قضايا وآراء

المظلومية والقفز على الواجب

1300x600

انتشر لأخي وحبيبي الدكتور محمد الشنقيطي بوست مهم بين ربوع أبناء الحالة الإسلامية والمكتوين بنار ظلم المستبد، وما أظن، ولا أشك أبدا في صدق نوايا وتوجه وأهداف ومساعي أخي الشنقيطي، وله في مقاومة الظلم والنيل منه عقود، بيد أنها الأفكار والاجتهادات.

ولأهمية ما في البوست من أفكار، كانت لي رؤية أخرى. وفي نهاية الأمر، كلنا داعمون للمظلوم ومقاومون للمستبد الظالم.

وأرى أنه من مقتضيات الحكمة في الصراع بين المستبد وحركات التحرر، واختلال موازين القوى بين الطرفين، ووجود مستبد قوي متكبر ظالم، وضعيف مقهور مظلوم، أن تحدث عمليات تدقيق وتنقيب دقيقة لدراسة وفهم كلا الطرفين، سعيا لنصرة الضعيف المظلوم واستعادة حقوقه، خاصة عندما تحدث إخفاقات وهزائم متكررة، فيصبح من الواجب كشف ومعرفة أسباب ضعف المظلوم وإخفاقه المتكرر في المعركة مع الظالم، ومن ثم يعتبر البحث في أخطاء المظلوم واجبا دينيا وعلميا ومنطقيا لتحديد أوجه وأسباب الضعف والخلل وعلاجها، تمهيدا وإعدادا للجولة التالية من الصراع.

بيد أنه وفي سياق تفاصيل وتداعيات مظلومية الضعيف المظلوم، تتيه الكثير من الحقائق ويُقطع الطريق على الواجب الطبيعي، بعد أي إخفاق أو هزيمة، تحدث بأن يتم تقييم وتدقيق كامل مكونات المشهد فكريا وبشريا وتنظيميا وإجرائيا، لكشف موطن الخلل والضعف وعلاجه، تحت ذرائع:

- أولوية مواجهة الظالم والبحث في ظلمه وتجاوزاته.

- المحافظة على ما تبقي من الضعيف المظلوم ومساندته.

- تشويه وتجريم أية عمليات نقد وتقويم يمكن أن توجه للضعيف المظلوم، والادعاء بأنه من الأولى توجيهها إلى الظالم.

- تغليب وسيادة العاطفة في التعامل مع المشهد، بالتعاطف السلبي مع المظلوم، والتعاون معه ودعمه لعرض شكواه ومظلمته، وليس في تقويمه وتطوير أسباب قوته حتى ينتصر على الظالم. وهنا تتفاقم الأزمة ويستمر ضعف المظلوم، ويتسع ويتعمق حجم ونوع الظلم المستمر عليه، ويزداد الظالم قوة، والمظلوم ضعفا وبكاء ونحيبا على مظلوميته.

وما أثار اهتمامي، أني وجدت هذا البوست لأخي الحبيب د. الشنقيطي، والذي يمثل تيار التعاطف مع المظلومين ويسير في نفس الاتجاه، حيث وجدت في البوست ما يشوه العقلانيين المناصرين بحق للمظلومين، الداعين لهم للوقوف عند أخطائهم لعلاجها حتى يتمكنوا من الانتصار على ظالمهم.. يسير في الاتجاه ذاته العاطفي اللاعقلاني ويشوههم بأنهم مشوهون أخلاقيا ونفسيا، وفقراء الضمير، وداعمون للمستبد الظالم، ومنشغلون بأخطاء المظلوم عن خطايا الظالم، أو هم الجبناء المتسترون وراء التفلسف وطول اللسان، وما درى أنه بذلك وعن غير قصد يقدم أكبر الدعم للظالم على المظلوم:

أولا: هذه الفكر تمثل قطعا للطريق على أي عمليات للنقد والتقويم الذاتي، وإعادة التأهيل والإعداد للجولة التالية.

ثانيا: تخدير المظلوم وفريقه وأتباعه بأنهم على الحق ويكفيهم الثبات عليه، وما درى أنهم على الحق، ولكنهم لا يمتلكون الأفكار والوسائل والقيادات والأدوات الحق للانتصار في معركتهم مع الظالم.

ثالثا: تكريس الضعف والخلل ودعم التستر عليه، بما سيتسبب في تعميق الأزمة وتكرار الفشل والظلم، واتساع رقعته والمتضررين منه.

رابعا: تشويهه وتجريمه للباحثين أصحاب العقل والفكر الساعين لدعم المظلوم، والتعاون معه في تصويب أخطائه، خاصة عندما يكون المظلوم ابن ميدان، يفتقر إلى الباحث والمفكر الأمين الذي يراقب الصراع ويكشف أبعاده، ويستطيع تقديم النصح الواجب.

خامسا: الخلط في الاستدلال وعقد مقاربة غير علمية لغير متجانسين، وهما الشعب، والنخب الناقدة، بالتقديم بشيء صحيح، وهو تشويه الاستبداد لنفوس المجتمعات والشعوب، وقتل حاستهم الأخلاقية، والتطبيع مع الظالم، وإسقاط هذه المقدمة الصحيحة على واقع غير صحيح، وهم الباحثون والمفكرون من فريق المظلومين أنفسهم، ولكنهم من طبقة أصحاب العقل والنظر والفكر والرأي الداعين إلى النقد الذاتي وكشف ضعف وأخطاء القيادة إن وجدت، وانحراف وخلل وعدم صلاحية بعض الأفكار الحاكمة إن وجدت، وعدم مؤسسية القرار إن وجدت.. إلى آخر ذلك من أوجه الضعف والخلل التي تتسبب في تكرار الفشل لعقود ولقرن من الزمان.. هم أصحاب الدعوة إلى التقويم والتطوير وليس الشعوب، فعموم الشعب غالبا لا يدركون حقائق الأمور وأبعادها وخفاياها، ولم يقوموا بالبحث في أخطاء المظلوم عن الظالم.

أسال الله تعالى أن يفتح علينا فضاءات التفكير بالمتنوع والمختلف من الأفكار التي يعالج ويقوّم ويقوّي بعضها بعضا، لتكون كل حروفها ثقيلة في ميزاننا جميعا، وشاهدة لنا عند رب العالمين.