من المزمع أن تنظر لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب، خلال الأسبوع المقبل، في أربعة قرارات، أعتقد أن جميعها يدق مزيدا من المسامير في نعش السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وعلى الرغم من أن اثنين من هذه القرارات يؤيدان إسرائيل بصورة سافرة، فإن الآخرين غير الملزمين هما ما يسببان لي قلقا حقيقيا!
فقرار مجلس النواب رقم 246 «الذي يعارض جهود نزع الشرعية عن دولة إسرائيل، وحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات العالمية»، هو قرار غير ملزم يضع الكونجرس في خانة معارضي حركة المقاطعة. وعلى النقيض من النسخ السابق، لا يفرض القرار عقوبات على أنصار الحركة، ولا يخلط بين إسرائيل و«المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية»، على نحو يعترف بصورة غير مباشرة بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية. ولهذا السبب، حظي القرار بتأييد عدد من المنظمات الليبرالية، وترعاه حاليا مجموعة مكونة من 338 عضوا في الكونجرس من كلا الحزبين.
وعلاوة على ذلك، تدعو صيغة القرار إلى تطبيق حلّ الدولتين على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، على أن يتمكن «كلا الشعبين من العيش في دولتين آمنتين ذواتي سيادة، وآمنتين من الخوف والعنف، في ظل اعتراف متبادل». ويحض القرار الإسرائيليين والفلسطينيين على العودة إلى المفاوضات المباشرة باعتبارها السبيل الوحيد لوضع نهاية للصراع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن بقية محتوى القرار 246 مكرّس لسلسلة من الحيثيات والبنود «القطعية»، التي تعارض حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بحق إسرائيل، وهذه البنود تسيء توصيف أهداف الحركة وتخطئ في الاقتباس عن مؤسس الحركة، وتزعم أن الحركة لا تستهدف إسرائيل فحسب، وإنما «اليهود الأفراد الذين يؤيدون إسرائيل».
ويقلقني القرار رقم 246 لسببين رئيسيين:
أولا: بغض النظر عن أن نص القرار غير ملزم، فإن المعهد العربي الأمريكي، وصفه وصفا صحيحا بأنه «خدعة واضحة» لنزع الشرعية عن حركة قانونية غير عنيفة تُدافع عن حقوق الفلسطينيين، وتحظى بمباركة أغلبية ساحقة في الكونجرس بسبب ذلك. وتشويه ممارسات الحركة، وإن لم يتم تجريمها، يضع الكونجرس في حالة تأهب لمعارضتها، ويفتح الباب أمام جهود مستقبلية لتجريمها.
ثانيا: لا يمكن وصف مهمة قرار مجلس النواب رقم 246 بتأييد حل الدولتين وإشارته إلى أن حركة المقاطعة تمثل عقبة على طريق تحقيق هذا الهدف، في أفضل الأحوال سوى بأنه «سذاجة»، أو «خداع». فلم يأت القرار على أي ذكر للعقبات التي تضعها الحكومة الإسرائيلية ولا 620 ألف مستوطن يعيشون في مستوطنات داخل الضفة الغربية، وعمليات مصادرة الأراضي بطريقة قاسية ولا هدم المنازل الفلسطينية والسلوكيات العنيفة لسلطات الاحتلال، ولا سياسات كل من الحكومة الإسرائيلية الحالية ولا الأحزاب المعارضة لها، فكلتاهما لا ترى أي مكان للدولة الفلسطينية التي يدعو إليها القرار 246. ولم يشر أيضا إلى سياسات الضم التي تجري حاليا في القدس الشرقية، وما لها من تأثير سلبي شديد على حياة 320 ألف مواطن فلسطيني يعيشون هناك.
وتم تجاهل كل ذلك، كما لو كان تواطؤا من قبل الكونجرس في هذه السياسات الإسرائيلية.
وأما القرار الثاني المنظور أمام الكونجرس، فهو قرار مجلس النواب رقم 326 «بخصوص جهود حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خلال حل الدولتين القائم على التفاوض»، وهذا القرار غير ملزم أيضا، ويرعاه حاليا 144 عضوا في الكونجرس، ولديه مشروع قانون مصاحب منظور أمام مجلس الشيوخ الأمريكي (رقم 234) ويرعاه 9 أعضاء ديمقراطيين، من بينهم مرشحان لمنصب الرئيس؛ هما «بيرني ساندرز» و«إليزابيث وارين».
ويتضمن القرار 326 بندا إيجابيا يدعو إلى وضع نهاية للاحتلال، بما في ذلك معارضة النشاط الاستيطاني والتحركات أحادية الجانب، الرامية إلى ضم الأراضي الفلسطينية. ونظرا لأن هذه الصياغة القوية لم تظهر من قبل في قرار منظور أمام الكونجرس بشأن القضية الفلسطينية برعاية عدد كبير من الأعضاء، فإن القرار 326 يستحق التأييد، لاسيما أننا لم نتمكن حتى من جعل حملة هيلاري كلينتون تضيف كلمتي «مستوطنات» و«احتلال» إلى برنامج الحزب في عام 2016.
لكن على الرغم من ذلك، يساورني القلق من أن يتحول هذا التأييد لـ«حلّ الدولتين» إلى ما اصطلحت على تسميته «التحرر من حلّ الدولتين»، فبينما نرى عددا قياسيا من أعضاء الكونجرس يؤيدون النتيجة المرجوة، لكنهم يحررون أنفسهم من مسؤولية فعل ما يمكن فعله لتحقيق هذه النتيجة، في ضوء الأمر الواقع داخل الأراضي المحتلة.
وخلاصة القول، إن الكونجرس، مثل الإدارات الحالية والسابقة، مسؤول عن ما آلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد أسفرت عقود من اللامبالاة، من جانب الكونجرس، في مواجهة التجاوزات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني، عن حصانة إسرائيلية وتعميق إحباط الفلسطينيين.
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية