أفكَار
هل ما زال "حزب التحرير" يعول على الجيوش لإقامة الخلافة؟
يصف حزب التحرير الإسلامي طريقته في العمل لإقامة الخلافة
بـ"الطريقة الشرعية والعملية الموصلة إلى التغيير الشامل"، التي
استنبطها من سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والتي تفيد حكما شرعيا يجب اتباعه،
ولا يجوز العدول عنه بحال إلى أي طريقة أخرى.
وتنص أدبيات الحزب على أن "الحزب قام بإضافة طلب النصرة إلى
الأعمال التي يقوم بها، وأخذ يطلبها من القادرين عليها، وقد طلبها لغرضين
اثنين: الأول: لغرض طلب الحماية حتى
يستطيع أن يسير في حمل الدعوة وهو آمن، والثاني: الإيصال إلى الحكم لإقامة الخلافة
وإعادة الحكم بما أنزل الله في الحياة والدولة والمجتمع".
وبحسب باحثين فإن حزب التحرير انفرد من بين الحركات والأحزاب الإسلامية
بتبنيه لطريقة محددة وصارمة، رفعها إلى مصاف الأحكام الشرعية الملزمة، وهي عنده
توقيفية لها صفة الثبات والديمومة، وقد التزم بها وسعى إلى تنفيذها وصولا إلى طلب
النصرة من أهل القوة والنفوذ عدة مرات، لكنها جميعها مُنيت بالفشل.
ويشير الناشط الإسلامي، عضو حزب التحرير في الكويت، عبد اللطيف الشطي
إلى أن "الحزب يحمل مبدأ وهو الإسلام، ويعمل على تطبيقه في الحياة، وأن كل
واجب أوجبه الله على الناس له طريقة شرعية لتنفيذه، لا يجوز تجاوزها أو الانحراف
عنها لأنها أحكام شرعية".
وأضاف "وقد أوجب الله تطبيق الإسلام في الحياة حيث قال تعالى:
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ..)،
لذلك وجب أن تكون طريقة تطبيق الإسلام من الإسلام نفسه، وإلا لم يكن مبدأ، وكان ناقصا،
وحاشى الإسلام من ذلك، وتلك الطريقة هي طريقة الرسول عليه الصلاة والسلام في إقامة
الدولة الإسلامية في المدينة المنورة".
وردا على سؤال "عربي21": هل حزب التحرير ما زال يعول على
الجيوش العربية طالبا منها النصرة لإقامة الدولة الإسلامية؟ أوضح الشطي أن
"طلب النصرة يكون من مظانها، والجيوش من قوى المجتمع، وثمة قوى أخرى غيره هي
من قوى المجتمع كذلك، وعلينا أن نفهم الأمر على أساس الأخذ بالأسباب، إذ إن الأخذ
بأسباب نجاح العمل واجب شرعا لنجاحه".
وتابع: "وقد أوجب الله طلب النصرة لتطبيق الإسلام من القوة
القادرة على نصرة الحزب من أجل تطبيق الإسلام، لذلك وجب الأخذ بجميع الأسباب
لتحقيق قيام قوة المجتمع لنصرة الحزب لتطبيق الإسلام في المجتمع، ومن الأخذ
بالأسباب عدم إهمال أي شخص أو فرد أو كتلة تكون مظنة لهذا الأمر".
إقرأ أيضا: حزب التحرير يخالف "إعلان العيد" بالضفة والسلطة تقمع أنصاره
من جهته لفت الناشط الإسلامي، والعضو السابق بالحزب، عمر صالح إبراهيم
إلى "أن الحزب أعاد دراسته للسيرة النبوية سنة 1962، واهتدى إلى مفهوم طلب
النصرة، فأضافها لأعماله، وهي تعني الاتصال بأهل القوة والنفوذ كالجيوش، وإقناعهم
بفكرة الحزب، ومن ثم طلب نصرتهم للوصول إلى الحكم لإقامة الخلافة".
وتابع: "وفي عقد السبعينات من القرن الماضي، ذهب الحزب إلى ما
أسماه بـ"العملية القيصرية"، وقد تبين من خلال التطبيق العملي أن الحزب
يقصد بها طلب النصرة ممن يمكنهم القيام بانقلاب عسكري"، ذاكرا أن الحزب سار على ذلك في عدة ولايات، ولا
يزال يسير على ذات الطريق حتى الآن".
ووصف إبراهيم سعي الحزب إلى طلب النصرة من الجيوش العربية بأنه لا
يعدو أن يكون "ضربا من ضروب العبث والوهم، فوزن الحزب في المجتمعات ضعيف جدا،
إضافة إلى أن واقع الجيوش العربية لا يخفى على أحد، فهي مخترقة حتى النخاع، والبحث
فيها عن مخلصين يمتلكون زمام الأمور
كالبحث عن إبرة في كومة قش" على حد قوله.
أما بخصوص تصور الحزب لإمكانية قيام ضباط بانقلاب عسكري، ثم يتنازلون
طواعية له عن السلطة ليقيم الخلافة المنشودة، فاعتبره إبراهيم "تفكيرا غير
عملي، ومن البعيد جدا تحقق ذلك، ومما يؤكد استبعاده أن كل محاولات الحزب السابقة
كانت تكتشف قبل أن تبدأ".
وفي السياق ذاته قال الباحث الشرعي الفلسطيني، عبد الكريم أبو غربية
في حديثه لـ"عربي21": إن "طلب النصرة التي يستدل بها الحزب حدثت في
سياقها التاريخي الخاص بها، وطلبها الرسول من شيوخ القبائل، الذين كانوا يمثلون
مراكز القوى والمنعة، في ذلك الوقت، وهم بمثابة الدول في زماننا".
وتابع "وذهاب الحزب إلى العملية القيصرية التي تعني التوسل
بالانقلابات العسكرية للوصول إلى الحكم، فكرة خاطئة، وهي تقليد لفكرة الانقلابات
العسكرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، من عبد الناصر إلى لؤي الأتاسي، وحسني
الزعيم وغيرهم، وهي تجسيد لفكرة السلطان المتغلب، ومخالفة لقاعدة السلطان
للأمة" متسائلا: "كيف يكون السلطان للأمة وهي لا تملك زمام أمرها، بل
تخضع لسلطان العسكر الذين يُفرضون عليها بالقوة عبر الانقلابات العسكرية؟".
وأردف "والناظر في حال الحزب بعد مرور سبعين عاما على تأسيسه،
وفشله في تحقيق أهدافه، يجد أن التحريريين ما زالوا يعيشون داخل الصندوق الفكري
الخيالي الذي صنعه الحزب لنفسه، ويرفضون مراجعة ما هم عليه، وإعادة النظر
فيه".
يشار إلى أن حزب التحرير يصر في أدبياته ومنشوراته على لزوم طريقته
التي يتبناها منذ أسسه عالم الدين الفلسطيني تقي الدين النبهاني سنة 1953، ومنها
طلب النصرة من الجيوش، وهي غير خاضعة عنده للمراجعة أو إعادة النظر، لأنها
"هي الطريقة الشرعية التي يجب اتباعها في سير الحزب نحو استئناف الحياة
الإسلامية لإقامة دولة الخلافة" وفق وصفه.
