نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافية كيم غطاس، تقول فيه إنه على الرغم من الخطاب الناري للرياض إلا أنها تستفيد فعليا من المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
وتبدأ غطاس مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "فيديو صور متحركة تم إصداره في كانون الأول/ ديسمبر 2017، تم فيه تصوير ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يغزو إيران بعد أن هاجمت قوارب إيرانية سفينة سعودية تحمل المساعدات الإنسانية، وفي نهاية الفيديو، تقوم القوات السعودية، بمهاجمة معسكر، حيث يظهر قاسم سليماني منهكا ويستسلم وهو راكع على ركبتيه، وأنتجته مؤسسة تدعو نفسها القوة السعودية الضاربة، وتم إنتاجه بعدة لغات، بما فيها الماندرين، وتمت مشاهدته 1.5 مليون مرة".
وتقول الكاتبة: "في عالم الواقع مات سليماني، ولم يقتله السعوديون، بل قتل في غارة أمريكية، في 3 كانون الثاني/ يناير، خارج مطار بغداد، بعد عودته من لبنان وسوريا في إحدى مهماته بصفته مهندسا لقواعد قوة إيران الإقليمية".
وتشير غطاس إلى أن "السعوديين عكسوا فرحهم على (تويتر)، واحتفى الإعلام السعودي الرسمي، فأعلنت صحيفة الرياض أن عقدا جديدا بدأ في المنطقة بتضاؤل ظل إيران، وإن احتفل المسؤولون السعوديون بتلك المناسبة فقد فعلوا ذلك بهدوء، فقد ارتاحوا من سليماني وما زاد من راحتهم هو أنهم لم يضطروا لفعل ذلك بأنفسهم، لكنهم في حالة خوف من الانتقام الإيراني، فصدرت دعوات سريعة تدعو لتخفيض التصعيد، وخلال ثلاثة أيام سافر شقيق ولي العهد ونائب وزير الدفاع خالد بن سلمان إلى واشنطن لحضور اجتماعات في البيت الأبيض".
وتلفت الكاتبة إلى أن "هذا النمط من المطالبة بالقيام بفعل صارم ضد إيران ثم الدعوة إلى تخفيض التصعيد ميز التنافس السعودي الإيراني منذ الثورة الإيرانية عام 1979، وتلك السنة تذكر على أنها السنة التي أصبحت فيها إيران وأمريكا عدوتين بعد أزمة رهائن السفارة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن العلاقة بين طهران والرياض تغيرت أيضا، فالبلدان اللتان كانتا متنافستين صديقتين وعماد الجهود الأمريكية لاحتواء النفوذ السوفييتي في المنطقة أصبحتا عدوتين عندما بدأ آية الله الخميني، القائد الأعلى للثورة، بتحدي السعوديين في دورهم بصفتهم قادة للعالم الإسلامي والقيمين على الحرمين في مكة والمدينة".
وتقول غطاس إن "هذا التنافس أصبح جزءا جوهريا من علاقة العداوة بين أمريكا وإيران على مدى الأربعين عاما الماضية، حيث خلق علاقة ثلاثية تؤدي السعودية فيها دور الثقل الموازن لطهران، لكن السعودية تتغذى على هذا الوضع وتغذيه، فبالمقدار ذاته الذي تكره فيه المملكة إيران، أصبح موقعها بصفتها صديقة خاصة لأمريكا في المنطقة مرتبطا باستمرار النظام في طهران".
وتجد الكاتبة أن "هذا ما يفسر غضب الرياض من باراك أوباما عندما سعى إلى انفراج مع إيران، خشية من أن ذلك سيقوض مكانتها في المنطقة، وأصبح هذا الاعتماد أكثر أهمية في وقت تحاط به علاقة السعودية بأمريكا بالمخاطر بسبب الاختراق المزعوم لهاتف رئيس شركة (أمازون)، جيف بيزوس، من محمد بن سلمان وقتل الصحافي جمال خاشقجي، الذي كان يكتب في صحيفة (واشنطن بوست)، فأخطاء السعودية وتجاوزاتها كلها تبدو معفاة ما دامت إدارة ترامب تركز على الضغط على إيران".
