فُجعت الأوساط السياسية والإعلامية العراقية وغير العراقية، بالاعتداء الخسيس الذي أودى بحياة الباحث في الجماعات الإرهابية وحركات «الإسلام المسلح» هشام الهاشمي...ليس لأنه اعتداء على حياة مواطن واغتيال لحرية الرأي والتعبير فحسب، بل بالنظر لما يستبطنه من «رسائل دامية» إلى كل من «يهمه الأمر»، وفي ظني أن خيوط الجريمة وأصابع الاتهام تتجه إلى إحدى المليشيات الموالية لإيران، التي لم يَكُف الهاشمي عن انتقادها في الآونة الأخيرة، بعد أن كرّس سنوات طويلة من حياته القصيرة في التصدي لداعش تنظيما ودولة و»خلافة» وكشف أخطر أهدافه ومراميه.
من تابع الهاشمي خلال السنوات الأخيرة، وكنت
واحدا من هؤلاء، رأى في الرجل «وطنيا عراقيا»، تختلف أو تتفق معه، لا بأس، ولكنه
جزء من تيار غير منظم، يتطلع إلى استعادة كيان الدولة وبعث «الوطنية العراقية»
التي تهمشت وتهشمت بفعل انفجار «الهويات القاتلة»، من طائفية ومذهبية وإثنية
وغيرها، ولا شك أن الرجل كان يحتفظ بعلاقات طيبة مع بعض مؤسسات الدولة «العميقة»
التي كانت تزوده بالكثير من المعلومات والمعطيات حول موضوعاته التي عمل
عليها...آخر ما كتبه كان عن الحشد الشعبي، مكوناته وكياناتها، اتجاهاته وولاءاته،
هياكله التنظيمية والإدارية، أعداده وتوازناته.
بهذا المعنى، وبرغم اختلاف السياقين، اللبناني
والعراقي، وتعاقب الزمنين الفاصلين بين اغتيال سمير قصير (حزيران 2005) والهاشمي
(تموز 2020)، إلا أنني لم أستطع مقاومة إغواء المقارنة بين الواقعتين: كتاب
وصحفيون ومثقفون، قاوموا الهيمنة الخارجية على بلدانهم، ودفعوا حيواتهم ثمنا
لذلك...كتاب تحدوا الوصاية والهيمنة، فسقطوا فريسة سهلة في أفواه المليشيات
السائبة وأجهزة المخابرات التي لا ترحم...في هذا السياق أيضا يمكن إدراج واقعة
اغتيال رئيس تحرير النهار جبران تويني (ديسمبر 2005).
قادتني هذه الاستدعاءات والتداعيات، إلى
افتراض أن جريمة اغتيال الهاشمي ليست سوى رسالة موقعة بالدم ومكتوبة بالرصاص،
موجهة إلى رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، تنذره بمصير يشبه مصير رئيس
الوزراء اللبناني المغدور رفيق الحريري...صحيح أن جريمتي اغتيال قصير وتويني وقعتا
بعد جريمة اغتيال الحريري (شباط 2005) وليس قبلها، لكن الحريري كان تلقى ما يكفي
من الإنذارات الدامية قبل واقعة الرابع عشر من شباط إياها.
مرة أخرى، العراق ليس لبنان، والكاظمي ليس
الحريري، لكن منطق الهيمنة ومقتضيات إدامتها، تقودان إلى النتيجة ذاتها، وإن
بأدوات مختلفة، وأشكال مختلفة...الكاظمي تحرك في الآونة الأخيرة، لاستعادة الدولة
العراقية ووقف مصارف الفساد وسدّ مجاريها، الكاظمي المتخفف من أعباء الإيديولوجيا
وأذرعها المليشيوية، الرجل المتطلع لاستعادة الهوية والسيادة، لا يروق لكثيرين في
العراق وخارجه، وهو يتعرض لحملة «شيطنة شعواء» تبدأ من المنطقة الخضراء في بغداد،
ولا تنتهي في طهران، وتمتد بتفاوت، بامتداد دول «المحور» وأطرافه...الحملة على
الهاشمي التي سبقت اغتياله، اندرجت في هذا السياق واستخدمت ذات المفردات.
قبل اغتياله بأيام، بشّر الهاشمي بولادة كتلة
برلمانية، قد تشكل حاضنة للكاظمي ومشروعه، فالرجل بلا كتلة، وهو جاء إلى موقعه من
الصحافة والمخابرات، ولقد صدقت مصادر الهاشمي وتشكلت الكتلة من أزيد من ثلاثين
نائبا...ثمة خيط واصل، بين أداء الهاشمي ورئيس حكومته على ما يبدو، وثمة مروحة
واسعة من التلاقي، وربما لهذا السبب «استحق» الرجلان الاتهامات بالخيانة والعمالة
للولايات المتحدة، بل والتهديد بالقتل...الهاشمي كان هدفا سهلا ومكشوفا لرصاصات
الغدر، أما الكاظمي، فليس محصنا بأكثر من أطواق الحماية التي كان الحريري يحيط بها
نفسه، فإلى أين يمضي العراق، ومن هو الهدف التالي؟
(الدستور الأردنية)