عندما خرج الشعب اللبناني في الشوارع رافعا شعار "ريحتكم فاحت" لطبقة السياسيين وقادة الطوائف والأحزاب والمسؤولين، كان يعني بأن للفساد رائحة عنيفة كريهة لا تقبلها النفس البشرية، مهما تراكمت حسابات المفسدين في البنوك، إلا أنها نتنة الرائحة، وعاقبتها عفنة وقذرة.
عندما تداعت شعوب أخرى للوقوف في الساحات
بعدما أزكمت رائحة الفساد الأنوف، وسدت القمامة الشوارع، وتبخرت مليارات الشعب هنا
وهناك، هذه كلماتهم وأقوالهم، رأينا عاقبة الفساد في ربيعنا العربي الدامي، حينما
سحلت الجموع الغاضبة الفاسدين، أبصرنا كيف كانت عاقبة الفاسدين المفسدين، العالم
العربي، تفوح فيه رائحة الفساد، ويكتوي الأبرياء بنارها، ألا يحق لنا لما تبقى من
دولنا التي لم تصل بعد إلى حالة انهيار الدولة بسبب الفساد بعد، أن تستبصر الأمر
قليلا، وتفكر في المآل.
رائحة المشاريع الوهمية فاحت بشكل سد الأنوف،
ورائحة الشركات الكرتونية بلغت رائحتها الرؤوس، ورائحة السرقات المبرمجة بلغت
العنان، والأموال العامة المنهوبة، أزكمت رائحتها النتنة شوارع مدن الغرب، ورائحة
دماء الأبرياء ترتفع إلى السماء باكية ظلم واستغلال القوي للضعيف، ورائحة الطائفية
ننكزها نكزا لتفوح كراهيتها وتتعدى المكان، ورائحة القبلية نعبئها في أكياس سنوية
لنحتفل بها على أنقاض المواطنة ودولة المواطن.
طائراتنا المغادرة ممتلئة برائحة الوطن
المنهوب، وبيوتنا وقصورنا المشتراة تشتكي من لبن الوطن المسكوب، من لهؤلاء في وطن
مسروق؟، من لأولئك الذين تركوا على قارعة الطريق المنهوب؟.
أين رائحة ديمقراطيتنا الموعودة؟ أين رائحة
دساتيرنا المكتوبة؟ أين إسلامنا الجميل؟ أين عقيدتنا الغراء، أين أخوتنا السمحاء،
كيف نتقاتل على شق تمرة ؟ كيف نتقاتل على دخول الجنة وهي تسع السموات والأرض؟، كيف
ندعي حب الله ونقتل باسمه؟ كيف ندعي حب رسوله ونفتري ونسرق بتأويل حديثه؟ ولكن
عندما تأتي رائحة التقشف تملأ أنوف المتعبين فقط، ويقتص من المساكين، هم لا يشمون
رائحة الفلوس أصلا ولكن عليهم أن يشموا رائحة غيابها.
نحن أمة ذهب ريحها وبقيت رائحتها، نحن شعوب
مزكومة بالتاريخ، تشتم رائحته لتعيد مآسيه، نحن أمة تمتدح عمر وأبا بكر وعثمان
وعلياّ، لكنها تعشق رائحة أبي لهب وأبي جهل وابن سلول.