يمتلك طبعا حادا ومترفعا ومتكلفا، أكاديمي ومتطلب أكثر من اللازم، يحلم كخبير اقتصادي سابق في البنك الدولي ووزير مالية أسبق بإعادة إعمار بلاده، بحسب مطلعين على الشأن الأفغاني.
تقييمه لنفسه عال جدا إذ لديه اعتقاد لا يقبل الشك بأنه أحد الأشخاص القلائل القادرين على تحمل المسؤولية، رغم أن "حركة طالبان" تعتبره "دمية" في يد الولايات المتحدة الأمريكية.
يوصف بـأنه "براغماتي"، فرغم كراهيته لـ"طالبان" إلا أنه دعا الحركة إلى المشاركة في الانتخابات، حقق العديد من الانتصارات في حملته الانتخابية لرئاسة البلاد بفضل خطاباته النارية.
بدأ أشرف غني، المولود عام 1949 في ولاية لوغر في أفغانستان، باستخدام اسم قبيلته "احمدزاي" لكي يؤكد على انتمائه للبشتون، ذوي التأثير الكبير في أفغانستان، مع أنه يشدد على أهمية توحيد قبائل البلاد وإثنياتها المشتتة.
حصل على شهادة البكالوريوس من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1973، وهناك تعرف على زوجته الحالية اللبنانية المسيحية رولا سعادة، وعاد بعد تخرجه إلى أفغانستان لتعليم الدراسات الأفغانية والأنثروبولوجيا في جامعة كابول قبل أن يحصل على منحة الحكومة عام 1977 لدراسة الماجستير بنفس التخصص من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.
إبان الغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1978 كان غني يقيم في أمريكا، وبقي هناك لإكمال دراسته فحصل درجة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية من جامعة كولومبيا، ثم دعي للتدريس في جامعة كاليفورنيا، وجامعتي "جونز هوبكنز"و "آرهوس" في الدانمارك.
وفي تلك الفترة أصبح معلقا على خدمات "بي بي سي" الفارسية والبشتونية التي تبث في أفغانستان، وقدم سلسلة أبحاث أكاديمية تمحورت حول بناء الدولة والتحول الاجتماعي. كما أكمل سنة من العمل الميداني والبحث في المدارس الدينية الباكستانية، كما درس مقارنة الأديان.
في مرحلة لاحقة سيعمل غني في البنك الدولي عام 1991، وفيما بعد يصبح مستشارا خاصا للأمم المتحدة عام 2001، وعضوا في لجنة "التمكين القانوني للفقراء" وهي مبادرة مستقلة استضافها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثم مهندسا رئيسيا في تشكيل الحكومة الانتقالية التي تقلد فيها منصب وزير المالية في ظل رئاسة حميد كرزاي ما بين عامي 2002 و 2004، وكانت مهمته انعاش الاقتصاد بعد انهيار "حكومة طالبان".
ترشح غني في الانتخابات الرئاسية الأفغانية عام 2009، ولكنه حل رابعا بعد أن حاز على 3% فقط من أصوات الناخبين، ليترأس بعدها مباشرة المفوضية التي كانت مكلفة بنقل الصلاحيات بين القوات الأجنبية والقوات الأمنية الأفغانية.
وفي انتخابات عام 2014 ونظرا لعدم حصول أي مرشح على أكثر من 50% من الأصوات، خاض غني ومنافسه عبد الله عبد الله جولة ثانية من الانتخابات، وأظهرت النتائج الأولية تقدم غني على منافسه، إلا أن "عبد الله" رفض الاعتراف بالنتائج بسبب ما "عمليات تزوير مكثفة"، بحسبه.
وبعد أشهر من الأزمة وتدخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، اتفق المرشحان على اقتسام السلطة بينهما، وبموجبه تم إعلان فوز غني بمنصب الرئاسة ومنح منافسه منصب "رئيس تنفيذي"، أنيطت به صلاحيات واسعة وفقا لبنود الاتفاق.
وفي اليوم الثاني من رئاسته، أعلن غني عن التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي سبق أن رفضها سلفه كرزاي، وهي الاتفاقية التي تسمح لواشنطن بإبقاء مجموعة من قواتها في البلاد مع خفض تعدادها.
عمد غني في فترة رئاسته الأولى إلى طرح عملة جديدة للبلاد، ووضع نظام ضريبيا، وشجع المغتربين الأفغان الأغنياء على العودة إلى وطنهم، كما تقرب من المانحين وأحرز في ولايته الأولى تقدما ضئيلا في المعركة ضد الفساد المتجذر في الإدارة الأفغانية.
