قضايا وآراء

الأردن.. أزمة اقتصادية أم أزمة ثقة؟

1300x600

تمسّك المعلمون في الأردن بمطلبهم الممثل بالزيادة المقدرة بـ 50% على الراتب الأساسي عاكسين بأدائهم قدرا من ضعف الخبرة في الحوار والتفاوض؛ في حين تمسكت الحكومة بموقفها من العلاوة بربطها بالكفاءة ونظام الرتب عاكسة نزعة أبوية لما يجب أن يكون وكيف ولمن يكون.
 
تمسّك الحكومة بموقفها مناورة سعت من خلالها إلى تجنب الخضوع لمطالب النقابة خشية أن تصيب العدوى المزيد من القطاعات العاملة في الحكومة كالأطباء والممرضين والمهندسين وغيرهم؛ لتدخل الحكومة في دوامة لن تقتصر كلفتها على مبلغ الـ 110 ملايين دينار المقدر ككلفة إجمالية لعلاوة  المعلمين؛ إذ سيضاف لها عاجلا أم آجلا كلف أقرانهم في قطاعات أخرى من الدولة.

هاجس الحكومة سرعان ما تحول إلى حقيقة نتيجة التأخر في احتواء الأزمة وتداعياتها والاعتماد على مناورة سيادية ذات طبيعة أبوية على الأرجح مكنتها من تجاوز العديد من المنعطفات خلال عامين من ولايتها؛ غير أن التأخير وتجنب الحوار مع النقابة وفر المناخ المناسب لتعالي الأصوات داخل القطاعات الاقتصادية كافة ورفع الكلف المالية تلقائيا على الحكومة التي باتت مضطرة لإدارة حوارات جانبية ومساومات مع كافة القطاعات الإنتاجية العاملة في الحكومة تشمل القطاع الخاص لتحييدها واسترضائها واحتوائها؛ فعامل الزمن لم يعد يعمل لصالحها.

 

تمسّك الحكومة بموقفها مناورة سعت من خلالها إلى تجنب الخضوع لمطالب النقابة خشية أن تصيب العدوى المزيد من القطاعات العاملة في الحكومة كالأطباء والممرضين والمهندسين


في المحصلة النهائية إضراب المعلمين فتح الباب واسعا للأطباء للضغط على الحكومة للمطالبة بعلاوة بدل التقارير الطبية للوافدين المقدرة بـ 40%، فنقيب الأطباء علي العبوس أعطى الحكومة مهلة أسبوع تنتهي الأحد 15 أيلول (سبتمبر) الحالي للاستجابة لمطالب الأطباء؛ تطور قاد الحكومة تلقائيا إلى مساومات سترفع كلف تمسكها بموقفها التفاوضي مع نقابة المعلمين فنهجها في إدارة الأزمة وموقفها من مطالب المعلمين أعطى نتائج عكسية تعكس غياب الحوار وضعف الخبرة التفاوضية وسيادة العقلية الإدارية التقليدية ذات النزعة الأبوية. 

الإضراب بات بمثابة فاتح شهية للممرضين والمهندسين وغيرهم من الفئات العاملة في الحكومة التي لم تتمكن من إنجاز الكثير خلال العامين الماضيين؛ إضراب وفّر بيئة تقدم قوة دفع لنقابة المحامين لاستكمال معركتها التي أطلقتها قبل أسابيع برفض نظام الفوترة التي اقترحتها الحكومة دعما لسياساتها الضريبية الجديدة .

أزمة حكومة الرزاز كبيرة لم تقتصر على المعلمين والنقابات والقطاعات الخدمية الأخرى الفاعلة في الدولة؛ بل إن علاقتها مع القطاعات الإنتاجية والتجارية والصناعية شهدت توترا ملحوظا في المرحلة الأخيرة ممثلة بغرفة تجارة الأردن برئاسة العين في مجلس الأمة (نائل الكباريتي) وغرفة تجارة عمّان برئاسة (توفيق الحاج)، توتر عكسته اتهامات الغرفتين للحكومة بمحاولة إقصاء الغرف التجارية المنتخبة من الفعاليات والنشاطات المحلية وعملية صنع القرار الاقتصادي أو الشراكة في صنعه؛ واستبدالها بأجسام وكيانات تنافسها وتحل محلها في الفعاليات الاقتصادية التي كان آخرها المنتدى الاقتصادي.

 

الإضراب بات بمثابة فاتح شهية للممرضين والمهندسين وغيرهم من الفئات العاملة في الحكومة التي لم تتمكن من إنجاز الكثير خلال العامين الماضيين


تراشق الحكومة والغرف التجارية الإعلامي عكس مناخ التوتر بين الحكومة والقطاعات التجارية؛ وأوحت بقرب اندلاع معركة جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص الذي لازال يعاني من السياسة الضرائبية التي أقرتها الحكومة العام الماضي؛ وأسهمت في تراجع أسعار المستهلك إلى 8% وتراجع النمو وزيادة البطالة إلى 19.2% .

انعدام الثقة بين شرائح المجتمع وقواه الإنتاجية والحكومة أزمة متراكمة ما إن تغيب حتى تعود لتطل برأسها قوامها انعدام الثقة في السياسات الاقتصادية وآلية إدارة الموارد؛ أزمة لم تعد تنجح معها النزعة الأبوية؛ والحوارات التي تتخذ طابعا خطابيا يتجاهل الحقوق ويركز على الواجبات.

ختاما إضراب المعلمين أعاد تشكيل البيئة الداخلية في الأردن على وقع الأزمة الاقتصادية وسوء الإدارة، كاشفا عن مأزق كبير يعكس غياب الحوار وآليات التفاوض وأدواته ونقص الخبرة والرؤية الاقتصادية والاستراتيجية لدى كافة الأطراف وعلى رأسها الحكومة ذات النزعة الأبوية المفرطة؛ نزعة تعمق من أزمة الثقة وتغيب الحوار من قاموسها.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع