قضايا وآراء

مبررات المسؤولية القانونية للحكومة البريطانية عن نكبة الشعب الفلسطيني

1300x600
تتجدد في كل عام ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني التي تصادف 15 أيار/ مايو/ وتتجدد معا مسؤولية الحكومة البريطانية عن أكبر جريمة احتلال في التاريخ وما زالت مستمرة؛ ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني باغتصاب أرضه وتسليمها للعصابات الصهيونية، والمساهمة بشكل أساس وفاعل في إنشاء دولة الكيان الصهيوني على أراضي الشعب الفلسطيني المغتصبة.

ما قامت به حكومة بريطانيا بعد استعمارها لفلسطين وإجلاء أهلها الفلسطينيين وإحلال بدلا منهم عصابات اليهود؛ يعد جريمة دولية ويحملها المسؤولية القانونية، وتبقى هذه المسؤولية مستمرة وتتضاعف ما بقي الاحتلال الصهيوني موجودا.

إن مناط مسؤولية الحكومة البريطانية يأتي لقيامها بالتصرف بأرض فلسطين ومنحها للصهاينة بموجب ما أطلق عليه "وعد بلفور"، بعد سيطرتها واستعمارها. هذا من جانب، ومن جانب آخر، تتأكد مسؤولية حكومة بريطانيا بموجب نظام الانتداب وبحكم التفويض الذي تم منحها إياه من قبل عصبة الأمم التي قررت الانتداب؛ باعتبار أن فلسطين مصنفة إقليما تحت الانتداب وفق معايير عصبة الأمم. ونظام الانتداب في ذلك الوقت ينحصر دور دولة الانتداب مساعدة هذا الإقليم الذي وضع تحت الانتداب على بناء مؤسسات دولته وتحقيق استقلاله.

وبعد إعلان الوعد اعتبرت الحركة الصهيونية العالمية هذا الوعد سندا قانونيا؛ قامت بالاعتماد عليه وعملت بموجبه على استقدام اليهود وتجميعهم في فلسطين، والإقامة فيها وتملك أراضيها وفرض السيطرة عليها بقوة السلاح والمجازر الإرهابية التي ارتكبتها عصابات الصهاينة. وفي النهاية تمت إقامة دولتهم المزعومة الاحتلالية المغتصبة، علما أنه عندما صدر الوعد المشؤوم لم يكن يشكل عدد اليهود في فلسطين أكثر من 5 في المئة من السكان، مقابل السكان الأصليين العرب الذين كانوا يشكلون ما نسبته 95 من سكان فلسطين. وسيتم استعراض أسباب تحمل الحكومة البريطانية المسؤولية القانونية:

أولا: حكومة بريطانيا من خلال وزير خارجيتها أصدرت الوعد المشؤوم الذي بموجبه قامت دولة الاحتلال الصهيونية.

ثانيا: بعد ذلك أصدرت الحكومة البريطانية أوامرها للإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت.

ثالثا: الحكومة البريطانية هي من سهل هجرة اليهود واستقدامهم إلى فلسطين، ومكنت لهم اغتصاب الأرض بقوة السلاح الذي منحته للعصابات اليهودية.

رابعا: الحقائق التاريخية التي مصدرها الوثائق البريطانية تشير إلى أن اليهود قبل عام 1917 لم يكونوا يملكون سوى 1 في المئة من أرض فلسطين، وبفعل مساعدة حكومة الانتداب للعصابات الصهيونية واستقدام اليهود، ارتفعت سيطرة عصابات اليهود على الأرض إلى 6 في المئة من مجموع مساحة فلسطين، من عام 1917 إلى عام 1948. وزاد عدد اليهود من عدد محدود من السكان في عام 1922 إلى 650 ألفا في عام 1948. وبهذا تكون حكومة الانتداب قامت بتحويل اليهود من أقلية في فلسطين إلى دولة احتلت كامل فلسطين، مما يؤكد مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والسياسية عن نكبة الشعب الفلسطيني.

خامسا: ما ذكره وزير المستعمرات البريطاني في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1933 في مجلس العموم شارحا الوضع في فلسطين؛ يشكل وثيقة واضحة على مسؤولية حكومة بريطانيا عن نكبة الشعب الفلسطيني، حيث قال "إن مسألة اللاجئين في أوروبا الوسطى لا يمكن تسويتها على حساب فلسطين. إن الشعب العربي عاش في تلك البلاد منذ قرون عديدة، ولم يؤخذ رأيه عندما صدر وعد بلفور ولا عندما وضع صك الانتداب".

