قضايا وآراء

"تنظيم كورونا" لقلب نظام الحكم

1300x600

"أنت جندي خائن، سنطبق عليك أقصى العقوبات".. لم تكن هذه رسالة تحذير عسكرية من قائد في الميدان لأحد جنوده المتخاذلين في مواجهة العدو، وإنما كانت رسالة صوتية وجهها مسؤول في وزارة الصحة المصرية لأحد الأطباء بعد شكواه من نقص التجهيزات الطبية المتوفرة في مواجهة وباء كورونا.

"تنظيم كورونا" ليس مزحة عزيزي القارئ، وليس محض سخرية أو استهزاء بفشل هذا النظام، ولكنه للأسف حقيقة موجعة في زمن كان التكافل والتضامن والتخفيف عن الشعوب هو شعار كل الحكومات في مواجهة كورونا؛ إلا النظام المصري الحالي بقيادة السيسي، فقد كان شعاره القمع أولا وثانيا وآخرا.

بداية الأمر جاءت بتعيين ضباط في الأمن الوطني في اللجنة العليا التي تشرف على مواجهة كورونا في محافظات مصر المختلفة، ثم بدأ النظام يطلق العنان للعقلية الأمنية في التعامل مع الفيروس القاتل، فكانت التعليمات الأمنية يعلو صوتها عن أي تعليمات أخرى، وكانت الحلول البوليسية هي الاستراتيجية الحاكمة لأي قرار سيتم اتخاذه. ووصل الأمر بالتأكيد إلى النهاية المتوقعة عندما يتولى ضابط في الأمن الوطني إدارة أي شيء داخل الدولة.

 

 

بدأ النظام يطلق العنان للعقلية الأمنية في التعامل مع الفيروس القاتل، فكانت التعليمات الأمنية يعلو صوتها عن أي تعليمات أخرى، وكانت الحلول البوليسية هي الاستراتيجية الحاكمة لأي قرار سيتم اتخاذه

والآن القضية رقم 558 نيابة أمن الدولة العليا، والمعروفة إعلاميا باسم قضية كورونا، وغدا يطلقون عليها تنظيم كورونا لقلب نظام الحكم، النظام الذي لم يكتف باعتقال الصحفيين مثل الأستاذ محمد منير، واعتقال المحامين والنشطاء السياسيين حتى في ظل أزمة كورونا، فبدأ مبكرا في ملاحقة أعضاء الفريق الطبي واعتقالهم إذا لزم الأمر، وهو ما تم في حالة الطبيبة آلاء شعبان حميدة، والبالغة من العمر 26 عاما، وهي زوجة وحامل أيضا في شهورها الأولى، والتهمة أنها أعطت أمرا للممرضة أن تتصل بالخط الساخن لوزارة الصحة للإبلاغ عن حالة اشتباه في الإصابة بكورونا، فما كان من عميد كلية طب جامعة الإسكندرية إلا أن أبلغ عنها الأمن الوطني فتم باعتقالها. ولم يختلف الأمر كثيرا مع سبعة أطباء آخرين تم اعتقالهم لأسباب مشابهة.

النظام المصري الحالي بقيادة السيسي يسجل باسمه في كل يوم إنجازات ستخلد في صفحات العار، فقد استدعى هذا التعامل "الغشيم" أمنيا ضد الأطباء وغيرهم أن تصدر منظمة العفو الدولية تقريرا شديد اللهجة يدين النظام المصري الحالي في قمعه لأعضاء الفريق الطبي تحديدا، حيث قال مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية فيليب لوثر: "بدلا من حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية من خلال معالجة مخاوفهم المشروعة بشأن سلامتهم، تتعامل السلطات المصرية مع أزمة كورونا باستخدام أساليبها القمعية المعتادة، ما أجبر العاملين في مجال الرعاية الصحية على اتخاذ الخيار المستحيل، فإما المخاطرة بحياتهم أو مواجهة السجن إذا تجرؤوا على رفع صوتهم بالشكاوى".

مصر الآن هي البلد الوحيد على مستوى العالم الذي يعتقل المزيد من البشر في ظل انتشار هذا الوباء القاتل، ولا يعبأ النظام العسكري كثيرا بكل المناشدات الطبية والحقوقية التي حذرت من تفشي المرض داخل السجون.

 

 

 

العقلية الأمنية تذهب بمصر إلى حافة الهاوية، فما بين "تنظيم كورونا" لقلب نظام الحكم وتنظيم إجراءات تفشي المرض داخل السجون بشكل متعمد، يُغرق النظام المصري نفسه في جرائم متتالية


لا أعلم كيف يفكر السيسي وحاشيته عند اتخاذ قرار باعتقال طبيب أو طبيبة أو حتى مواطن عادي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة الآن في مصر وتكدس السجون بآلاف المعتقلين داخلها؛ عدد كبير منهم مصابون بأمراض مزمنة ويعانون من الإهمال الطبي المتعمد، كما تمنعهم مصلحة السجون من العلاج اللازم والتريض، وهم الأكثر عرضة لخطر الموت بفيرس كورونا داخل محبسهم.

إدارة السجون المصرية تستخدم ما يعرف بـ"غرف التأديب" كأماكن للعزل، تلك الغرف المعروفة بافتقادها لمنافذ التهوية والنظافة، ولا تصلح بأي شكل كمكان آمن لعزل المصاب، أضف إلى ذلك التعنت الشديد في منع الزيارات للأهالي بحجة التباعد الاجتماعي ومنع تفشي كورونا.. إصابة سجين واحد تعني تفشي الوباء داخل سجن بأكمله، بضباطه وضباط الصف والعساكر إضافة إلى السجناء.

العقلية الأمنية تذهب بمصر إلى حافة الهاوية، فما بين "تنظيم كورونا" لقلب نظام الحكم وتنظيم إجراءات تفشي المرض داخل السجون بشكل متعمد، يُغرق النظام المصري نفسه في جرائم متتالية تجعله خالدا في الصفحة الأولى من مزابل التاريخ.

 

twitter.com/osgaweesh