كتاب عربي 21

المركزي الليبي وتقرير الإيرادات والمصروفات الأخير

1300x600

من المهم الإشادة باستمرار المصرف المركزي في إصدار تقاريره المهمة وتوثيقه لتنفيذ الميزانية العامة نصف سنويا وبعد تسعة أشهر ومع نهاية العام. مع التنبيه إلى تراجع إصدار بعض الدراسات وتوقف التقرير السنوي، الذي دأب المصرف على نشره منذ عقود كل عام حتى العام 2014م. والإشادة بالطبع تلحق المؤسسة الوطنية للنفط وديوان المحاسبة كونهما يسهمان في رصد الوضع المالي للدولة بشكل جيد عبر تقاريرهما المختلفة.

تطور في العوائد 

التقرير الذي أصدره المصرف المركزي منذ بضعه أيام أظهر تحسنا ملحوظا في الإيرادات العامة فاق تقديرات الترتيبات المالية وتخطى توقعات المؤسسة الوطنية للنفط، كما كشف عن فروقات كبيرة بين تقدير المصروفات وما تم إنفاقه فعلا، ولأن الفروق كبيرة نسبيا فهذا يبعث على التساؤل: هل ما وقع خطأ في التقدير، أم هو تحسن في إدارة المال العام؟!

 

الزيادة في مبيعات النفط تعود إلى استقرار لا بأس به بحقول وموانئ التصدير، حيث ارتفعت المبيعات إلى نحو 7% عنها في نفس الفترة من العام الماضي


في ما يتعلق ببند الإيرادات فقد سجل زيادة بمبيعات النفط التي تمثل أكثر من 90% من الإيرادات العامة، وذلك إذا اعتبرنا أن عوائد الرسوم على النقد الأجنبي ليست إيرادا عاما بالمفهوم التقليدي باعتبار أنها دخل استثنائي ومؤقت وسيتوقف مع الاستقرار السياسي والاقتصادي.

الزيادة في مبيعات النفط تعود إلى استقرار لا بأس به بحقول وموانئ التصدير، حيث ارتفعت المبيعات إلى نحو 7% عنها في نفس الفترة من العام الماضي، غير أن المؤسسة الوطنية للنفط تحدثت عن تراجع في عوائد النفط خلال شهر آب (أغسطس) الماضي ومخاوف من أن ينعكس ضعف الإنفاق على قطاع النفط على انخفاض الإنتاج، ومن الضروري الالتفات إلى هذه المطالب ومعالجتها.

هذا التحسن يمكن نسبته إلى ضغوط الداخل والخارج بصفة أكبر، فالملاحظ أن الأطراف الدولية المهمة متفقة على تجنيب النفط الصراعات القائمة، وبرغم محاولات حفتر، ومن خلفه الداعمين الإقليميين، كسر هذا الطوق إلا إن كل المحاولات باءت بالفشل.

أما ضغوط الداخل فتعود إلى تأثير الوساطات وتغيير اصطفاف وولاءات المجموعات المسلحة خاصة في حقول جنوب الغرب، وحالة الترقب لنتائج الحرب على طرابلس.

السر في عوائد الرسوم على الدولار

التطور الإيجابي في قطاع النفط لم يكن هو العامل الأساسي في تسجيل فائض في الإيرادات لأكثر من 5 مليارات دينار ليبي، بل هي عوائد الرسوم المفروضة على بيع النقد الأجنبي والتي فاقت ما تم تقديره بنفس قيمة الفائض.

هذا الدخل الكبير والذي بلغ 15 مليار دينار في تسعة أشهر فقط يمكن أن يسهم في معالجة بعض المختنقات المالية والاقتصادية، إلا أنه قد يفتح الشهية للمناورة واستمرار حالة الازدواجية في سعر صرف العملات الأجنبية للمحافظة على تدفق بيعها بالسعر الرسمي مضافا إليه قيمة الرسوم. 

تراجع كبير في النفقات الفعلية

على الجانب الآخر هناك الإنفاق العام والذي بلغ 29 مليار دينار تقريبا، فقد سجل فائضا أيضا بنحو 5 مليارات دينار، وهي حالة لم تقع خلال السنوات الماضية، ولم يشر تقرير المصرف المركزي إلى أسباب الفروق بين الإنفاق الفعلي والإنفاق المقدر في الترتيبات المالية، إذ لو كان السبب هو عدم تنفيذ كافة بنود الترتيبات المالية لوجب ذكره وقام المصرف المركزي بذلك كما فعل في بند المرتبات في تقريره بالإشارة إلى أنها لم تشمل مرتبات شهر أيلول (سبتمبر) الماضي.

وضع مالي يحتاج حسن تدبير

فوائض الإيرادات والمصروفات التي بلغت نحو 11 مليار دينار، ومرشحة أن تكون أكبر مع نهاية العام، تتطلب وقفة من قبل صناع القرار والمعنيين بالشأن الليبي من خبراء وغيرهم حول كيفية توظيفها.

أيضا عوائد بيع النقد الأجنبي من خلال فرض الرسوم والتي باتت خلال العامين الماضيين تضيف مبالغ كبيرة للإيرادات، تتطلب حكمة في التعامل معها بحيث يتم استخدامها بما يسهم في تحقيق التوازن ومعالجة أهم المختنقات التي تواجه البلد، خاصة في مجال الخدمات والتنمية والتي كانت مخصصاتها ولا تزال الرقم الصغير جدا في مقابل مصروفات استهلاكية مخيفة.

علاوة على ما سبق، من المهم جدا أن يواكب ديوان المحاسبة والمؤسسات الرقابية تقارير المصرف المركزي ببيانات ومعلومات تبين مدى انضباط النفقات ومظاهر الفساد الذي بالقطع يحتل مكانة ضمن هذا الإنفاق الهائل.
 
أخيرا ينبغي على حكومة الوفاق، خاصة وزير ماليتها، تبيان التوزيع الجغرافي للإنفاق، وإذا ما كان هناك إجحاف أو تمييز أو سوء في توزيع الدخل، خاصة مع إشاعة أن مرتبات المنطقة الشرقية التي يحيلها المصرف المركزي بطرابلس متوقفة وأنها تعتمد على مصادر تمويل ذاتية.