سادسا: إن حكومة بريطانيا بفعلها انتهكت الالتزامات الدولية التي نص عليها ميثاق عصبة الأمم، وبما جاء في المادة (22) "وقد اقر مجلس العصبة ألا تزيد مدة الانتداب على ثلاث سنوات"، وتجاوزت عملها بصفتها حكومة انتداب وحرمت الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير الذي كُفل له بموجب المادة (22/3) من ميثاق عصبة الأمم: "إن بعض الجماعات التي كانت تابعة للإمبراطورية التركية فيما مضى قد وصلت إلى مرحلة من التقدم يمكن معه الاعتراف بوجودها كأمم مستقلة..". وكذلك ما جاء في المادة (1/2) من ميثاق الأمم المتحدة ".. وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها"، وما جاء في المادة (55): "رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سلمية ودية بين الأمم على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها".

إن ما تقدم من أسباب وأفعال مادية قامت بها حكومة بريطانية بصفتها دولة انتداب يؤكد قيام المسؤولية القانونية بحقها، ومن حق الشعب الفلسطيني ملاحقة المتسبب بمعاناته واحتلال أرضه، وله كذلك الحق بمطالبته بتعويضه عما لحقه من ضرر مادي ونفسي والاعتذار، وفق ما جاء بأحكام القانون الدولي والسوابق القضائية دولية:

1) أكدت محكمة العدل الدولية في سوابق كثيرة على وجوب التزام الدول المخلة بأحكام القانون جبر الضرر الناشئ عن انتهاكها لمبادئ القانون الدولي، حيث سبق أن أكدت المحكمة مبدأ التعويض في النزاع بين ألمانيا وبولونيا في قرارها الصادر بتاريخ 26 تموز/ يوليو 1927. فعلى حكومة بريطانيا أن تقدم اعتذارها الواضح للشعب الفلسطيني لما سببته لهم من ضرر مادي ونفسي، وضياع أراضيهم وهدم دولتهم. ومن السوابق على ذلك ما قامت وتقوم به ألمانيا بالاعتذار وتعويض عن الهولوكوست ضد اليهود، وكذلك اعتذار إيطاليا للشعب الليبي، واعتذار اليابان للصين.

2) تتأكد مسؤولية الحكومة البريطانية الدولية والجزائية والمدنية التي عرفها شراح القانون الدولي بأنها "الجزاء القانوني الذي يرتبه القانون الدولي على عدم احترام أحد أشخاص هذا القانون لالتزاماته الدولية"، وكذلك "الالتزام الذي يفرضه القانون الدولي على الشخص بإصلاح الضرر لصالح من كان ضحية تصرف..".

ويتضح من قواعد المسؤولية الدولية الجزائية ومبادئ القانون الدولي أنه إذا ارتكب أحد أشخاص القانون الدولي عملا غير مشروع أو مخالف لأحكام القانون الدولي، أو تم إلحاق الضرر بشخص من أشخاص القانون الدولي، فيجب على المتسبب تحمل المسؤولية الجزائية الدولية، والتعويض وإعادة الحال إلى ما كان عليه الحال قبل الضرر، وفق ما جاء في المادة (6) من الباب الثاني من قانون مسؤولية الدول:

أ) يجوز للدولة المتضررة أن تطلب من الدولة التي ارتكبت فعلا غير مشروع دوليا وقف هذا الفعل.

ب) إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل ارتكاب الفعل.

وختاما، لا بد من الإشارة إلى ما قاله المؤرخ البريطاني أرنولد عن مسؤولية حكومة بريطانيا في نشأة الكيان الصهيوني: "إذا كانت الدول الغربية تتحمل قسطا كبيرا من مسؤولية ما حدث في فلسطين، فإن بريطانيا المحتلة والمنتدبة تتحمل القسط الأكبر من محنة الحق والإنسانية في فلسطين".

وعليه، من حق الشعب الفلسطيني في كافة مناطق تواجده أن يقاضي الحكومة البريطانية أمام القضاء البريطاني صاحب الاختصاص؛ للنظر في كافة الجرائم التي ارتكبتها حكومة بلاده، والالتزام بإعادة الحال إلى ما كان عليه الحال قبل الاحتلال الصهيوني وتعويض المتضررين عن الضرر الذي لحق بهم. وإن مطالبة حكومة بريطانيا عن ذلك لا يعني بالتأكيد إغفال مطالبة الكيان الصهيوني وملاحقة قادته السياسيين والعسكريين عن الجرائم الذي ارتكبوها، وما زالوا يرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني، أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي أصبحت قاب قوسين من إيقاع العقوبة بحق قادة الكيان الصهيوني المجرمين، بما صدر أخيرا عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بقبول الاختصاص  الجغرافي لدولة فلسطين، وملاحقة الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني.