قضايا وآراء

صناعة رؤية ومستقبل الثورة السورية

"سوريا الجديدة"- الأناضول
دعوة للتفكر الشامل العميق، وصولا إلى الحكمة والتبصر والقدرة على فهم أحدث أساليب الصراع التي تمارس عالميا على شعوب المنطقة فيما يسمى بالحرب الهجينة، ومن ثم القدرة على التدافع والصراع: "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج: 40)، وممارسة مكر المكر: "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).

لزاما علينا أن ندع سكرة فرح التخلص من النظام البعثي، وغفلة الاستغراق في النوم والأحلام الأوهام، ونستيقظ للتفكير والعمل الصحيح الواجب فعله؛ لأن الفرص الكبرى لا تتكرر في التاريخ البشري، حتى لا نستفيق فجأة على كارثة استراتيجية أخرى مثل:

1- الخدعة الكبرى لمراسلات حسين ماكماهون 1915م الخادعة، التي تضمنت عهودا بموافقة الحكومة البريطانية على الاعتراف باستقلال العرب بعد الحرب في القسم الآسيوي من الوطن العربي، في مقابل إشعال الشريف حسين الثورة العربية ضد الخليفة العثماني؛ بدعوى أنه احتلال عثماني، ليتم بعدها تفكيك وإسقاط الخلافة، وبداية الاحتلال العسكري الغربي للمنطقة.

2- اتفاقية سايكس بيكو في 1916 هي معاهدة سرية بين فرنسا والمملكة المتحدة، بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا، التي لم تسمع بها الشعوب العربية وتدرك نتائجها، إلا بعد أن تم تنفيذها واقعا مفروضا على الأرض.

3- نكسة 1967م التي نتج عنها احتلال أراضي ثلاث دول عربية، بالإضافة إلى احتلال القدس.

4- اتفاقية كامب ديفيد 1978م التي ترتب عليها أول اعتراف عربي رسمي من أكبر دولة عربية -عمود خيمة العرب-، اعتراف بالكيان المغتصب كدولة معترف بها رسميا، وضمنيا إعلان تفكك عقد الدول العربية وانفراط عقدها، وبداية مرحلة التطبيع والتخاذل المهين والتبعية. وجميع الكوارث الأربع حقق منها المشروع الغربي وإسرائيل مكاسب استراتيجية متراكمة ومركبة، في حين نالت منها الدول العربية والأمة الإسلامية خسائر استراتيجية متتالية وانهيارات عميقة مركبة.

والغريب في الكوارث الأربع التي تمت في سياق الهيمنة الغربية على العالم؛ تم تسويقها على أنها ستحقق نتائج مبهرة للعرب.



قلب العالم

وفي سياق حال السيولة العسكرية والسياسية التي يعيشها العالم الآن لإعادة رسم خرائط منطقة قلب العالم، والتي تمتد من الحدود الروسية مع دول القوقاز شرقا مرورا بتركيا حتى دول البلقان جنوب شرق أوروبا، وجنوبا حتى بحر العرب ومرورا بجزيرة العرب والدول العربية في شمال أفريقيا، امتدادا إلى حدود الأطلسي عند نهاية الوطن العربي عند المغرب، بما تمتلكه هذه المنطقة من عدة اعتبارات جيو استراتيجية، تجعل من يمتلكها يمكنه السيطرة على العالم.

أ- موارد طبيعية من بترول وغاز ومعادن.

ب- الشبكة الرئيسية لخطوط الغاز والبترول العالمية.

ت- المياه الدافئة الصالحة للملاحة طول العالم.

ث- محور خطوط المواصلات العالمية بين الشرق والغرب.

ج- تحتوي على أهم أربعة أحواض مائية كبرى: البحر الأحمر والأبيض وقزوين والأسود.

ح- قوة بشرية تمثل ثلث سكان العالم.

د- وحدة جغرافية ممتدة بكل هذه المساحة.

حيث تُعد الطبخات العسكرية والسياسية بشكل متسارع لتشكيل خرائط جديدة، الأساس للنظام العالمي الجديد الذي يتصارع عليه حلفان كبيران وحلف ثالث ناشئ؛ الحلف الأول أمريكا والدول الغربية والهند وباكستان، والحلف الثاني: الصين وروسيا وإيران، والحلف الثالث: تركيا التي تبدو وحيدة ومحايدة بين الحلفين، وتسعى لإحياء تمددها ونفوذها التاريخي عبر استغلال الفراغات والفرص الناشئة، والاستثمار فيها في القوقاز وشمال أفريقيا والبلقان وأخيرا في سوريا.

