يلحظ المتابع توصيف عدد كبير من المقالات والتحليلات السياسية الأحزاب اليسارية في إسرائيل على أنها حمامة سلام، وبناء على ذلك انحاز عدد كبير من المحللين العرب والفلسطينيين إلى فكرة ضرورة تبوؤ اليسار سدة الحكم في إسرائيل؛ وبخاصة بعد فوز حزب "الليكود" في انتخابات الكنيست في صيف عام 1977. في وقت لا يختلف اليمين واليسار في إسرائيل في تعاطيهما مع القضية الفلسطينية، فهما وجهان لعملة واحدة، حيث يتنكر اليسار الصهيوني أساساً للحقوق الفلسطينية ويدعم تلك الأفكار ويقوم اليمين بتنفيذها.
المؤسس لدولة الاحتلال
تمّ تصنيف حزب "ماباي" الإسرائيلي في خانة اليسار الإسرائيلي، لأنه نادى بالصهيونية الاشتراكية، وهو الحزب الحاكم المؤسس في إسرائيل، ويعني بالعبرية "حزب عمال أرض إسرائيل"، فضلاً عن كونه المسؤول الأول عن سياسة ترحيل الفلسطينيين وفرض الحكم العسكري القمعي على الأقلية العربية داخل الخط الأخضر. وقد أراد "ماباي" منذ البداية السيطرة على أكبر مساحة من فلسطين، فشن عام 1967 عدوانا جديدا احتل فيه الضفة الغربية وقطاع غزة، وبهذا لم يختلف عن اليمين الصهيوني الذي نادى طوال الوقت بحلم "أرض إسرائيل الكبرى".
قادة إسرائيل منذ احتلال الضفة والقطاع، ينادون بتحقيق السلام مع العرب، في الوقت الذي يمارسون فيه أعمالاً عدوانية ضد سكان الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة
اعتبر متابعون عودة حزب العمل خلال عام 1992 إلى الحكم في إسرائيل بمثابة انقلاب في المشهد السياسي، بعد خمسة عشر عاماً من حكم اليمين. ما لبث اليمين أن انتزع الحكم في انتخابات 1996، ثم عاد اليسار ثانيةً في انتخابات 1999 بزعامة ايهود باراك، فيما اعتبرته بعض أوساط إسرائيلية في حينه فرصة تاريخية للتوصل إلى حل تاريخي مع الفلسطينيين. وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 أيلول/ أيلول 2000 وصولاً إلى انتخابات الكنيست 23 في بداية شهر آذار/ مارس الجاري، يلحظ المتابع غياب شبه تام لما يسمى معسكر اليسار الإسرائيلي، حيث استحوذ تحالف "العمل ـ غيشر ـ ميرتس" على 7 مقاعد فقط من إجمالي عدد مقاعد الكنيست الإسرائيلي البالغة 120 مقعداً ،الأمر الذي يؤكد إمكانية تلاشي الأحزاب التي ينعتها الكثير من المتابعين باليسار وعلى رأسها حزب العمل الإسرائيلي الذي كان من أهم رموزه اسحاق رابين وشمعون بيرز.
من المعروف أن قادة إسرائيل منذ احتلال الضفة والقطاع، ينادون بتحقيق السلام مع العرب، في الوقت الذي يمارسون فيه أعمالاً عدوانية ضد سكان الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والنشاط الاستيطاني المحموم خلال فترة حكمي العمل والليكود في عمق الضفة الغربية وفي قلب مدينة القدس، دالة كبرى على ذلك.
بغض النظر عن تصنيفات الأحزاب يسارية، يمينية، أو مسميات أخرى، هناك شبه إجماع على استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية وخاصة القدس وصولاً إلى ضمها،