كشفت التصريحات الحادة بين الولايات المتحدة والمليشيات الموالية لإيران بالعراق، تنامي حالة الصراع بين طهران وواشنطن، ما يثير تساؤلات فيما إذا كان سيصل إلى الصدام بين الطرفين، أم إنها وسيلة ضغط تمهد المفاوضات؟
ولعل آخرها تهديدات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الجمعة الماضي، بـ"رد حاسم" ضد إيران أو من ينوب عنها، إذا تعرضت مصالح بلاده للأذى في العراق، وذلك بعد سلسلة هجمات صاروخية على قواعد عسكرية أمريكية.
"الجلوس للمفاوضات"
الخبير العسكري العقيد الركن المتقاعد حاتم الفلاحي، قال لـ"عربي21"، إن "منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرات كبيرة جدا نتيجة تأجيج الصراعات الداخلية في الكثير من الدول، خاصة تلك التي لدى إيران نفوذ فيها، ومنها العراق وسوريا".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول "استثمار ما يحصل في العراق من انقلاب كامل للحاضنة الأيديولوجية التي كانت هي الداعم الرئيسي لنظام الحكم بالعراق، الذين يعتبرون موالين لإيران بشكل كبير جدا".
وأردف: "واشنطن تريد أن تستثمر ما هو موجود من تأجيج صراعات، وخروج تظاهرات ضد نفوذ طهران، كي تقول لها بأنني أستطيع قلب الطاولة بالمنطقة، وعليكم أن تتهيؤوا للجلوس إلى طاولة مفاوضات، وإلا فإن جميع نفوذكم بالمنطقة مهدد بالزوال".
ولفت الفلاحي إلى أنه "بضمن ذلك المظاهرات التي حصلت داخل إيران، والتي تعطي صورة واضحة أن النظام الإيراني يمر بأزمة حقيقي، وهذه الأزمة تستفيد منها الولايات المتحدة، في فرض شروطها لغرض التفاوض".
"حرب بالوكالة"
وبخصوص وصول الصراع إلى حالة من الصدام العسكري، رأى الفلاحي في حديثه لـ"عربي21" أن "الحرب بالوكالة بين أمريكا وإيران، قائمة وعلى أشدها، وقد كانت هناك ضربات في الفترة السابقة لإسرائيل على مواقع قوات الحشد الشعبي (مقربة من إيران) في العراق".
وتابع الفلاحي: "في المقابل هناك ضربات على بعض الدول العربية التي تعتبر من المحور الأمريكي بالمنطقة كما حصل في قصف شركة أرامكو وضرب ناقلات النفط وإسقاط الطائرة المسيرة، إضافة إلى استهداف قواعد أمريكا في العراق بصواريخ كاتيوشا".
وفيما يخص العراق، قال الفلاحي إن "قرار المواجهة بين المليشيات الموالية لإيران بالعراق والولايات المتحدة، ليس بيد الأولى، وإنما بيد طهران، وما سيقوله الولي الفقيه تنفذه هذه المليشيات الولائية التي تسمع وتطيع للولي الفقيه في إيران".
وأكد أن "إيران قد تسعى إلى هذا الصراع لأنها تحاول أن تخفف الضغط السياسي والحصار الاقتصادي سواء كان بالداخل، أو بالخارج على حلفائها بأن تفتعل مواجهة في منطقة معينة بضرب قطعات عسكرية أمريكية أو استهداف حلفائها، وتهدف من خلالها إلى تحسين شروط تفاوضها مع واشنطن".
ورأى الفلاحي أن "إيران تريد تحويل دول المنطقة إلى ساحة صراع مع الولايات المتحدة، وهذا ما صرح به قائد الحرس الثوري سلامي، الذي قال إن أفضل استراتيجية للاشتباك مع العدو تكون عن بعد، في إشارة إلى أنها تنوي نقل أي مواجهة مع أمريكا إلى الدول التي لها نفوذ فيها".
وتابع: "المسرح العسكري بدأ يتعقد جدا في المنطقة بسبب زيادة الوجود الأمريكي، وهذا يعطي دليلا واضحا على أنها تتحسب للظروف الطارئة بالمنطقة، إذا ما فكر نظام إيران وأدواته التي يُضغط عليها بالعراق ولبنان، الهروب من الواقع الداخلي، وافتعال ضربات محددة سواء كانت باتجاه إسرائيل أو القوات الأمريكية أو دول المنطقة".
واستبعد الفلاحي المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، "فالأخيرة توظف البعد الديني والمذهبي لخوض معارك نوعية تعتمد على القوة الصاروخية والطائرات المسيرة، والمليشيات المسلحة التي شكلتها في دول المنطقة ومنها العراق، ومن ثم تستخدم الأذرع للاشتباك مع واشنطن عن بعد، لأن الطرفين لا يسعيان إلى المواجهة المباشرة".
"تصعيد خطير"
من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي الدكتور سعدون التكريتي، أن "التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، التي حملت تهديدا مباشرا لإيران، تحمل رسائل تصعيد خطيرة".
وقال في حديث لـ"عربي21" إنه "في ظل المظاهرات الشعبية التي يشهدها البلد، الأمور ما زالت خطيرة في العراق، خصوصا مع تصريح بومبيو ضد وكلاء إيران".
وأشار إلى أن "العراق في الوقت الحاضر يشهد صراعا أمريكا إيرانيا على أشده، إذ إن أمريكا تحاول أن تضغط على إيران من خلال المظاهرات، لأن إبقاء النظام الحالي في العراق الذي يدين لطهران بالولاء، يمثل بالنسبة للأخيرة خطا أحمر".
ولفت التكريتي إلى أن "إيران حاولت منذ البداية عبر وكلائها، وبإشراف مباشر من قائد فيلق القدس الإيراني إنهاء المظاهرات بالعراق، التي خرجت بشكل عفوي خشية استغلالها أمريكا للضغط عليها".
ونوه إلى أن "استمرار الأوضاع في العراق، قد يدفع إلى تدويل قمع المتظاهرين، ومن ثم فرض عقوبات من مجلس الأمن واردة، لأن البيان الأخير للمجلس حمل عبارات دعوات ومطالبة للحكومة بالعراق، أي إن الباب ما يزال مفتوحا لإصلاح ما يجري".
يشار إلى أن مليشيا النجباء العراقية الموالية لإيران بزعامة المعمم أكرم الكعبي، كانت قد حذرت الولايات المتحدة من "استغلال" الأوضاع التي يمر بها العراق لاستهداف مواقع الحشد الشعبي، فيما أعلنت استعدادها لـ"كل الاحتمالات".
يأتي ذلك بعد تصريحات نقلتها وكالة "رويترز"، الاثنين الماضي، عن مسؤول عسكري أمريكي كبير (لم تذكر اسمه) قوله، إن تحليل بقايا الصواريخ أشار إلى "وقوف فصائل عراقية مسلحة خلف تلك الهجمات".
وأضاف أن تلك الفصائل زادت من وابل الصواريخ، وهذا أمر مقلق لنا؛ فهي "تقترب من الخط الأحمر الذي ترد عنده قوات التحالف الدولي بالقوة، وعندها لن تكون النتيجة محببة لأحد".
صحيفة: المليشيا الموالية لإيران تحاول إجهاض الحراك العراقي
أين تقف مرجعية النجف من الاحتجاجات الشعبية في العراق؟
ما هي رسائل واشنطن من فرض عقوبات على شخصيات عراقية الآن؟