أولا: الأسئلة الكبرى المركبة

الأسئلة الواقعية التي يجب الإجابة عليها والاستعداد والعمل لتحقيقها، حتى لا تفرض علينا أجندات وقرارات خارجية مؤلمة، أسئلة المحطة التاريخية الحالية التي أضع لها شعارا والتزاما "لا للهروب والعيش في سكرة فرحة التحرر، وأوهام التحرر وحلم البناء". مقصد وغاية هذه الأسئلة الكبرى، هو فهم الواقع الدولي والإقليمي لفك شفرة ومستقبل الثورة السورية والمنطقة، والتحول من المفعول به سياسيا، إلى المشارك الفاعل في رسم خرائط المنطقة وتشكل النظام العالمي الجديد.

أمامنا ثمانية أسئلة كبرى، لا يمكن الإجابة عليها إلا بعد الإجابة على الأسئلة الصغرى، وعددها ثلاثون سؤالا، حيث سيتم تجميع إجابات الأسئلة الكبرى من حصيلة فهم إجابات الأسئلة الصغرى:

س1: كيف نحافظ على المكاسب التي تحققت في الحالة السورية؟

تصنع الشعوب الساعية للتحرر نموذجها الخاص (الأفكار والمسارات والخطط الاستراتجية) للعودة إلى دينها وهويتها الإسلامية الأصيلة الراسخة للتحرر من الاستبداد العالمي والمحلي، وبناء حكم راشد لدولها الجديدة.

س 2: ما مراحل وشروط ومعايير التحرر وفق النموذج والمعايير الإسلامية، وليس مقاربة مع النماذج الغربية للثورة الفرنسة والأمريكية.. إلخ؟

س 3: في ظل الواقع والتطلعات الدولية المتنوعة، والتحديات والفرص الحالية، ما هي رؤيتنا لبناء الدولة السورية الجديدة؟ بمعنى السيناريوهات السورية الخاصة للشعب السوري وخريطة الطريق المقابلة لسيناريوهات القوى الفاعلة والمحركة للأحداث؟

س 4: ما هو النموذج السوري المبتكر للتحرر والبناء المناسب للواقع الإقليمي والدولي (المنطلقات والمبادئ- المقومات- السياسات- نظرية العمل- الاستراتيجية)؟

س 5: من نحن.. الشعب السوري وشعوب المنطقة؟

- مسلمون حقيقيون نفهم الإسلام النبوي والراشد الأول، ونحمل رسالة الإسلام للعالمين للتحرر من ربقة الكفر والاستبداد والطغيان العالمي، لتكون كلمة الله تعالى هي العليا رحمة للعاملين، ولسنا دعاة دول قوية ذات قوة وسيادة واستقلالية وتنمية وأمن واستقرار فقط، كأساس لأمة إسلامية واحدة تعيد للإنسان قيمه وكرامته وحريته، وللعالم عدالته، وأمنه، واستقراره.

- مسلمون مستضعفون على هامش الحياة، مع الاحتفاظ ببعض مظاهر الهوية الإسلامية الظاهرة، والتخلي عن الهوية الإسلامية العميقة، ونرضى بالذل والهوان والتهديد المستمر تحت سلطة النظام العالمي الأمريكي العلماني اللاديني المحارب لديننا ولكل الأديان.

- مسلمون علمانيون ليبراليون مشركون ملحدون اشتراكيون.. إلخ. مزيج مُبتدع لضمان العيش المسمى "حضاري" آمن ومستقر نسبيا تحت سلطة وسيادة النظام العالمي، مع الاحتفاظ بالمسموح به من الهوية الإسلامية الظاهرة.



س 6: ما علاقة الدولة السورية الجديدة بالإسلام؟

أ- عقيدة ومقصد ومصدر ومرجعية ومعيار؛ الدولة تقوم بالدين ولرعاية الدين.

ب- محايد.

ت- توظيف ما يناسب منه لتحقيق مصالح النظام والدولة؛ بمعنى عقيدة المصلحة لا التوحيد.

ث- استخدامه كمكون مهم في صناعة مزيج ثقافي معاصر، يناسب العصر ويقبل من النظام العالمي.