اقرأ أيضا: بدء هدنة في أفغانستان تشكل شرطا لاتفاق تاريخي
وبعد نحو خمسة أشهر أعلنت لجنة الانتخابات الأفغانية أخيرا، فوز أشرف غني بولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، وحصوله على نسبة 50.6 % من أصوات الناخبين. فيما حصل المنافس التقليدي عبد الله عبد الله حصل على المرتبة الثانية بنسبة 39.52 بالمئة من الأصوات، في الانتخابات التي أجريت في أيلول/ سبتمبر الماضي.
لكن منافسه يرفض لنتائج الرسمية التي أعلنتها لجنة الانتخابات المستقلة بالبلاد، مؤكدا فوزه هو في الانتخابات، وردا على النتائج المعلنة، غرد على "تويتر" بالقول: "رسالتي إلى الشعب الأفغاني هذه الليلة هي أنه ليس هناك شك في أننا الفائزون بالانتخابات، وذلك بناء على الأصوات الشفافة والبيومترية".
وأضاف أن "القرار بشأن الأصوات المتنازع عليها كان غير قانوني، ويرقى إلى انقلاب وخيانة وطنية لصالح الفريق المنافس"، مؤكدا أننا "لا نقبل النتائج المزورة، وإننا نعلن فوزنا، وسنقوم الآن بتشكيل حكومة شاملة، وندعو جميع مواطنينا الذين يؤمنون بالديمقراطية والإنصاف للوقوف معنا".
وهذه رابع انتخابات رئاسية تنظيم منذ انتهاء حكم "طالبان " عام 2001.
يسعى غني في فترة رئاسته الثانية إلى إصلاح العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، إلا أن أسلوبه العدائي قد يؤثر سلبا على علاقاته مع واشنطن فقد سبق أن قال إن "من كل دولار أمريكي لا يحصل الشعب الأفغاني على أكثر من عشرة سنتات"، مضيفا بأن "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واحدة من الجهات المانحة غير الكفء".
ولا تزال المساعدات الأجنبية تمثل أكثر من نصف موازنة حكومة البلاد، كما أن المانحين يشككون في مدى فعالية استخدامها.
وتعقدت العلاقات بين كابول وواشنطن عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ إلغاء المحادثات مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة.
والمفاوضات تلك هي التي يتحدث عنها غني بسلبية واضحة نظرا لعدم دعوة حكومة كابول إليها، مؤكدا أنه "في نهاية أي اتفاق سلام فإن صانع القرار سيكون الحكومة الأفغانية". وأضاف: "تأكدوا أنه لا يمكن لأحد تنحيتنا جانبا".
وأعلنت الحركة والولايات المتحدة مؤخرا أنهما على أبواب توقيع اتفاق سلام نهاية فبراير/ شباط الجاري في الدوحة بحضور ممثلي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي، والدول المجاورة لأفغانستان.
وبعد إبرام الاتفاق ستقوم الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية بإخلاء سبيل خمسة آلاف من أعضاء الحركة، فيما ستفرج طالبان عن ألف معتقل لديها.
وأشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، إلى تشكّل فرصة جيدة لإنهاء الحرب المستمرة منذ قرابة 40 عاما في أفغانستان، وتحقيق الاستقرار فيها.
وتسيطر طالبان على نحو 59 من أصل 407 وحدات إدارية تتشكل منها أفغانستان، بينما تتمتع بنفوذ في 119 وحدة إدارية أخرى، وفق تقرير مكتب الولايات المتحدة لإعادة إعمار أفغانستان.
وكانت الولايات المتحدة قد صرحت أخيرا أنها ستسحب نحو مئة مليون دولار مخصصة لمشروع للبنية الأساسية في مجال الطاقة في أفغانستان، كما حجبت مساعدات أخرى تبلغ 60 مليون دولار قائلة إن ذلك بسبب "الفساد وغياب الشفافية في البلاد".
غني الذي مل المكوث طويلا في القصر الرئاسي في كابول بدلا من بيته الواقع على مشارف المدينة، يعلن عن تذمره قائلا": "لن أعيش حياة معزولة في القصر الرئاسي"، مؤكدا "اعتزم أن اتنقل، كما فعلت أثناء دوري في نقل المهام الأمنية. لا يمكنني الجلوس في أماكن مغلقة". وتابع: "يقولون لي أن شخصا أو أخر سيغتالني، ولكنني لا أزال أتنقل".
يحافظ غني على روتين يومي ثابت في حياته بعد أن أصيب بسرطان المعدة مما اضطر الأطباء إلى إزالة جزء من معدته، ما يجعله غير قادر على تناول وجبات كاملة ويكتفي بالوجبات الخفيفة.
سيكون غني أمام اتفاق "سلام مشروط" لا مفر من الإنحاء أمامه وقبوله أو البقاء حبيس "القصر الرئاسي".