ "حفتر" قبل معركة سرت؟
هل يعيق الصراع بليبيا "عدالة" توزيع عوائد النفط؟
الجيش الليبي يواصل محاولات التقدم بسرت والجفرة (خريطة)