- لا شك في أن ما تحقق في سوريا ما هو إلا أحد ارتدادات طوفان الأقصى، وما قُدمت فيه من تضحيات وثمن ليقظة ووعي وتحولات جديدة، يجب أن تتم في المنطقة والعالم لتشكل العالم الجديد.

س 7: ما هو الإطار العام فقط والملامح الأساسية للمشروع الإسلامي العالمي، وما هي مرحلته الحالية ومراحله التالية؟

س 8: ما المهمة التاريخية لهذا الجيل من الشعب السوري بنخبه وتنظيماته الدينية والفكرية والسياسية والمذهبية المتنوعة، لترسيخ التحرر الحقيقي الذي يمكن المحافظة عليه واستكمال البناء عليه من المشاريع التنفيذية؟

أولا: القصيرة ومتوسطة الأجل التي تتطلبها اعتبارات اللحظة التاريخية التحولية الحالية، ومحدودية الجاهزية النفسية والفكرية والمادية الناتجة عن طول فترة الاستبداد والتهجير.

ثانيا: الطويلة الأجل التي تتطلب إعدادا استراتيجيّا كبيرا، ومناهج عمل جديدة تتطلب التحول من التنظيم إلى الدولة، ومن العمل السري إلى العمل العلني الطبيعي في مجتمع حر ومفتوح للجميع، وفق قواعد العمل المؤسسي الحديث والحوكمة الإدارية والسياسة.

ثانيا: الأسئلة الصغرى البسيطة


س1: ما هي المشاريع العالمية الجارية لإعادة تشكل العالم؟

س2: ما موقع المنطقة العربية وسوريا في المشاريع العالمية الكبرى؟

س3: ما القوى الفاعلة التي شاركت في القضاء على نظام الأسد وجيش سوريا (القوى المحركة)؟

س4: ما هي الدول الخاسرة والمستفيدة من ذهاب نظام الأسد؟

س5: من المستفيد والمتضرر من اكتمال نجاح الثورة السورية، وتشكل نموذج جديد للتحرر من الاستبداد، وبناء دولة مدنية حرة حديثة بمرجعية إسلامية؟

س 6: لماذا قامت إسرائيل بتدمير مقومات الجيش السوري كافة؟

س 7: لماذا خرجت القوات الروسية وتوجهت إلى ليبيا ومالي؟

س 8: أين ذهبت ركائز نظام الأسد (مخابرات وأمن وقادة الجيش ورجال المال والاقتصاد)؟

س 9: لماذا تم تفكيك وتفريغ الدولة العميقة لنظام الأسد، كجزء من سيناريو التحرر؟

س 10: ما هي مصالح وأولويات كل من أمريكا وتركيا وإسرائيل وأوروبا في سوريا؟

س 11: ما الخسائر الاستراتيجية لكل من إيران وروسيا نتيجة خروجهما من سوريا؟

س 12: ما موقف الصين من التحرر السوري؟

س 13: ما التطلعات والسيناريوهات الأمريكية الغربية الإسرائيلية المتوقعة خلال الأعوام الثلاثة القادمة؟

س 14: ما التطلعات والسيناريوهات التركية المتوقعة خلال السنوات الأربع القادمة؟

س 15: ما التطلعات والسيناريوهات الإيرانية الروسية المتوقعة خلال السنوات الثلاث القادمة؟

س 16: ما السيناريوهات الثلاثة المتوقعة لسوريا خلال السنوات الخمس القادمة؟

س 17: ما هي ضمانات استمرار ونجاح نظام أحمد الشرع؟

س 18: ما هي الفرصة التاريخية والمقدرات والضمانات المتاحة لبناء سوريا الجديدة الآن؟

س 19: ما التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه بناء سوريا الجديدة الآن؟

س 20: ما تصورات العلاقة القادمة بالنظام الدولي -الأمريكي العلماني- اللاديني المحارب للإسلام الصحيح؟

أ- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه لضمان الوجود ورفع العقوبات والتعاون الدائم.

ب- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه لضمان الوجود ورفع العقوبات والتعاون والتحرر المتدرج منه.

ت- المرونة والتماهي معه والدوران في فلكه، لضمان الوجود ورفع العقوبات، والتعاون مع إدخال بعض التحسينات التكميلية الخاصة.

ث- التمرد عليه جزئيا والتعاون مع تركيا وصناعة علاقات وتوازنات مع الصين وروسيا.

ج- التمرد عليه كلية والاعتماد على الذات والتعاون مع تركيا.

