حرصت إسرائيل على كبت فرحتها ورضاها التامين من الجرأة غير المتوقعة للرئيس دونالد ترامب بقيامه باغتيال الجنرال قاسم سليماني وذلك خشية منها على تمام وكمال إنجازها بتلقيها جزءا من الرد الإيراني المتوقع على عملية الاغتيال، والتزاما نادراً بتعليمات نتنياهو لوزرائه بعدم إدلاء التصريحات حول الموضوع .
فقد أنجزت لها هذه العملية هدفين أساسيين لم يسبق أن اجتمعا لها معاً، وبهذه الصورة، أما الأول فقد تخلصت وعلى يد الأمريكان ممن كانت تعتبره وعلى لسان أكثر من مسؤول ووزير، وكان آخرهن إسرائيل كاتس عدوها الأول والأشرس في الشرق الاوسط، أي قاسم سليماني. وأما الثاني فهو توافق مصلحتها ومشاعرها مع مشاعر جماهير واسعة من العرب والمسلمين الساخطين على مواقف سليماني في سوريا واليمن والعراق.
نتنياهو عاد وأكد أمس مرة أخرى تصريحاته التي أدلى بها بعد قطعه لزيارته الفاشلة على الأرجح في حصار تركيا في اليونان التي أكد فيها أن (إسرائيل تقف إلى جانب أمريكا، وسليماني مسؤول عن قتل مواطنين أمريكان وأبرياء كثيرين، وقد كان يعتزم تنفيذ اعتداءات أخرى، الرئيس ترامب يستحق كل التقدير على عمله بإصرار وقوة وسرعة).
فاغتيال الجنرال سليماني قدم لإسرائيل خدمة هائلة لا توصف على حد تعبير أحد المسؤولين السابقين في وحدة الأبحاث التابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فقد أبعد عنها شبح (الحرب القريبة) في الشمال والتي كان سليماني يقودها ويعد لها العدة، والأهم من ذلك وفق إسرائيل أنه سيوقف الانسحاب الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط مرحلياً على الأقل، بعكس خطط ترامب السابقة وحتى لا يظهر كمن هرب أو انسحب تحت ضغط التهديدات الإيرانية، وقد أجرى نتينياهو في الأسبوع الأخير ثلاثة اتصالات مع بومبيو كان آخرها أمس حيث ناقش الأوضاع بعد اغتيال سليماني واتفقا على ضرورة الاستمرار في مقاومة النفوذ الإيراني في المنطقة.
أما على صعيد السياسة الداخلية، فقد اعتبر مدير التحرير في صحيفة هآرتس، ألوف بن، أن ترامب أهدى هدية لنتنياهو لا تقدر بثمن حيث غير جدول الأعمال في الدولة من موضوع قضايا الفساد التي تلاحق نتيياهو و تؤرقه إلى الموضوع الأمني المريح لنتنياهو، لم يكن هذا الإهداء إلا وظيفة كاملة لعملية الاغتيال، الوظيفة الظاهرة والمقصودة كانت موجهة لمن اعتبره ألوف بن مقاول ثانوي لسياسات أمريكا ضد داعش فبعد أن ارتكب خطأ استراتيجيا وتحول للعمل ضد أمريكا بشكل مباشر في العراق وفق تقديراته.
التقديرات في اسرائيل تقول بأنها تلقت إنذارا مسبقاً لعملية الاغتيال وهذا ما أشار له رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق يهود أولمرت للقناة11، أمس، موضحاً أن القرار المبدئي باغتيال قاسم سليماني كان قبل فترة طويلة، وبأن الاستخبارات الامريكية والإسرائيلية كانتا تتابعان تحركاته باستمرار لكن القرار المحدد تم في الفترة الاخيرة، وقد تلقت إسرائيل والسعودية إنذارا مسبقا للاستعداد له، كم مدة هذا الإنذار؟ أيام أم ساعات اختلفت التقديرات، بعضها قال ساعات وبعضها قال عدة أيام، والمرجح عدة ساعات.
تعتقد إسرائيل وبعد ثلاث جلسات لتقدير الموقف عقدها وزير الدفاع بينت مع رئيس الأركان وكبار قادة الأجهزة الأمنية في مقر وزارة الدفاع أمس الأول بأن احتمالية توجيه إيران لضربة عسكرية إسرائيلية احتمالات ضعيفة، لذا لم تصدر التعليمات بتعزيز القوات على الحدود الشمالية بالرغم من تصريحات ليبرمان بأن الجبهة الشمالية غير جاهزة لمواجهة أي هجمات صاروخية ولكنها أي اسرائيل رفعت مستوى الاستعداد في سفاراتها في الخارج، وقد تكون تصريحات المسؤولين الإيرانيين أمس الواضحة بالتهديد بضرب إسرائيل هي ما دفعت رئيس الأركان كوخافي لتغيير الموقف، والأمر بتعزيز قوات المدفعية على المناطق الحدودية في الشمال تحسبا لرد إيراني مفاجئ .
وقد أصدر اليوم 6-1 معهد أبحاث الأمن القومي-جامعة تل أبيب تقديرا يدعو فيه لبلورة استراتيجية جديدة في أعقاب اغتيال سليماني والاستعداد لكل الاحتمالات، كما أثار احتمالية تأجيل إيران لبعض ردودها لحين انخفاض وتراجع التأهب الأمريكي، فيما أعرب البرفسور، شاؤول فوريب، رئيس وكالة الطاقة النووية الاسبق بأن اغتيال سليماني لن يؤثر على سياسة إيران في الشرق الأوسط في المدى المتوسط والبعيد، فلكل قائد بديل.
وفي الختام من الممكن القول بأن تداعيات اغتيال الجنرال قاسم سليماني ما زالت في بداياتها واحتمالاتها مفتوحة ويتم بمرحلة مستمرة من التوتر والترقب والتصعيد.
قاسم سليماني.. بين الفعل الأمريكي والرد الإيراني
ما بعد مقتل سليماني.. نذر مواجهة لن تقع!!
ماذا بعد اغتيال الجنرال سليماني؟