وتستدرك غطاس بأن "السعودية تجد نفسها الآن في مواجهة معضلة معقدة، فهي تريد أن تضرب إيران لكنها لا تريدها أن تكسر، وتعتمد على الآخرين لفعل ذلك لأنها ليست قادرة على القيام بهذه المهمة، لا من ناحية عسكرية ولا من ناحية تخطيط استراتيجي، لكن السعودية اكتشفت أن إدارة ترامب قد تكون صديقا متقلبا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لهجوم إيراني، كما حصل في أيلول/ سبتمبر 2019، عندما قامت ما يعتقد أنها طائرات مسيرة إيرانية بمهاجمة منشآت نفطية سعودية، وكان رد أمريكا الكثير من التهديد والقليل من الفعل، ولم يكن هناك انتقام أمريكي للسعودية، ومع أن إدارة ترامب نشرت آلاف الجنود الإضافيين في السعودية، بقي السعوديون يشعرون أنهم معرضون للخطر، ولذلك وفي ظرف شهر من الهجوم على منشآت تصفية النفط التابعة لـ(أرامكو) بدأ السعوديون باختبار إمكانية إجراء محادثات غير مباشرة مع إيران، من خلال وساطة العراق وباكستان للتخفيف من التوتر."
وتنوه الكاتبة إلى أنه "بعد مقتل سليماني تتطابق دعوات السعودية لتخفيض التصعيد مع النموذج ذاته، وبعد أن شاهدت بقلق تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية بفضل عمل سليماني إلى حد كبير، فإن السعودية ستكون الآن تأمل بأن تكون هناك فرصة لها؛ لأنه بغض النظر عن عدد حيل سليماني التي تم إدخالها إلى المؤسسة، فإن خليفته لن يكون بالفعالية ذاتها التي كان هو فيها، فهل هناك فرصة للحوار مع زعماء الشيعة في العراق الذين يحرصون على النأي بأنفسهم عن إيران؟ وهل هذه هي اللحظة للحصول على تنازل من حزب الله في لبنان، الذي يعد وكيل إيران الأنجح؟".
وتفيد غطاس بأن "هذا القائد الإيراني كان عدوا لولي العهد الشاب، فهو شخص في الغالب أثار شيئا من الغيرة والإعجاب لتمكنه من تحقيق ما شعر ابن سلمان أن المملكة لم تتمكن من إتقانه: استراتيجية إقليمية تثير الخوف والاحترام وشبكة من الوكلاء والحلفاء".
وتؤكد الكاتبة أن "فيلم الكرتون المنمق لعام 2017، الذي يستعرض الترسانة العسكرية السعودية الثمينة، يعكس أحلام الأمير محمد التي كان يحلم بها عندما وصل إلى السلطة بين عامي 2015 و2017، فحاول تجريب سياسة خارجية تعتمد على القوة على غير العادة، فأطلق الحروب، وفرض الحصار، ويبدأ الفيلم بجملة قالها الأمير محمد خلال مقابلة مع قناة الإخبارية في أيار/ مايو 2017، فقال: (لن ننتظر حتى يأتي القتال الى السعودية، سننقل المعركة إلى إيران)".
وتستدرك غطاس قائلة: "لكن الآن أفاق الأمير بإدراكه أن خيلاءه لم يجلب شيئا للمنطقة سوى حرب مدمرة في اليمن، وحصار فاشل على قطر، والأسوأ من هذا هو أن إيران هي التي جلبت الحرب للسعودية بمهاجمتها منشآت (أرامكو)".
وتقول الكاتبة: "الآن حين أظهرت أمريكا أنيابها بقتل سليماني وفرض مزيد من العقوبات على إيران، فإنه يمكن للسعودية أن تشعر بالاطمئنان، لكن لا يمكنها التأكد إن كانت هناك سياسة ترامبية جديدة متماسكة أم أن هذه مجرد فلتة ستعرضهم مرة أخرى للمرة القادمة التي تقرر فيها إيران توجيه ضربة".
وتختم غطاس مقالها بالقول: "مع استمرار المظاهرات في إيران ورفع إدارة ترامب للضغط على طهران، حيث تقوم بخنقها اقتصاديا، فإن الحديث عن تغيير النظام أو انهياره عاد للأجواء ثانية، والسعوديون يراقبون أيضا بخوف، ففي نهاية الفيلم يرحب الإيرانيون بالجيش السعودي باعتباره منقذا ويلوح المواطنون في طهران بالعلم السعودي، وهذا محض خيال، وفي الواقع فإن الجيش السعودي لن يكون مرحبا به في إيران، وفي الحقيقة أيضا فإن المملكة تحتاج أن يعيش النظام الإيراني الحالي".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
بوليتيكو: لماذا يتجنب حلفاء ترامب بالمنطقة مواجهة إيران؟
WSJ: هكذا تنظر دول الخليج وإسرائيل للمواجهة مع إيران
إنترسبت: كيف يخدم اغتيال سليماني طموحات إسرائيل والسعودية؟