قضايا وآراء

العلاقة بين السياسة والدين في الفكر السياسي الإسلامي

1300x600
لم تكن ثمة إشكالية فكرية في الحضارة الإسلامية حول مفهوم العلاقة بين الدين والسياسة، منذ مجيء الإسلام وحتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حيث نشأت فكرة العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة (ولو قيل فصل الدين عن الحياة لكان أصوب)، ثم تنامت تلك الفكرة في العالم الإسلامي مع أوائل القرن العشرين. والحقيقة أن تلك الإشكالية الفكرية كانت معبرة عن هموم الواقع الغربي الذي نقلت منه، وليس هموم الواقع الإسلامي الذي نقلت إليه.

يقول الدكتور سفر الحوالي في كتابه "العلمانية": "العلمانية فكرة مستوردة لا يشك في ذلك أعداؤها، ولا يماري فيه أحد من دعاتها، ومعنى ذلك بداهة أنها ليست من صميم الإسلام، ولا هي حتى من إنتاج المنتسبين إليه".

فالمستقِر في تصورات المفكرين الإسلاميين، اعتبار السياسة جزءا من الدين، وأن الإسلام دين ودولة، بل هو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا.

فالإمام الغزالي - رحمه الله - (ت: 505هـ) يرى أن السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة، فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه". ذلك لأن السياسة في فهم الإمام الغزالي تعني: "إصلاح الخلق عن طريق إرشادهم إلى الطريق المستقيم المنجي في الدنيا، والمؤدي إلى الآخرة".

وابن خلدون - رحمه الله - (ت:808 هـ) يرى أن السياسة الشرعية تعني حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، بما يحقق مصالحهم الدنيوية والأخروية معا، ويحصل نفع هذه السياسة في الدارين.

ويؤكد سيد قطب - رحمه الله - (ت:1386هـ - 1966م) أثر الإيمان في الكون والحياة قائلا؛ "إن التصور الإسلامي يقوم على أساس أن هناك ألوهية واحدة لهذا الوجود، وعبودية شاملة تتمثل في جميع الخلائق من أشياء وأحياء".

أما الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه "الدين والسياسة تأصيل ورد شبهات"، فيوضح ضرورة وأهمية العلاقة بين الدين والسياسة قائلا؛ "إن السياسة حين ترتبط بالدين، تعني العدل في الرعية، والقسمة بالسوية، والانتصار للمظلوم على الظالم، وأخذ الضعيف حقه من القوي، وإتاحة فرص متكافئة للناس، ورعاية الفئات المسحوقة من المجتمع، كاليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ورعاية الحقوق الأساسية للإنسان عامة".

إن دخول الدين في السياسة ليس (كما يصوره الماديون والعلمانيون) شرا على السياسة، وشرا على الدين نفسه. إن الدين الحق إذا دخل في السياسة؛ دخل دخول الموجه للخير، الهادي إلى الرشد، المبيِّن للحق، العاصم من الضلال والغي.

كما يقول: "والدين يمنح السياسي الضمير الحي أو (النفس اللوامة) التي تزجره أن يأكل الحرام من المال، أو يستحل الحرام من المجد، أو يأكل المال العام بالباطل، أو يأخذ الرشوة باسم الهدية أو العمولة".

وتأسيساً على ما تقدم يتضح الآتي:

- نفي العلاقة بين السياسة والدين قضية جدلية حديثة بين المفكرين الإسلاميين وخصومهم العلمانيين.

- العلاقة بين السياسة والدين قوية وراسخة في الفكر الإسلامي، وما يثيره العلمانيون حول هذه المسألة ما هو إلا تأثر بثقافة نبتت في غير بلادنا لحضارة غير حضارتنا، ومجتمعات غير مجتمعاتنا.

- الفكر السياسي الإسلامي (في عمومه) لا ينفك عن أصوله الدينية، وجذوره الشرعية، وبيئته الإسلامية، وتجربته التاريخية.

- العلمانية ليست دينا، ولا هي بديلة عن الدين، بل هي أفكار بشرية تسعى لفصل الدين عن الحياة وليس الدولة فحسب، ولدت في المجتمعات الغربية، وذلك على إثر طغيان الكنيسة وتطبيقها الخاطئ للدين، وترسيخها لنموذج الدولة "الثيوقراطية" التي يحكم فيها رجال الكنيسة باسم الإله، وتلك مفاهيم لا تمت لنظام الحكم الإسلامي ومبادئه بصلة.

- السياسة تحتاج إلى الدين كي يوجهها نحو الحق والخير، و يعصمها من الظلم والشر، ويكبح جماح القائمين عليها من الاستقواء بالسلطة أو الغرور بالقوة، أو الانحراف إلى الفساد والانغماس في الشهوات.