س 21: ما نموذج الدولة والحكم الأفضل لسوريا الآن (مدني بمرجعية إسلامية- إسلامي راشد- ديمقراطي- ديمقراطي راشد- أخرى)؟

س 22: ما هي هوية الدولة السورية الجديدة؟

أ- وطنية جامعة لكل السوريين على قاعدة الوطن (جغرافيا وتاريخ ولغة).

ب- إسلامية حاضنة لكل المكونات غير الإسلامية، على قاعدة الدين وأحكامه والعقد الاجتماعي.

ت- علمانية حاضنة للإسلام.

ث- عولمة في فلك المشروع الأمريكي والتطبيع (لادينية).

ج- أخرى.

س 23: ما هو المقوم الجوهر الأساس الذي تمكن من توحيد وحشد قوميات الجنس البشري كافة في هوية واحدة، وتعايش منظم آمن مستقر لأطول فترة زمنية في تاريخ البشرية؟

س 24: ماذا يعني الانشغال بالتفاصيل دون الكليات، وبالاستغراق في الإجابة على الأسئلة الصغرى وتجاهل القفز والهروب من الأسئلة الكبرى لأنها صعبة ومؤلمة ومُكلفة؟

س 25: من ثوابت العقيدة السياسية الأمريكية، صناعة وإشعال الأزمات وإداراتها والمحافظة على اشتعالها وتضخيمها، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الأمريكية المستمرة والدائمة لأطول فترة زمنية ممكنة، كما أن من أهم مقررات العقيدة العسكرية الأمريكية أن تحارب وتحقق أهدافها عبر حلفاء، أو شركاء، أو وكلاء، أو وسطاء، بعلمهم أو دون علمهم، وبمقابل ودون مقابل. وتلكم من فنون الحرب الهجينة وعلوم المفاهيم وقيادة البشر.

والسؤال هو: ما أهم دلالات إدارة وتحولات الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري منذ بداية الثورة في 2011 وحتى الآن (كانون الثاني/ يناير 2025م)؟

س 26: إلى أي مدى يمكن أن يصل صراع الإرادات والمصالح بين أمريكا وتركيا على الأرض السورية، وارتداداته على الدولة السورية الوليدة، في سياق العلاقة الاستراتيجية الصلبة بين الولايات المتحدة وتركيا، وعبر كل الأحزاب السياسية المتعاقبة على حكم تركيا، وأهمها وأولها العدالة والتنمية؟

س 27: ما الفجوة المفاهيمية والعقائدية والسياسية بين الدولة الإسلامية الراشدة بالمفهوم والنموذج النبوي والخلافة الراشدة حتى عام 35 هجري، وبين النظام الديمقراطي الغربي اللاديني، تمهيدا للبحث في إمكانية إنتاج صيغة إسلامية من عدمه؟

س 28: ما مفردات العقيدة العسكرية لهيئة التحرير التي ستكون بمنزلة النواة الجوهر للجيش السوري الجديد، ومقوماتها المفاهيمية الأساسية التي تجيب على أسئلة العداء والتحالف والحرب والسلم.. إلخ؟

س 29: ما هو الجوهر الأساس والأصل، والعارض التابع في صناعة تحولات المنطقة كتحالفات ودول وقوى وقدرات.. إلخ؛ قادرة على إنجاز تحولات في المشهد السوري في الشهور والسنوات القادمة؟

س 30: كيف نتحول كقيادة سورية من المؤقت المجهول اللاإرادي، إلى الثابت الراسخ المعلوم الإرادي تحت السيطرة؟

خاتمة: إجابة الأسئلة الفرعية ستمنحنا فهما شاملا عميقا للواقع، وتمنحنا القوة المعرفية للإجابة على الأسئلة الكبرى التي ستمنحنا القدرة على تصميم السيناريوهات المتوقعة من القوى المتحكمة في المنطقة، ورسم سيناريوهات سورية خالصة للتعاطي مع كل ما يمكن حدوثه خلال الشهور والسنوات الخمس القادمة، وبذلك نكون قد امتلكنا مشروعا سوريّا خالصا، في سياق رؤية إقليمية وعالمية واعية.

في المقال القادم، نتناول السيناريوهات الثلاثة للقوى الكبرى الفاعلة في المشهد السوري، والسيناريوهات السورية الواجبة في التعاطي معها، ومن ثم واجبات الإعداد على المدى القصير والمتوسط كحد أدنى، للمحافظة على ما تحقق من إنجازات حتى الآن، ومهام واجبات المرحلة.